السياق تزايدت في السنوات الأخيرة محاولات الاستفزاز الجزائري المباشر للمملكة المغربية، والأكيد أنها لن تكون الأخيرة. هذه المرة جاء التهجم من وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل الذي كان يتحدث في ندوة نظمت في إطار الجامعة الصيفية لمنتدى رجال الأعمال بمدينة صفاقس التونسيةً، ولم يتمالك نفسه أمام تنويه رجال أعمال جزائريين وتونسيين وأفارقه وأجنبيين بالسياسة الاستثمارية للمغرب في إفريقيا والنجاحات التي حققتها. وصرخ في وجه الحاضرين قائلا: "الجزائر ليست المغرب". ونحن نؤكد بالفعل أن الجزائر ليست هي المغرب "on ne compare pas l'incomparable"؛ وذلك لعدة أسباب، سنركز فقط على الشق المالي والاستثماري الذي أغاض الوزير الجزائري. المغرب والجزائر: شعب واحد، ولكن! بداية، ينبغي التأكيد على أن الشعب المغربي والشعب الجزائري شعب واحد، لا عداوة بينهما، وأن سياسة المغرب الخارجية مع الجزائر، كما وضع معالمها جلالة الملك محمد السادس، تتلخص في أمرين. الأول، قوله عز وجل: 'ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". والثاني، أكد عليه جلالته في خطابه الذي وجهه بمناسبة عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ويتمثل في اختيار المغرب سبيل التضامن والسلم والوحدة والعمل الجماعي من أجل تحقيق التنمية والرخاء للمواطن الإفريقي. ولكن يأبى السياسيون الجزائريون إلا أن يخونوا الحلم المغاربي، الذي ناضل من أجله جيل القادة المجاهدين في الخمسينيات من القرن الماضي، وانطفأت بسببه شعلة الاتحاد المغاربي. المغرب: البلد الأول إفريقيا في الجاذبية الاستثمارية يعتبر المغرب منذ 2015 من بين الاقتصادات الإفريقية الأكثر جاذبية، وتم تصنيف الدارالبيضاء كأفضل قطب مالي في القارة الإفريقية، حسب مؤشر المراكز المالية العالمية، الذي تصدره منظمة Z/Yen البريطانية، ويأخذ هذا المؤشر في تصنيفه بعين الاعتبار آراء المتخصصين في السوق المالي من مختلف دول العالم، وتقارير مؤسسات دولية مثل البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي. وجاءت العاصمة الاقتصادية المغربية في المركز 30 عالميا، متقدمة على مدن كبيرة مثل الدوحة، أمستردام، كوالالمبور ودوبلان. وتم تصنيفها الأفضل إفريقيا متقدمة على جوهانسبورغالجنوب إفريقية، التي حلت في المركز الثاني إفريقيا و59 عالميا، وبعدها جزر موريس التي صنفت في المركز الثالث إفريقيا و71 عالميا، أما الجارة الجزائر فللأسف لا تكاد تسمع لها مركزا في هذا المجال. علاوة على هذا، نال القطب الماليالدارالبيضاء ثقة البنك الإفريقي للتنمية، الذي أنشأ فيها صندوق إفريقيا 50، الذي يسعى إلى تطوير البنيات التحتية. وحسب تقرير المكتب الدولي "ايرنست ويونغ" لسنة 2017، الذي يقيس الجاذبية الاستثمارية للدول، تصدر المغرب التصنيف إفريقيا في هذا المقياس، متبوعا بكينيا وجنوب إفريقيا اللتين احتلتا الرتبة الثانية مناصفة، فيما احتلت غينيا المركز الرابع أمام تانزانيا الخامسة. وللأسف لم تتواجد أي من دول شمال إفريقيا – ومنها الجزائر- في تصنيف أحسن عشر وجهات إفريقية الأكثر جاذبية للمستثمرين. ويعتمد هذا المؤشر الذي منح الصدارة للمملكة إفريقيا على حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لقياس مرونة كل بلد في مواجهة الضغوطات الماكرو-اقتصادية، بالإضافة إلى التقدم المسجل في مجالات حساسة على المدى الطويل كالحكامة والتنوع الاقتصادي، والبنيات التحتية ومجال الأعمال والتنمية البشرية. وأشار "ايرنست ويونغ" إلى أن المغرب نجح في تحسين صورته باعتباره قاعدة تصدير نحو أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، وأن صناعة السيارات بالمغرب تواصل إثارة اهتمام المستثمرين، وأن هذا الاهتمام يتجسد في ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في هذا القطاع من خمسة مشاريع سنة 2014 إلى 14 سنة 2016. المغرب: المستثمر والمشغل الأول إفريقيا وحسب مكتب "ايرنست ويونغ" دائما، فإن الاستثمارات المغربية في إفريقيا فاقت 4 مليارات دولار في 2016، ممثلة بذلك 5.1 في المائة من إجمالي الاستثمارات الخارجية في إفريقيا، الشيء الذي جعل المغرب يحتل المرتبة الأولى في لائحة المستثمرين الأفارقة في إفريقيا. وأحدث المغرب من خلال هذه المشاريع التي استثمر فيها في إفريقيا تقريبا 3957 فرصة عمل جديدة خلال 2016، بزيادة 3.1 في المائة مقارنة مع 2015، متجاوزا بذلك أداء جنوب إفريقيا التي خلقت مشاريعها الاستثمارية في القارة الإفريقية 2925 منصب عمل؛ وهذا جواب عملي معتمد من طرف هيئة مستقلة ذات مصداقية دولية على تُرهات وهرطقات الوزير الجزائري مساهل الذي فشل في تبخيس دور الأبناك المغربية ونجاعة المخططات التنموية القطاعية بالمغرب، خاصة في المجال الصناعي. الأبناك المغربية وشركة الخطوط الملكية المغربية: ريادة إفريقية باعتراف دولي بالنسبة لشركة الخطوط الملكية المغربية، فقد حصدت جائزة أفضل شركة طيران أفريقية لعام 2017 التي تمنحها هيئة "سكايتراكس"؛ وذلك للمرة الرابعة في تاريخها. مع العلم، أن جائزة "سكايتراكس" التي تطمح إليها العديد من شركات الطيران، تشكل مرجعا عالميا في قطاع النقل الجوي الدولي، باعتبار أن منظمة سكايتراكس هي هيئة عالمية تتميز بجدية استطلاعاتها العلمية والموضوعية، وهي متخصصة في تصنيف شركات الطيران على أساس يقيم جودة أداء وخدمات الشركات الجوية. في ما يخص الأبناك المغربية، فازت مجموعة التجاري وفا بنك بجائزة "أفضل بنك في إفريقيا لسنة 2017" من طرف تصنيف "مجلة يورومني"، وهي مجلة دولية مرجعية في الأسواق المالية على المستوى العالمي منذ عام 1992، وهي فئة جديدة من الجوائز تم اعتمادها هذه السنة في العاصمة البريطانية لندن من قبل مجموعة من المحللين المالين المعتمدين وغالبية الباحثين والمتخصصين في الخدمات البنكية الإلكترونية. هذه الحقائق وهذا التقدير الدولي وهذا الاعتراف الواسع بكفاءة الأبناك المغربية يجعل بالمباشر وبالملموس تصريحات وزير الخارجية الجزائري كاذبة وغير مسؤولة وصبيانية. المغرب في المرتبة 68 والجزائر في المرتبة 156 في الترتيب العالمي من أصل 190 دولة في أهم مؤشر عالمي في الاستثمار ومناخ الأعمال يصدره البنك الدولي. يتمركز المغرب في الصنف الثاني في الترتيب العالمي من حيث سهولة ممارسة الأعمال، وحقق المرتبة 68 في الترتيب العالمي من أصل 190 دولة حسب تقرير البنك الدولي برسم سنة 2017، بينما صُنفت الجارة الجزائرية في ذيل الترتيب في المرتبة 156 في الصنف الخامس وما قبل الأخير. هذا المقياس يصنف الدول بالاعتماد على تطور غالبية المؤشرات المؤثرة بشكل مباشر في مناخ أعمال هذه الدول، وهي: نقل الملكية، رخص البناء، أداء الضرائب، الربط بالكهرباء، التجارة عبر الحدود، الولوج إلى التمويل، تنفيذ العقود، حماية المستثمرين، المقاولات في وضعية صعبة، إنشاء المقاولات. فمرة أخرى الجزائر ليست المغرب، يلزمها تخطي 88 مرتبة لتصل إليه في أهم مؤشر عالمي في الاستثمار ومناخ الأعمال كما يقر بذلك تقرير Doing Business الذي يصدره البنك الدولي. خاتمة: نقطة نظام إن مثل هذه التصريحات الكاذبة والصبيانية غير المسؤولة والوقحة، هي التي تطعن حلم الاتحاد المغاربي من الخلف، وتخون إرادات الشعوب وطموحات معاهدة مراكش التأسيسية، منذ 28 سنة خلت. وإن السلوك الجزائري العدواني على المغرب هو السبب الرئيسي الذي يجعل من الاتحاد المغاربي المنطقة الأقل اندماجا في القارة الإفريقية وفي العالم أجمع. هذه التصريحات لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تُغير الواقع الجزائري المحتدم والمتدهور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودبلوماسيا، والأجدر بالمسؤولين الجزائريين أن يهتموا بإصلاح أوضاع شعبهم بدل محاولات تلهيته بحبوب الهلوسة أو بصراعات مفتعلة تُخفي ملفات الفساد وفشل النظام الجزائري. *دكتور في الهندسة المالية وباحث في السياسات العمومية