نزار بركة: تعبئة شاملة لحزب الاستقلال من أجل الوطن والمواطن    انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا ورياح بعدد من الجهات    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنمية الإنسان بمنطقة الريف .. "ديمقراطية القطرة" وإخماد الفتنة
نشر في هسبريس يوم 01 - 07 - 2017

مؤلم جدا ما حدث ويحدث في ريف 2017، وقبله في سيدي إفني وخريبكة، وقبل هذه التواريخ بكثير في البيضاء ووجدة وفاس ومراكش (1990، 1984، 1981 وسنوات أخرى من تاريخنا المعاصر).
عنوان ما حدث: لماذا يحتج الشعب؟ لما يحتج الشعب ما العمل؟
في الأنظمة الناقصة الديمقراطية، جواب الحكومات يكون بسيطا: الشعب يحتج لأنه زاغ، وهناك قوى خارجية تحرض على الفتنة. جواب السلطة: اعتقلوا المحتجين عن آخرهم وأرعبوا من يساندهم من أجل إخماد الفتنة، وليستمر الكرسي فوق الجثث. الحصيلة أزمة مستمرة وأحيانا إما انقلابات أو ثورات أو حروب أهلية مدمرة للجميع.
في الأنظمة الديمقراطية، يعتبر الاحتجاج تعبيرا عن غضب الشارع وتعبيرا عن الرفض في موضوع أو مواضيع ما. جواب السلطة: من حق الشعب أن يحتج دون منة من أحد. يسمع الحكام صوت الشعب فيغيرون السياسات والحكومات أو يستقيلون وتعاد الانتخابات. آنذاك تنتهي الاحتجاجات ويختار الشعب من يراه مؤهلا لإدارة شؤونه والتجاوب مع مطالبه.
في الأنظمة السائرة نحو الديمقراطية، يكون الاحتجاج تعبيرا عن الغضب؛ لكن يقع التباس الحكومات في تفسيره، وبالتالي في كيفية التعامل معه. والسبب هو أن حكومات الدول السائرة نحو الانتقال الديمقراطي ليست لا من الصنف الأول ولا من الصنف الثاني. تخلط في تفسيرها للاحتجاجات وتعاملها معها بين النسختين، أحيانا تغرف من الإناء الأول فتشبع المحتجين اعتقالا، وأحيانا تغرف من الإناء الثاني فتقول للمحتجين "سمعتكم". وكثيرا ما تقول "سمعتكم" أولا، ثم تعقب ذلك بحملة اعتقالات عوض أن تقوم بتغيير السياسات أو استقالة المسؤولين أو إعادة الانتخابات، وفتح صفحة جديدة من تاريخ الدولة. في هذه الأنظمة يتأرجح ميزان القوى تجاه الانفتاح أو الانغلاق، وبين الحرية والقمع بهبة برد.
ويعتبر هذا التأرجح طبيعيا ما دام يعبر عن التوازن الهش بين إرادة التقدم ومساعي الجر إلى الوراء. تمثل قوى التقدم كل الفئات الشعبية المتضررة اقتصاديا واجتماعيا من الوضع القائم، ومعها النخب الديمقراطية والمتنورة وجماعات حقوق الإنسان، وكل من يرى مصالح مختلف فئات الشعب في مجتمع ديمقراطي ومتقدم. بينما مساعي الجر إلى الوراء تتمثل في أصحاب المصالح والتقنوقراطيين المستفيدين من الوضع والأحزاب المهيمنة في المشهد السياسي والمتنفعة من الوضع القائم ماديا ومعنويا والقوى المحافظة التي تخشى التطور النوعي للمجتمع الذي قد يجعل بنيتها الفكرية وتصورها السياسي موضع سؤال.
لذا، كلما تقدم اتجاه كلما تراجع الآخر، والعكس بالعكس صحيح. لهذا، نرى في تدبير أزمة الريف طرقا مختلفة بين فترة وأخرى، سماح بالتظاهر، تخوين واتهام بالانفصال، اعتراف بشرعية مطالب المحتجين، اعتقالات في صفوف مؤطري الاحتجاج، ثم تأكيد جديد لشرعية المطالب، والتأرجح بين منع الاحتجاجات هناك والسماح بها هنا ...
هذا الوضع في مجمله من الشمال إلى الجنوب عنوان فشل منطق "القطرة قطرة" في السير على طريق الانتقال الديمقراطي نحو المجتمع الديمقراطي المتقدم. ولهذا، يجب الانتقال من سياسة "قطرة قطرة" إلى سياسة "خطوة خطوة". إن حجم تراكم المآسي والآلام منذ الاستقلال (1956) إلى اليوم (2017) المصحوب بالاختلالات البنيوية في النظام السياسي وفي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تضع بثقلها نحو الجر إلى الوراء. هذا التراكم السلبي أثقل بكثير من المكتسبات الديمقراطية والحقوقية النسبية التي تحققت في مجالات مهمة، ولهذا يجب أن تكون هناك خطوات ديمقراطية وتنموية كبيرة وملموسة ومتبناة من لدن أوسع فئات المجتمع لأنه بدونها وبدون تبنيها بشكل واسع، مهما كان التقدم، يكون هشا.
اليوم (2017)، لما ننظر إلى الماضي، لا بد أن نرى تقدما هنا، وتقدما هناك، مشروعا ناجحا هنا ومشروعا فاشلا هناك، وعود نفذت ووعود بقيت حبرا على ورق، علامات رفاهية محدودة ومظاهر بؤس منتشرة. والسبب في عدم القطع مع الماضي المتخلف أن الإنسان المغربي في المجمل مغيب من المعادلة المغربية التي تقول كل الخطابات إنها تستهدف تحسين وضعه المعيشي والذي استعصى على التحسن، والقطع مع واقع الفقر والذي لم يُنجز. المقاولة تعاني أيضا وخصوصا المقاولات الصغيرة والمتوسطة والتي لا تجد الطريق سالكا نحو الحياة أولا والنمو ثانيا. هذا القطاع الذي يعتبر أكبر مشغل مضغوط وبيئة الأعمال شرسة تجاهه. أما معاناة النقابات، فقد انتقلت من العناء من عدم تنفيذ المطالب إلى المعاناة من عدم وجود حتى مستمع لتلك المطالب. وهذا كله في إطار معاناة شاملة وطنيا من خلال السياسات الشكلية والإقصاء والهيمنة والاستفراد بالقرار، معاناة تمتد جهويا ومحليا من خلال غياب الوعي المؤسساتي بأهمية البناء الجماعي للمجال الترابي.
هذا الوضع نجم عنه ضعف التنمية البشرية، وإقصاء المغربية والمغربي من الاستفادة من أسهم التنمية، حيث لا ينعكس كل التطور الجاري على جيب المواطن مباشرة وعلى كل أحياء ودواوير البلاد، وهذا هو جوهر المشكل الاقتصادي في مغرب اليوم.
مما يؤدي إلى هذه النتيجة السيئة عاملان رئيسيان: أولا، وجود أصحاب مصالح كبرى ولوبيات همها الأساس الحفاظ على مصالحها بجشع وفق نظرة متخلفة لا تؤمن بأن الوطن مركب جماعي ولن يكون هناك ناجون عند إغراقه. هذه الفئة داخل منظومة الهيمنة تؤمن بإمكانية تأبيد القهر والحرمان، وتعتبر ممارسة بعض الحريات مهما كانت بسيطة، ثقبا في جدار يجب أن يبقى "صلبا" على الدوام.
ثانيا، ضعف مرجعية صانعي السياسات في ما يتعلق بأهم مكونات ومناهج الفهم الحديث للحكم عموما ومناهج الحكامة الجيدة خصوصا، وهذا ما تجلى في المقاربات الحكومية في مختلف المجالات بداية من إعداد مشروع الميزانية السنوية التي تتضمن كل سياسات الدولة (اليوم الإعداد فوقي من لدن مؤسسات الدولة البيروقراطية)، إلى إعداد مشاريع القوانين (إشراك شكلي لمنظمات المجتمع المدني وعدم اعتبار اقتراحاتها وعدم وجود آليات لإشراك الجمهور الواسع)، إلى تدبير الأزمات بما في ذلك الأزمات الاجتماعية ذات الطابع السياسي، ومن بينها أزمة الريف التي جاء حراك الريف ردا عليها.
وعلى ذكر أزمة الريف، إنها نتيجة لسياسات جاءت وفق منطوقها لإشراك المواطن في التنمية وكانت نتيجتها الغضب الجماعي من وضع لا تنمية فيه، حيث البطالة تضرب أرقاما قياسية. وهذا ليس مفاجئا بدليل عدم فهم الحكومة لمعنى مشاركة المواطن، حيث تعوضه بمشاركة المنتخبين أو بمشاركة بعض (وليس كل) منظمات المجتمع المدني.
إن المقاربة التشاركية (مشاركة المواطن) تقوم على مشاركة من هو بعيد عن مواقع اتخاذ القرار. المنتخبون يشاركون في إطار المؤسسات المنتخبة (وهذا ما تضمنه الديمقراطية التمثيلية)، ومؤسسات المجتمع المدني يمكنها أن تشارك وفق الآليات التشاركية للحوار والتشاور الموجودة (وإن كانت معطوبة في أغلبها)، لكن مشاركة المواطن تبقى الآلية الغائبة بالمطلق وهي الأهم والتي تعطي معنى لكل المشاركات الأخرى وبدونها كل تلك المشاركة لا قيمة لها. وآلية الأهم لإشراك المواطن هي جلسات الاستماع العمومي، حيث يتحول صانع القرار إلى مستمع فعال (يسمع ويتفاعل وينفذ ما يسمعه من السكان).
إن المقاربة التشاركية بهذا المضمون مطلوبة لكل المؤسسات والمواطنات والمواطنين ولكل المغرب من غربه إلى شرقه ومن جنوبه إلى شماله، وهذا هو الشرط الأساس لإنجاح التنمية التشاركية التي يمكن بكل تأكيد أن يستفيد منها الجميع، تنمية لا تترك أحدا وراءها.
ولا يمكن تصور مقاربة تشاركية دون ضمان حرية التعبير. إن حرية التعبير هي التي تجعل المواطن يصرح بما يفكر فيه دون قيود ودون رقابة لا ذاتية ولا غيرية. وهذا يتطلب تعميق الحريات العامة وفق ما تقتضيه منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. وفي هذا السياق، يجب ضمان حق الاحتجاج السلمي، كحق مطلق للأفراد، شرط عدم عرقلة السير في الشوارع والطرقات كحق مكفول لعامة الناس (لذا التظاهر في الشارع يتطلب إجراءات قانونية وتنظيمية).
إن ممارسة الاحتجاج هو المتنفس الذي يجعل المواطن يشعر بأنه محترم في بلده، وأن بلده له. وفي الاتجاه نفسه يجب ضمان حق الجمهور في المعلومات وحرية الصحافة، نظرا لما تتيحه الصحافة من إمكانات للنهوض بالشفافية ومحاربة الفساد في المجتمع، إذ بدون حق للمواطن في المعلومات وبدون حرية الصحافة، لا يمكن أن تكون للمواطن معلومات تؤهله للمشاركة الفعالة في صناعة القرار. كل هذه المستويات تتداخل، مما يؤكد أن المقاربة التشاركية ليست عبارة في بلاغ، بل منهجية أفقية وعمودية متداخلة لحكم دولة.
إن الفشل في تحقيق التقدم، بالرغم من الطموحات المعلنة من هنا وهناك، يفرض علينا أن نبحث في هذا الفشل وأسبابه لنحدد الفرص المؤدية للنجاح.
وبناءً عليه، إن المحاور الكبرى للتغيير المنشود تتمحور حول الحرية والشراكة المواطنة، وتتلخص في ما يلي:
انتخابات برلمانية ومحلية وجهوية حرة وشفافة بجيل جديد
يتيح المجال السياسي المغربي إمكانية مشاركة المواطنات والمواطنين في انتخاب مجلس النواب، وهيئات الحكم المحلي بما في ذلك المجالس الجماعية والجهوية. وهذه المؤسسات لها الكثير من الصلاحيات التي تؤهلها للدفع بعجلة التنمية إلى الأمام إن سيرها أشخاص نذروا أنفسهم لخدمة الصالح العام ووضعوا مصالحهم الشخصية والعائلية مع مصالح كل أبناء وبنات المجتمع، وأيضا ممن يكونون مقتنعين بضرورة تحقيق التنمية والديمقراطية ويضعون هذا الهدف نصب أعينهم كهدف يجب تحقيقه في ظرف زمني محدد قد لا يتجاوز عشر سنوات، شرط أن يتم قطع ثلثي المسافة عبر الإصلاحات البنيوية خلال الخمس سنوات الأولى.
المشكل الكبير الذي يواجه الانتخابات هي ضعف المشاركة ترشيحا وانتخابا، وخصوصا ضعف مشاركة الشباب والنخب، هؤلاء الذين يمكنهم أن يقودوا التغيير من خلال تطوير عمل المؤسسات المنتخبة.
لذا، إن تحقيق التنمية والديمقراطية خلال العشر سنوات المقبلة يتطلب انخراطا واسعا للشباب والنخب في قيادة عملية التغيير وفق منظور ينبني على ضرورة الالتحام بالمجتمع بكل مكوناته وتقديم مشروع التغيير نحو التنمية والديمقراطية كمشروع مجتمعي جماعي الكل فيه رابح، باستثناء من عاشوا من الرشوة والفساد والاضطهاد وبنوا مصالحهم على نهب مصالح الغير.
اليوم، يمكن أن تكون سنة 2021 موعدا لانطلاق التغيير بوصول جيل جديد لمجلس النواب، جيل يقطع مع الممارسات السائدة في مجال العمل البرلماني، جيل يجعل من مجلس النواب صوتا للشعب، جيل يستطيع إفراز أغلبية حكومية تضع التنمية والديمقراطية هدفا لها، وتعمل يوميا من أجل تحقيق هذا الهدف وفق نظام لقياس التقدم لا يترك المجال لأي تأخير.
هذا تحدّ ضخم؛ لكنه ممكن التحقق، وليس هناك خيار آخر لتحقيق التنمية والديمقراطية غير استبدال النخب المهيمنة على الشأن الانتخابي بنخب جديدة واعية بأهمية الهدف وقادرة على تحقيقه.
المنهجية نفسها مطلوبة لانتخاب أعضاء المجالس الجماعية والجهوية (والتي تنعكس نتائجها على انتخاب أعضاء مجلس المستشارين)، من أجل تحقيق التنمية والديمقراطية في بعديها المحلي والجهوي، وخصوصا لوضع مخططات التنمية الموجهة بالنتائج وفق منهجية تشاركية فعالة والسهر على تنفيذها بأساليب علمية حديثة وفق المقاربة المجهرية التجميعية (Microscope Ramasseur) التي لا تترك أية مواطنة أو أي مواطن في الوراء، وإخضاع البرامج التنفيذية للمخططات للتقييم الأولي والدوري والنهائي المؤدي إلى التقويم من أجل تحقيق نتائج اقتصادية أكبر بتكلفة مالية أقل.
إقرار حق المجتمع في المشاركة في وضع الميزانية العامة للدولة
إن الميزانية العامة للدولة التي يصادق عليها البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين) هي أداة وضع وتنفيذ كل السياسات العامة، أي في كل المجالات. وبالتالي، فالميزانية العامة للدولة (القانون المالي) هي التي يمكنها أن تحقق أهداف التنمية الوطنية والديمقراطية أو العكس.
بالرغم من التطور المسجل في ما يتعلق بآليات إعداد ومناقشة الميزانية العامة في البرلمان منذ التعديل الأخير للقانون التنظيمي للمالية، فما زلنا بعيدين جدا عن إقرار الشفافية والمقاربة التشاركية في إعداد مشروع الميزانية. ولهذا، يجب إقرار المؤتمرات الوطنية للميزانية التي تناقش فيها كل مكونات المجتمع المسودة الأولى للميزانية (قبل أن يتم إقرارها من لدن المجلس الحكومي)، ليتم وضع المشروع المتلائم مع حاجيات وطموحات المجتمع، وتحدد الأولويات بشفافية وبمشاركة الجميع.
إن منهجية المقاربة الشفافة والمقاربة التشاركية في إعداد مشروع الموازنة هي الآلية التي تجعل المجتمع يضع سياساته بنفسه في كل المجالات، وهذا ما يؤهله للتعامل مع قضاياه.
نفس منهجية إعداد الموازنة العامة للدولة (مشروع القانون المالي) يجب أن تطبق على إعداد ميزانيات الجهات والجماعات المحلية.
إن الشفافية والإشراك ليسا فقط حقا من حقوق المواطنة، بل فرصة من فرص النجاح الاقتصادي وتنمية موارد الخزينة العامة، وتحقيق التنمية الدامجة، وأيضا أداة لجلب الاستثمارات الداخلية والخارجية؛ لأن السياسات الضريبية التي تتضمنها قوانين المالية، تكون محط إجماع أيضا.
ونظرا لأهمية الميزانية، وضرورة إعدادها بطرق حديثة، ضرورة جعل ميزانية كل سنة تنبني على نتائج السنة التي قبلها، إذ لا يعقل استمرار العشوائية في وضع الميزانيات السنوية. وهذا يتطلب إقرار آليات لتقييم تنفيذ السياسات العامة، ليتم الاستناد في وضع السياسات الجديدة وطلبات التمويل بناء على نتائج تقارير التقييم.
الحرية أولا والحرية أخيرا
لا يمكن تصور أي تقدم وأية ديمقراطية بدون حرية بالمعنى الواسع للكلمة، وهذه الحرية الكاملة وغير المنقوصة هي التي تجعل المواطن يشعر بأنه حر في بلده.
إن المغربي والمغربية في حاجة إلى الحرية الكاملة، وهذه الحرية هي التي ستمكن الجميع من تفجير طاقاته الخلاقة في مختلف المجالات، وهنا ستصبح الحرية عاملا من بين عوامل السعادة الشخصية، الرفاهية الاقتصادية والتقدم المجتمعي.
الحرية ليست موضوعا قانونيا فقط، إنها منهج حياة، وأن يكون المواطن حرا معناه أن يشعر بكرامته الشخصية ويحترم كل من يحيط به لأن هذا السلوك جزء من إنسانيته غير المنقوصة.
لتحقيق واقع تتجلى فيه استفادة المواطنات والمواطنين من الحرية، يجب النهوض بها على أوسع نطاق بما يجعل الأفراد يتجاوزون كل أشكال الخوف والرقابة الذاتية، ثم يتم تعديل كل القوانين التي تحد من الحرية وخصوصا القانون الجنائي وظهائر الحريات العامة وغيرهما من القوانين ذات الصلة.
إن الحرية هي الرأسمال الحقيقي للشعوب، ووحدهم الأحرار يستطيعون صناعة المجتمع الديمقراطي المتقدم، حيث تعم التنمية وتشمل كل إنسان.
ختاما، لما يُغَيَّب الإنسان من استراتيجيات الدول تُصبح غير ذات فعالية، ولما يُستحضر ويشارك بفعالية تكون النتائج أكثر من المتوقع. لذا، يمكن للمغرب أن يصبح دولة ديمقراطية ومتقدمة.
*كاتب وباحث مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.