لا ينكر أحد أن أزمة التعليم تعد من الإشكالات الكبرى التي تواجه بلادنا، وذلك راجع للمكانة الرفيعة والأهمية البالغة التي يحتلها هذا القطاع في تقدم ورقي الأمم. ورغم أن المملكة تعيش على إيقاع العديد من أوراش الإصلاح التي مست جل القطاعات الحيوية بما فيها التعليم، فإن هذا الأخير لم يشهد إلى حدود الساعة إصلاحا جذريا حقيقيا قادر على اجتثاث الأعطاب التي ورثها عبر الزمن. لقد عانى قطاع التعليم مند الاستقلال إلى اليوم من توالي برامج الإصلاح المستعجلة والتي لم تؤت أكلها بل زادت الطين بلة، وجعلتنا نتذيل ترتيب الشعوب في سلم التعليم. ولما كان المجتمع يتخبط في ظواهر الأمية، وانهيار منظومة القيم، والجريمة، والرشوة وغيرها، فإنه أصبح لا محيد عن التركيز على بث الحياة في منظومة التعليم العمومي كمفتاح لإصلاح أوضاع الأمة، ومعبراً نحو اللحاق بالدول المتقدمة. فمن الثابت أن التربية والتعليم يمثلان المدخل الوحيد والأوحد لصناعة الأجيال المواطنة، والعنصر البشري المنظم والمؤهل، وزرع الأخلاق والقيم النبيلة. لذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن استمرار العبث في التعاطي مع أزمة التعليم سيزيد من هدر الزمن، وتضييع فرص الإصلاح، وسيؤدي إلى استشراء التخلف داخل المجتمع. ونستطيع القول، إن انتشار ظواهر غير مألوفة داخل المجتمع "كالتشرميل" مثلا والعنف داخل الأقسام، وكذا المخدرات، وغيرها، راجع بما لا يدع مجال للشك إلى إفلاس المنظومة التعليمية في القيام بدورها في التعليم والتربية وغرس منظومة القيم والأخلاق النبيلة داخل جيل بأكمله، بمعنى فشل نظامنا التعليمي في إنتاج الإنسان الذي يملك من المناعة والمهارة والكفايات ما يمكنه من الاندماج الإيجابي والفعال داخل المجتمع. فلا يعقل أن تبقى المنظومة التعليمية منغلقة على نفسها، وتسبح في دوامة العبث، في حين يعيش المجتمع تطورات متسارعة بفعل ظاهرة العولمة وانفتاحه على واجهات وثقافات متعددة. ينبغي ألا يغيب عن الأدهان أن التحديات التي تعيشها بلادنا سواء على المستوى الداخلي من رهانات توطيد أسس التنمية المستدامة، وإرساء الخيار الديمقراطي، أو على المستوى الخارجي المتمثلة في التحولات الإقليمية والدولية، تفرض علينا أكتر من أي وقت مضى وضع ورش إصلاح التعليم ضمن الأسبقيات الوطنية، والحسم في نوع ونمط التعليم الذي نريد وفق رؤية استراتيجية اندماجية بعيدة المدى وغير مستعجلة، تعتمد على مقاربة تشاركية تشمل جل فعاليات المجتمع، بعيدا عن الحسابات السياسية والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة التي تجعل كل مشروع للإصلاح يولد ميتا. وبهذا الخصوص، هناك حقيقة يصعب إغفالها وهي أن مثالب نظامنا التعليمي تكمن بالأساس في عدم تفعيل مبدأ دستوري مهم وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة والذي يبقى الحلقة المفقودة في التعاطي مع هذه الأزمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر سنة 2015 حول أنشطته لسنة 2013 عن اختلالات شابت برنامج "جيني" الخاص بإدماج تكنولوجيا المعلوميات والاتصال في التعليم، ورغم ذلك لم يتم محاسبة المسؤولين عن تلك الاختلالات. لذا، لا يمكن تحقيق نهضة في قطاع التعليم بل في جل المجالات واللحاق بالدول المتقدمة بدون تطبيق صارم وعادل للقانون على أساس المساواة وسيادة القانون فوق الجميع بمعني تفعيل مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل السادس من دستور المملكة لسنة 2011 والتي تنص على أن: "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له." إننا بحاجة اليوم، إلى تعليم عمومي عصري وذي جودة يستفيد منه أبناء هذا الوطن على أساس المساواة وتكافؤ الفرص، ويقطع مع معالم النظام التعليمي الحالي الذي يكرس اللامساواة في استفادة المواطنين من الحق في التعليم باعتباره حق دستوري وإنساني. فكيف يعقل أن يستفيد من تيسرت له الأسباب المادية من تعليم خصوصي له مقومات الجودة، في حين يقبع من لم تتوفر له الأسباب المادية في تعليم عمومي يتخبط في مستنقع من الأزمات؟ إن النظام التعليمي الحالي يتنافى مع منطوق الفصل 31 من الدستور والذي ينص على أن: " تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: - الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة." ونختم بالقول إنه إذا كان العلم مفتاح التقدم وبحرًا لا ساحل له، فإننا مازلنا على الشاطئ في أمس الحاجة إلى تعليم عصري متطور ومجاني يستجيب لحاجيات المجتمع المستقبلية، ويعتمد على مناهج تعليمية أساسها ثقافة الإبداع والابتكار والنقد، عوض ثقافة الذاكرة والحفظ والتلقين.