سؤال ظل يراوحني بإلحاح شديد منذ أن غابت حركة باراكا "رحمها الله" عن الساحة الاحتجاجية بالمغرب، وكلما مررت باسم أحد ممن كانوا ناطقين باسمها إعلاميا على الفايسبوك، إلا و عاد السؤال نفسه كرة أخرى !! فكيف استطاعت حركة براكا أن تجلب الاهتمام الإعلامي والجماهيري وراءها ؟ وكيف كانت مبدعة في نضالاتها و مؤطرة للعديد من الأشكال النضالية المعبرة ؟ثم كيف اندثرت و تلاشت وولت دبرها في لحظة فارقة، احتاج إليها المواطن فيها أكثر من غيرها ؟ بدايات التشكل : بدأت حركة "براكا" نضالاتها و تأطيرها على صفحات الفيسبوك، كأي حركة شبابية في العالم العربي، واستطاعت في فترة وجيزة أن تضم إلى مجموعتها الألاف من المغاربة الذين ءامنوا بأهدافها و مطالبها، و استجابوا لندائها يوم 20 فبراير، إذ و بحق كانت حركة "براكا" من أبرز الهيئات الشبابية تنظيما، و تأطيرا، وواقعية في الخطاب، ثم توالت الخرجات و المسيرات الحاشدة لها خلال كل يوم أحد، و بدأت تنسيقياتها و فروعها تتناسل يوما بعد يوم في ربوع الوطن، وبرز ممثلوها في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، بل و حتى العالمية منها.. وضوح مطالبها، ووحدة شعاراتها، و تماسك صفها، كان يعطي لها قوة و مصداقية أمام الرأي العام، بل و أعرف مجموعة من الشباب المناضلين الذين أعلنوا تشكلها، فهم بحق شباب غيور على وطنه و دينه و هويته تميز في أعينهم صدقهم وحبهم لبلدهم . . . ظلت حركة " براكا " منذ تشكلها، تشدد في استمرار النضال حتى تحقيق كافة المطالب المعلن عنها في تعاقدها الوطني، الذي قدمته للرأي العام، إذ أكدت على ضرورة القضاء على الفساد و المفسدين، وإطلاق كافة سراح المعتقلين السياسيين، و البلوغ إلى ملكية برلمانية حقيقية، والفصل بين السلطة و الثروة، وتمايز السلط، وإعادة المعنى للعمل السياسي بالمغرب. و كانت من أبرز الحركات الاحتجاجية، التي رفعت بجرأة كبيرة، صور مجموعة من الذين قالت عنهم أنهم مفسدون و أعادوا المغرب إلى فترة سوداء،أمثال الهمة و العماري و الماجدي و العنيكري و الفاسي . . . ما الذي حدث ! لحد الآن لا شيء من تلك المطالب التي شكلت العنوان الأبرز للحركة قد تحققت، فلا المعتقلون السياسيون نعموا بالحرية، (الإفراج الشامل) ولا محاكمة المفسدين و الفاسدين الذي رفعت صورهم قد حقق معهم، و لا ملكية برلمانية حقيقية أرست دعائمها، ولا فصل بين السلط لائح في الأفق، ولا وجود حتى لفكرة إجراء انتخابات نزيهة (مؤشر الاستفتاء الدستوري و تدخل السلطة يكرس العقلية القديمة )، الإعلام ظل في حاله بل وعمق الفجوة، استمرار محاكمة الزميل رشيد نيني، و استمرار الوصاية على حرية الصحافة، كل هاته القضايا و غيرها تجعل من غير المبرر أن توقف حركة " باركا " نضالها و تخون تعاقدها الذي أقسمت للمواطن بتحقيقه أو الهلاك دونه.... احتمالات التباطؤ والنكوص ولنبرز مجموعة من الاحتمالات التي لربما كانت سببا في تعطيل الاحتجاج السلمي للحركة، أجملتها في خمس احتمالات نوردها تباعا : الاحتمال الأول : أن الحركة رأت أنها حققت جميع أهدافها المطلبية، وبالتالي فإنه لا مجال للنزول إلى الشارع. وهو أمر بعيد إلى حد ما، فإلى حد الآن لا أهداف حققت من تلك المطالب، إلا رماد در على العيون، لا يغني ولا يسمن من جوع، وهو أمر أكدته الحركة نفسها، فبعد وقف نضالاتها وتصويتها بنعم لصالح الدستور، أكدت في بلاغ لها أنها ستواصل النضال !!؟ الاحتمال الثاني: أن يافطة المطالب الشعبة التي رفعتها الحركة، لم تكن غاية في حد ذاتها، بل وسيلة عَبَرَت الحركة من خلالها لتصفية حسابات سياسية مع جماعة من المتنفدين داخل الدولة، رفعت صورهم وانتقدتهم بشدة وأسمتهم بأخطبوط الفساد والاستبداد، وبالتالي يمكن القول أنها تشكلت أساسا لخدمة توجه معين، وقد نجحت في ذلك إلى حد ما، إذ أن حركة " براكا " كانت من أبرز الأسباب التي أدت إلى انهيار الأصالة والمعاصرة شعبيا بمعية قيادييه. الاحتمال الثالث: أن تمت ضغطا ووصايا فوقية مورست على قياديي " براكا " من طرف حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه مجموعة من رموز الحركة من أجل كبح الاحتجاج، خاصة أن التيار الغالب في الحزب ليس مع الاحتجاج والنزول إلى الشارع، وهو احتمال له نصيب من الترجيح، ذلك أن حركة " براكا " على لسان قادييها دعت للتصويت بنعم للدستور، انسجاما مع رؤية الحزب لصالح الإصلاحات الدستورية، مع العلم أنها لم تستجب لطلب المنوني عندما تمت دعوتها لمجالسته قصد بسط رؤيتها الإصلاحية للوثيقة الدستورية، فكيف نفهم تصويتها ب" نعم " على وثيقة اعتبرتها أنها فوقية ولا تلبي المطالب الشعبية . الاحتمال الرابع : أن هناك اتجاها قياديا داخل الحركة يعمل لحساباته الخاصة، أو بعبارة أوضح قد تم اختراقه وتدجينه لصالح قوى مخزنية أملت عليه ضرورة وقف النزول حتى إشعار آخر.. وهو احتمال وإن كنت أستبعده، لكنه يبقى واردا ضمن حسابات " الحرب خدعة ومكيدة ". الاحتمال الخامس : أن المقصد الأصل من نضال قياديي الحركة كان بغاية الوصول إلى الظهور الإعلامي والميداني، وكسب وُدّ معارف وشخصيات نافذة، والتهافت على وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، ومرور أسمائهم مدونة بالخط العريض في بورصات الشهرة والصورة.. وهو أمر كان ملاحظا بشكل كبير منذ بدايات النزول للشارع من طرف قيادييها، إذ ظلت الحركة ترصد كل صغيرة وكبيرة لها علاقة برموزها، فتعمل على تسويقها على نطاق واسع حتى وإن كان هامشيا لا علاقة له بمطالب الحركة ونضالاتها، وفعلا فقد حقق مجموعة من رموز الحركة آنئذ أهدافهم، واستقلوا طائراتهم وشاركوا في منتديات ومهرجانات في دول عربية، وظلت كاريزمية " تشي غيفارا " سهلة النسخ والتوزيع.. إنه لمن المؤسف أن يتم التلاعب بمشاعر جمهور عريض من المواطنين الأحرار، الذين آمنوا بمطالب الحركة، ورفعوا أصواتهم وراءها، ظانين فيها خيرا ونفعا، مصطحبين معهم نساءهم ودرارايهم، ثم ما يلبث رموزها وفي واضحة النهار إظهار غدرهم، وخيانة تعاقدهم، ونفض البساط بمن عليه وكأنه لم يعد تمّت شيء في تاريخ الاحتجاج الشعبي بالمغرب اسمه حركة " براكا ". من حقي كمواطن كنت ضحية لتغرير حركة " باركا " وتعاقدها المهزوم، أن أسائل اولائك الذين أخذوا من وقتي، وصوتي، ومشاعري، وآمالي، وعمقوا من آلامي وحزني .. [email protected]