أفادت دراسة دولية أن سلالة واحدة من الكوليرا القاتلة تسببت في وقوع مختلف أنواع الأمراض التي ضربت أفريقيا وأمريكا على مدى 50 عامًا مضت، وأن مصدر هذه السلالة هي آسيا. الدراسة أجراها باحثون من بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى خبراء من منظمة الصحة العالمية، ونشروا نتائجها في العدد الأخير من دورية "Science" العلمية المتخصصة. وللوصول إلى نتائج الدراسة، مكن العلماء من جمع 700 نموذج من الميكروبات وفك شفرة حمضها النووي، ثم قاموا بالمقارنة بين جينوم تلك البكتيريا المسببة للكوليرا، ونماذج الشفرة الوراثية لسلالات بكتيريا (Vibrio cholerae) التي كانت تعدي الإنسان دون أن تتسبب في الأوبئة بأوروبا وآسيا. وبعد بحث جاد، كشف عالم الوراثة من معهد سنجر البريطاني نيكولاس تومسون وزملاؤه، الموطن الأصلي للمرض، بعد تحليل الحمض النووي لنماذج الكوليرا التي تسببت في وقوع الأوبئة الكبيرة في إفريقيا وأمريكا على مدى 50 عاما مضت. وقال تومسون إن كل تلك الأوبئة جاءت مباشرة من آسيا، لأن جينومها مماثل عمليا لجينوم الميكروبات الآسيوية. وأظهرت الدراسة، أن الوباءين الكبيرين للكوليرا في أمريكا اللاتينية، اللذين وقعا عامي 1991 و2010، و11 وباء للكوليرا انتشرت في أفريقيا، تسببت بها جميعا سلالة واحدة للميكروب الذي ولد على شاطئ خليج بنغال وغيره من مناطق جنوب وجنوب شرق آسيا. وأشار تومسون إلى أن هذا الاكتشاف يسمح للعلماء والأطباء بكشف مصادر الأوبئة ومكافحتها بنجاح عن طريق متابعة سلاسل انتشار الميكروبات في العالم كله، بناء على ظهور طفرات في الحمض النووي للبكتيريا. وقال الباحث المشارك في الدراسة، فرانسوا كزافييه ويل، من معهد باستير للأبحاث في باريس، إن نتائج الدراسة تكشف أن العديد من النسخ الجديدة من الكوليرا دخلت أفريقيا منذ سبعينيات القرن الماضي. فيما رأى كبير الخبراء في منظمة الصحة العالمية دومينيك ليجرس، إن هذا الاكتشاف يشير إلى أن إفريقيا وأمريكا لا يحتويان على مصادر دائمة للمرض، ويعني ذلك أن بالإمكان القضاء عليه. وأضاف أن عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بمرض الكوليرا يمكن أن يتقلص بحلول عام 2030 بنسبة 90%. وأوضح ليجرس أن لبكتيريا (Vibrio cholerae) نوعين، أحدهما كلاسيكي تسبب في وقوع غالبية الأوبئة خلال القرن ال19، والآخر نوع معاصر أطلق عليه "الطور"، تسبب في وقوع غالبية الأوبئة منذ عام 1960. وقد تم العثور على السلالة الجديدة لأول مرة عام 1905 في مدينة الطور المصرية، ويموت كل سنة نتيجة الإصابة بها حسب المعلومات المتوفرة لدى منظمة الصحة العالمية نحو 120 ألف شخص. وتعتبر الكوليرا من الأمراض المعوية المعدية التي تُسببها سلالات جرثومية، تنتقل إلى البشر عن طريق تناول طعام أو شرب مياه ملوثة ببكتيريا من مرضى كوليرا آخرين. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الكوليرا مرض حاد من أمراض الإسهال يمكن أن يفتك بالأرواح في ظرف ساعات من الإصابة به إذا تُرك دون علاج. ويقدر عدد حالات الكوليرا بما يتراوح بين 3 و5 ملايين حالة فى العالم، وعدد الوفيات الناجمة عنها 120 ألف حالة سنويًا، ويمكن علاج 80% من الحالات بنجاح بواسطة أملاح معالجة الجفاف التي تعطى عن طريق الفم.