بعد صيف مضطرب جراء الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت كاتالونيا، دشنت اسبانيا دخولها السياسي على وقع التحدي الانفصالي بكاتالونيا الذي أرخى بكل ثقله على الساحة السياسية وطغى على باقي أحداث الساعة. ويتعلق الأمر بتحدي كبير، حتى أن خبراء يعتبرونه أصعب ما يمكن أن تواجهه الدولة في إسبانيا بعد محاولة الانقلاب التي قام بها في فبراير 1981، 200 من عناصر الحرس المدني، الذين استولوا على مجلس النواب. ولئن كانت النزعات الانفصالية ليست وليدة اليوم، فإن حكومة كاتالونيا، التي تتولى السلطة منذ يناير عام 2016، جعلت من استقلال هذه المنطقة الغنية في شمال شرق اسبانيا، معركتها، عاقدة العزم على المضي في تحقيق هدفها. وشهد الأسبوع الماضي تطورات جديدة في هذا المسلسل حيث انتقلت الحكومة الكاتالانية إلى السرعة القصوى في تنفيذ مشروعها. فقد اعتمد البرلمان الكاتالاني قانونا ينص على تنظيم استفتاء للاستقلال يوم فاتح اكتوبر في هذه المنطقة بالرغم من أن الحكومة الاسبانية تعتبر هذه الاستشارة غير قانونية والتي حظرتها المحكمة الدستورية. وتم اعتماد هذا القانون بغالبية 72 صوتا وامتناع 11 عن التصويت. وانسحب نواب المعارضة الذين اعتبروا التصويت غير قانوني من القاعة لكي لا يشاركوا في التصويت. وأصدرت حكومة إقليم كتالونيا مرسوم تنظيم استفتاء للاستقلال وقع عليه مجموع اعضاء الحكومة الانفصالية التي يرأسها كارل بويغدومونت الذي قال في تغريدة على تويتر إن هذه الاستشارة تنظم من أجل "الحرية والديمقراطية". ولم يتأخر رد الحكومة المركزية، التي أعلنت مرارا أنها لن تسمح أبدا بإجراء الاستفتاء. وقدم رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، طعنا أمام المحكمة الدستورية ضد القرارات التي اعتمدها البرلمان الكتالاني والحكومة لتنظيم الاستفتاء. كما أعلن الادعاء العام للدولة عن ملاحقات قضائية ضد أعضاء مكتب البرلمان، لأنهم قاموا بالتوقيع على مرسوم الاستفتاء وسمحوا بمناقشة والتصويت على القانون الذي ينص على الاستفتاء. كما قام الحرس المدني الإسباني بعمليات تفتيش في إقليم تراغونا بحثا عن أوراق التصويت التي قد تستعمل خلال الاستفتاء المحظور. وكان راخوي قد أكد أن استفتاء تقرير المصير لن ينظم، مبرزا أن الدستور لا يمكن تعديله إلا بشكل قانوني، ودعا الانفصاليين إلى التوقف عن "تصعيدهم السياسي". وبالرغم من رد فعل الحكومة الاسبانية الصارم على الصعيدين السياسي والقانوني، أكد بويغدومونت اصراره على تنظيم الاستفتاء، مبرزا أنه "أمام الملاحقات القضائية والتهديدات، هناك دائما المزيد من المتطوعين والبلديات الملتزمة". وقد عبرت 674 بلدية عن دعمها للاستفتاء من أصل 948 بلدية في المنطقة. غير أن بلدية عاصمة كاتالونيا برشلونة التي يبلغ تعداد سكانها لوحدها 1,6 مليون نسمة، رفضت لحد الآن اتخاذ قرار بهذا الخصوص، مطالبة الحكومة الكاتالنية ب"ضمانات" أمام المخاطر القانونية التي قد تواجه موظفيها إذا ما وافقت على تسليم مقارها لتنظيم الاستفتاء. وهكذا، يشكل التحدي الانفصالي أبرز حدث يطبع الدخول السياسي الحالي، وهو موضوع لم تختره الحكومة المركزية، ولكن فرض عليها من قبل الأحزاب الانفصالية الكاتالانية الذي يتعين عليها مواجهته. *و.م.ع