قال خبراء ومراقبون جزائريون إن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت الخميس أفرزت خارطة سياسية جديدة في البلاد، كما تفرض على حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي حل في المركز الأول دون أغلبية مريحة الدخول في حكومة ائتلافية مع أحزاب أخرى من أجل تشكيل الطاقم الوزاري الجديد. وجرت الانتخابات البرلمانية السادسة في تاريخ الجزائر منذ إقرار التعددية بموجب دستور فبراير 1989، بمشاركة 53 حزبا سياسيا، وعشرات القوائم المستقلة، لكسب تأييد أكثر من 23 مليون ناخب، والتنافس على 462 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان). وحسب أرقام رسمية أعلنها، يوم الاثنين، وزير الداخلية، فقد حصد حزبا الائتلاف الحاكم (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) أغلبية المقاعد، بواقع 164 و97 مقعدا على التوالي، في حين حل تحالف حركة مجتمع السلم الإسلامي ثالثا ب33 مقعدا. ووفق النتائج الرسمية المؤقتة فقد تراجع حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم من 220 مقعدا في انتخابات 2012 إلى 164 في اقتراع الخميس. وفسر الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، في مؤتمر صحافي، سبب تراجع نتائج حزبه بدخول 36 حزبا سياسيا إلى البرلمان الحالي، ما أدى إلى "تشتت الأصوات"، وبالتالي تقلص عدد المقاعد التي تحصل عليها الحزب في 2012. لكن هذا ليس رأي معارضي الأمين العام الحالي للحزب في حركة التقويم والتأصيل، وهي مجموعة معارضة لسياسة الحزب الحالية، إذ قال القيادي في الحركة دحمي خالد: "إن حزب جبهة التحرير الوطني تحول إلى حزب يسيطر عليه رجال أعمال ليس لهم تاريخ سياسي أو نضالي، وهذا وحده سبب كاف لخسارة الحزب أو تراجع عدد ممثليه في البرلمان القادم". وحزب جبهة التحرير الوطني بات اليوم مجبرا على التحالف مع حزب أو أحزاب أخرى إن رغب في تشكيل الحكومة. يقول هنا محمد الصغير، أستاذ علوم الإعلام في جامعة ورقلة (جنوب): "من البداية كان من الواضح أن الجزائر مقبلة على حكومة ائتلافية ستتشكل من حزبين على الأقل، مع إمكانية مشاركة عدد قد يصل إلى 5 أو 6 أحزاب". والأحزاب المرشحة للمشاركة في حكومة الائتلاف الجديدة كما يقول المتحدث هي "حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي حصل على 97 مقعدا، ثم حزب تجمع أمل الجزائر، الذي حصل على 19 مقعدا، مع إشراك الحركة الشعبية الجزائرية، التي حصلت على 13 مقعدا؛ وكلها أحزاب تدعم رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة". واستبعد محمد الصغير مشاركة الإسلاميين في حكومة الائتلاف "بسبب أنهم على الأغلب سيواصلون إحراج الحكومة من داخل البرلمان بممارسة المعارضة دون التورط في حكومة تتخذ قرارات اقتصادية صعبة، بحكم أن البلاد تعيش أزمة اقتصادية جراء انهيار أسعار النفط". وحسب زيد خيضر، المختص في علوم الإعلام والاتصال من جامعة وهران (غرب)، فإن "الحدث الأهم في الانتخابات التشريعية الحالية هو عودة حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي حقق تقدما مهما؛ "فبعد أن كان عدد مقاعده 68 في برلمان 2012-2017 قفز إلى 97 مقعدا في البرلمان الذي تم اختياره يوم 4 ماي". وأوضح خيضر: "لا يتعلق السبب ببرنامج حزبي أو بشخصية رئيس الحزب أحمد أويحي، وهو رئيس حكومة سابق ومدير ديوان الرئاسة الحالي، بل باستقرار هذا الحزب تحت قيادة واحدة منذ أكثر من 10 سنوات؛ بينما تداول 3 أمناء عامين على حزب جبهة التحرير الوطني في الفترة ذاتها". وأضاف المتحدث ذاته: "كما أن سبب تراجع حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لا يتعلق بزيادة عدد الأحزاب التي تمكنت من دخول البرلمان كما تقول قيادته، بل بأداء نوابه في البرلمان المنتهية ولايته، حيث تعرضوا لحملة إعلامية شرسة بسبب تصويتهم على إجراءات التقشف المالي التي أرهقت الجزائريين اقتصاديا". الحكومة الائتلافية ضرورة ويرى المتحدث أن "الحكومة الائتلافية صارت ضرورة ملحة الآن"، وزاد: "بينما يمكن تشكيل هذه الحكومة بتحالف ما يسمى حزبي السلطة، وهما التجمع الوطني الديمقراطي وحزب جبهة التحرير الوطني، إذ يستطيعان تمرير أي حكومة في البرلمان بفضل عدد مقاعدها الإجمالي الذي يصل إلى 261 مقعدا من أصل 462 في البرلمان الجزائري، أي بالأغلبية المطلقة، إلا أن الحكومة قد تضم أحزابا أخرى، بما فيها حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في البلاد)". ويرى الخبير نفسه أن "حركة مجتمع السلم قد تكون شاركت في الانتخابات البرلمانية باتفاق ضمني للمشاركة في الحكومة التي ستأتي بعد الاقتراع". وقال محمد مرواني، الباحث السياسي من جامعة مستغانم (غرب)، إن "حزب جبهة التحرير الوطني حصل الآن على أغلبية نسبية وغير مريحة في البرلمان بسبب الحملة الانتخابية السيئة التي أداها قادته، والتي لم تحمل أي جديد للشارع". وأضاف المتحدث ذاته: "قادة الحزب دخلوا في حالة من التراشق الإعلامي مع أحزاب سياسية أخرى. واستغرق الحزب الوقت الكامل للحملة وهو يرد عبر أمينه العام على تصريحات سياسيين منافسين دون التركيز على استعراض برنامج سياسي واضح، وعلى إقناع الأغلبية الصامتة بالمشاركة". وزاد المتحدث: "كما أن تراجع حزب الأغلبية يعود أيضا إلى الصراعات الداخلية التي عاشها أثناء إعداد قوائم المرشحين، والتي بلغت حد وقوع مواجهات بين أعضائه ومناضليه في بعض المحافظات". ويرى محمد مرواني أن "مشاركة الإسلاميين في الحكومة المقبلة مرتبطة بالتطورات في الأسابيع القادمة، إذ يبدو حاليا أنهم تحت صدمة النتائج السيئة التي حققوها في الانتخابات، وقد يتطلب منهم الأمر بعض الأيام لاتخاذ قرار المشاركة في الحكومة من عدمه"، وفق تعبيره. ويضيف المتحدث: "يجب ألا ننسى أن الحزب الإسلامي الأكبر الآن، حركة مجتمع السلم، لم يحصل إلى العدد الكافي من المقاعد التي تتيح له الحصول على حقائب وزارية مهمة؛ فالدستور الجديد يشير إلى أن الأغلبية البرلمانية هي التي تشكل الحكومة"، وأوضح أن رئيس الوزراء الحالي عبد المالك سلال هو عضو في حزب جبهة التحرير الوطني، وسيكلف الأغلب بتشكيل الحكومة الجديدة، لأنه من حزب الأغلبية"، وزاد مستدركا: "إلا أن الأيام القادمة قد تحمل بعض المفاجئات على صعيد إمكانية تفضيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لاختيار شخصية جديدة لقيادة الحكومة المقبلة". من جهة أخرى، من أصل 23 مليونا و300 ألف مسجل في القوائم الانتخابية بالجزائر لم يشارك سوى 37.09 بالمائة من الناخبين في الانتخابات البرلمانية. وقد تراجعت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات بنسبة 4 بالمائة تقريبا عن آخر انتخابات تشريعية، إذ شارك قرابة 43 بالمائة من المسجلين في انتخابات عام 2012. وبينما قال بيان لحزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض إن ما أسماه بحزب المقاطعة هو الفائز بالانتخابات، في أول تعليق له على نتائج الانتخابات التي لم يحقق فيها سوى 9 مقاعد فقط من أصل 462 مقعدا، أكد رئيس حركة حمس، ذات التوجه الإسلامي، أن "حزب المقاطعة هو الفائز". ويرى الخبير الدستوري والمحلل السياسي الجزائري مهران عيسى أنه "لا يمكن بل ولا يجوز لأحد أن يتبنى الممتنعين عن أداء الواجب الانتخابي سياسيا، والسبب هو لأنه لا أحد يعرف أسباب امتناع أكثر من 60 بالمائة من الناخبين عن أداء واجبهم الانتخابي". وأضاف مهران للأناضول: "أرى أن من الضروري على السلطات وحتى على الأحزاب أن تبحث في أسباب هذا العزوف الكبير عن أداء الواجب الانتخابي". وقال العضو القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني الحاصل على أغلبية مقاعد البرلمان الحالي، زروم مصطفى: "لا أظن أن هناك أسبابا سياسية للعزوف عن أداء الواجب الانتخابي. أنا أرى أن الأشخاص الذين امتنعوا عن أداء واجبهم الانتخابي تجاهلوا هذه الانتخابات بسبب فكرتهم السيئة عن البرلمان ودوره السياسي، وهذه مشكلة كبيرة تتعلق بالثقافة السياسية". وأضاف المتحدث للأناضول: "لقد سبق لوزارة الداخلية أن فسرت في الانتخابات البرلمانية عامي 2002 و2007 سبب العزوف بأنه يتعلق بعدم رغبة الشباب بشكل خاص في التوجه لمراكز الانتخاب دون سبب واضح". *وكالة الأنباء الأناضول