نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تحقيقاً حول ما بات يعرف بقضية "تسريب معلومات سرية" من لدن موظف أمنيّ فرنسيّ للمخابرات المغربية، وكان قد جرى تقديم المعني بالأمر نهاية ماي الماضي أمام القضاء، ووصلت التحقيقات إلى كشف بعض التفاصيل الجديدة. وحسب ما أوردته الصحافة الفرنسية آنذاك، فإن "الأمر يتعلق بموظف أمن يعمل في مطار أورلي الباريسي، يُعتقد أنه قدم معلومات سرية وبطريقة غير قانونية للسلطات المغربية مقابل أموال تمثلت في رحلات مدفوعة إلى المغرب". وتتهم النيابة العامة الفرنسية الضابط بالقيام طيلة الثلاث سنوات الأخيرة بتسريب معلومات سرية إلى السلطات المغربية وإفشاء السري المهني، عبر تزويدها بأسماء المطلوبين في قضايا الإرهاب، إضافة إلى أسماء الممنوعين من السفر. وأوردت صحيفة "ليبراسيون"، في تحقيقها الذي نشر على موقعها الرسمي، أن مدير شركة أمنية تعمل في مطار أورلي بباريس يشتبه في كونه وسيطاً بين رجل الأمن الفرنسي والجانب المغربي، وقد وُضع الوسيط هو الآخر ضمن إجراءات الاعتقال الاحتياطي. وتشير المعلومات، التي أوردتها الصحيفة الفرنسية، إلى أن ضابط الشرطة المعني بالأمر يدعى إدريس أ.، وينحدر من المغرب، فيما يدعى مدير الشركة الأمنية (تشارلز د)، الذي أصبح رئيس وحدة المعلومات التابعة لشرطة الحدود بمطار أورلي. وتتمثل مهمة هذه الوحدة المساهمة في مكافحة الإرهاب عن طريق رصد احتمال تطرف موظفي أورلي والتنسيق بين مصلحة الهجرة وأجهزة مكافحة الإرهاب الفرنسية، كما ترصد الوحدة أيضاً المعلومات السرية المرتبطة بالأشخاص خصوصاً الجواسيس الأجانب حين يعبرون الحدود. وتشير الصحيفة إلى أن عمل وحدة المعلومات التي يديرها تشارلز كان حساساً جداً، خصوصاً في الفترة ما بين سنتي 2015 و2016 التي كانت فيها موجة الهجمات الإرهابية تضرب القارة الأوروبية. وتضيف الصحيفة أن "إدريس، الذي عمل ضابطاً للشرطة، كان يخبر تشارلز بكل شخص مشتبه يحط بمطار أورلي قادماً من المغرب، ويبادر تشارلز، بمبادرة منه، إلى مراقبتهم وكتابة تقارير عنهم توجه للأجهزة السرية الفرنسية ويوفرها أيضاً للأجهزة المغربية". وكشفت الصحيفة أن تشارلز وُلد بالكونغو حين كانت تسمى الزايير، ولم يحل بفرنسا إلا في بداية سنوات الثمانينيات كطالب لجوء، وتمكن بعد ذلك من الالتحاق بالشرطة الوطنية سنة 1992. رجل ثالث كشفت عنه الصحيفة الفرنسية، يدعى (محمد. ب)، بكونه يعمل "مجال الاستخبارات" في المغرب، ويشتبه في أن يكون هو المتلقي النهائي للوثائق السرية. وقد كانت هذه العلاقة بين الأشخاص الثلاثة قد تزامنت مع فترة التوتر التي طبعت العلاقات الفرنسية المغربية دبلوماسياً، والتي كانت لها تداعيات على مستوى تبادل المعلومات. ويورد تحقيق الصحيفة الفرنسية إلى أن "تشارلز استفاد من رحلات في غشت 2015 و2016، وفي أبريل 2017، وحصل على تذاكر وحجوزات في فنادق من أربع نجوم، وكان يعتزم في فاتح يونيو الماضي التوجه إلى أنغولا مع زوجته إلا أن مفتشية الشرطة الوطنية الفرنسية حلت بمنزله ووضع رهن الاعتقال الاحتياطي". وفتح التحقيق حول الأمر يعود إلى منتصف صيف 2016، حيث تلقت المفتشية العامة للشرطة الوطنية بفرنسا معلومات مجهولة الهوية تفيد باستفادة تشارلز من السفر إلى المغرب مقابل توفير معلومات مستخرجة من ملفات الشرطة الفرنسية. وحين تأكدت شكوك النيابة العامة، جرى تكليف قاضي التحقيق في 8 دجنبر من عام 2016 بالملف، حيث جرى رصد حسابات المعنيين بالأمر، واكتشف المحققون على إثر ذلك إيداع 10 آلاف أورو في حساب تشارلز دون معرفة مصدرها. وقد اعترف تشارلز بكل شيء، وقال إنه "تصرف من أجل مصلحة وطنه لمنع أي عمل إرهابي في فرنسا"، وأضاف أنه "أحال هذه الوثائق السرية للجانب المغربي، بمبادرة منه من أجل الاستفادة في المقابل من معلومات أكثر". محامي المعني بالأمر قال، في تصريح للصحيفة الفرنسية، إن "المخابرات المغربية وفّرت لموكله معلومات من أجل تحديد موقع عبد الحميد أباعود، منسق الهجوم الإرهابي في 13 نونبر 2015 في فرنسا"، وأضاف قائلاً: "موكلي لم يكن يعتقد أنه تصرف ضد بلده؛ بل من أجل المصلحة"، في حين قال محامي إدريس إن "موكله كان، دائماً، يقوم بعمل من أجل الأمن القومي الفرنسي".