منذ بداية القرن الحادي والعشرين الميلادي، تحققت في المغرب إنجازات متباينة الأهمية في القطاع الثلاثي من الاقتصاد الوطني. من المعلوم أن هذا القطاع، الذي يشمل عناصر متعددة، من بينها الخدمات بواسطة التكنولوجيات الرفيعة والنقل، لم يتعد نصيبه في الناتج الوطني الإجمالي للسنة الماضية 50%، أي أقل بكثير من النسب التي سُجلت في الولاياتالمتحدة (80 %) وفرنسا (79 %) على سبيل المثال. في ما يلي نظرة حول النانوتكنولوجيا ومراكز البيانات، وهما عنصران من التكنولوجيات الرفيعة ما زال إقلاعهما في المغرب بطيئا، ثم حول النقل بالسكك الحديدية الذي تلقى دفعة مالية كبيرة ليتوفر ابتداء من السنة المقبلة على قطار فائق السرعة. النانوتكنولوجيا ومراكز البيانات النانوتكنولوجيا nanotechnology (باللغة الإنجليزية) صنف من التكنولوجيات الرفيعة يشمل صناعة أجهزة وأنظمة مادية على معيار نانومتر، وهي وحدة لقياس الطول تساوي واحد من مليار أجزاء المتر. وتستخدم النانوتكنولوجيا في تحسين المواصلات السلكية واللاَّسِلْكِيَّةِ وتخزين البيانات، وتشخيص وعلاج الأمراض الخطيرة والكشف عن العوامل الكيميائية والبيولوجية الضارة. ويبدو أن النانوتكنولوجيا الرفيعة، في المغرب، ما زالت في مرحلة التفكير؛ وذلك بالرغم من أن مجموعتي كازانيرشور (Casanearshore) وتكنوبوليس (Technopolis) اللتين تم إحداثهما، الأولى في الدارالبيضاء والثانية في الرباط،، مجهزتان تجهيزا جيدا من حيث البنية التحتية، بالرغم من افتقارهما إلى موارد بشرية مختصة. وهناك صنف آخر من التكنولوجيات الرفيعة ينشأ ويستخدم أساليب معلوماتية لمعالجة البيانات بآلات ينتجها الأخيار. وتوجد من بينها في المغرب مجموعات لتيسير التواصل التلقائي للعمليات تُسمى Data centers )مراكز البيانات.( وإذا استطاعت الحوسبة بواسطة الكمبيوتر والأجهزة التابعة له تحسين وتسريع استغلال البيانات الهجائية - الرقمية داخل عدد كبير من الكيانات العمومية والتجارية، فإن التكنولوجيا الرفيعة وسعت المعالجة التلقائية ويسرت تواصل العمليات بين الكيانات بواسطة دوائر قادرة على نقلها بسرعة عالية وحماية كافية ضد التشويه والقرصنة. وبعد ما تبين أن الكيانات المتوسطة والصغرى غير قادرة على إحداث دوائر خاصة بها لنقل البيانات، الشيء الذي يتطلب استثمارات ضخمة، أُنشئت مراكز متعددة الأصل تعتمد على اللامركزية الجزئية ليستطيع زبناؤها تبادل بياناتهم الهجائية - الرقمية بطريقة آمنة وسريعة؛ الشيء الذي جعل تلك المراكز تُحدث وتزداد، خصوصا بعد ظهور الحوسبة السحابية (Cloud computing) التي تستغل القوة الحسابية والتخزينية عن بعيد لملقمات العولمة اللامركزية بواسطة شبكات الاتصال كإنترنت مثل . وتُستأجر هذه الخدمة برسوم مقبولة، غالبا ما تُحدد بالتفصيل وفقا لمعايير تقنية (الطاقة،عرض النطاق الترددي، إلخ.) وأحيانا بثمن إجمالي. ودُشن أخيرا في مدينة تمارة Maroc Data Center ، وهو مركز يتوفر على منصة للحوسبة السحابية، خصصت له هسبريس الإلكترونية مقالا في يوم الاثنين 2 أكتوبر 2017. النقل بالسكك الحديدية يبلغ طول شبكة السكك الحديدية المغربية حاليا حوالي 2.200 كيلومتر، ثلثها عبارة عن مسارات مزدوجة، ونصفها تقريبا مكهرب. نظرا للتزايد الذي عرفته احتياجات البلاد منذ استعادتها للسيادة الوطنية، أصبحت تلك الشبكة غير كافية. وإذا كان من الضروري ازدواج وكهربة مسارات أخرى وتجديد جزء من المعدات المستعملة من القطارات التقليدية، أُعلن في أوائل شهر فبراير 2010 عن مشروع إنشاء قطار عالي السرعة بين طنجةوالدارالبيضاء؛ وهكذا ستُخفض مدة الرحلة بالسكة الحديدية بين المدينتين من أربع ساعات و45 دقيقة إلى ساعتين اثنتين و10 دقائق في عام 2019. وشُرع في الإنجاز بطنجة في يوم الخميس 29 سبتمبر 2016، بعد ما قُدرت التكاليف المتوقعة لذلك المشروع العملاق، بما في ذلك تشييد خط جديد للمسار المزدوج بين طنجة والقنيطرة، ب20 مليار درهم. هذا وإن مدة الاسترداد المنتظرة ستكون طويلة جداً إذا لم تنجز استثمارات أخرى إضافية وجانبية. ويعتبر أهم استثمار إضافي الذي، إذا أُنجز، سيجعل مدة السفر بالسكة الحديدية دون تغيير القطار من الدارالبيضاء إلى مدريد بإسبانيا لا تصل إلى 5 ساعات؛ وهو ما يستوجب إيصال شبكة القطار فائق السرعة الإسبانية إلى مدينة الجزيرة الخضراء وربطها بالشبكة المغربية عبر قنطرة فوق مياه مضيق جبل طارق أو نفق تحتها. هذا وإن هذه الفكرة نُوقشت في الأوساط المغربية الإسبانية المعنية زهاء عقود متعددة منذ منتصف القرن العشرين الميلادي. واعتُثبر النفق أفضل من الجسر نظرا، من جهة، للرياح الشرقية العاصفة التي تهب في تلك الناحية، ومن جهة أخرى لأن شبكة سكة حديدية تحت الماء ستجعل من السهل السيطرة على الهجرة غير الشرعية. كيف ما كان الحال، بالرغم من أن ما يقرب من 30 مليون أورو تم صرفه في الدراسات الجيوفيزيائية، ذلك الاستثمار الإضافي ما زال في سَلّة المهملات. في ما يخص الإستثمارات الجانبية، يعتبر من الضروري تحسين وسائل النقل الحضري في المدن التي سيتوقف فيها القطار عالي السرعة. لقد تم في كل من الرباطوالدارالبيضاء إنشاء شبكة للتنقل الحضري بواسطة ترام له وقفة بالقرب من محطة القطار الرئيسية، الشيء الذي لم تستفد منه طنجة؛ ذلك مع العلم أن المدن الثلاث لا تتوفرعلى عدد كاف من حافلات عادية، مجهزة تجهيزا جيدا وتتحرك بكيفية مبرمجة حسب تدفق الراغبين في الإستفادة منها. وهناك سيارات الأجرة صغيرة وكبيرة الحجم إلا أن سائقيها قليلا ما يطبقون قواعد التعايش الجيد بين السكان. كيف ما كان الأمر، فإن المتفائلين يعتقدون أن المجالس البلدية المعنية قادرة على إملاء وفرض اللوائح المناسبة في ميدان النقل الحضري قبل الصيف المقبل. *مدير مركزي سابق ببنك المغرب