كانت سنة 2016 سنة حافلة بجديد الصحافة والنشر بامتياز، ففيها تم نشر النصوص القانونية التي انتظرها العاملون بالقطاع بفارغ الصبر، ويتعلق الأمر إذن بالقانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6491 بتاريخ 15 غشت 2016، والقانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6466 بتاريخ 19 ماي 2016، ثم القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6454 بتاريخ 07 أبريل 2016. ثلاثة قوانين صدرت كلها بالجريدة الرسمية بعد أن ان استوفت عبر سنوات من الاشتغال عليها، كل أشكال الاقتراح والدراسة والتعديل سواء مع العاملين والفاعلين بالقطاع كالنقابة الوطنية للصحافة المغربية والفيدرالية المغربية لناشري الصحف (المنظمتان الأكثر تمثيلية)، الجمعيات الحقوقية، المجلس الوطني لحقوق الانسان، جمعيات مختلفة تضم المهنيين بالقطاع، وكذلك المسار التشريعي الصرف داخل البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين. وبالرغم من عدد من الانتقادات التي وجهت إلى هذه النصوص التشريعية، فإنها بشهادة أغلب المتتبعين حملت إضافات إيجابية عديدة، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: إحداث مؤسسة مستقلة تعنى بكل ما يتعلق باشتغال الصحافي المهني، وتقليص أدوار السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال، ملائمة النظام الأساسي للصحافيين المهنيين للقانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، مع الحرص على خصوصية المهنة، واحترام الاتفاقيات الجماعية بين المنظمات الممثلة للمشغلين والعاملين، إدراج الصحافة الالكترونية ضمن الصحافة المكتوبة لتمتيعها بكافة حقوق أصناف الصحافة المكتوبة، والحرص على تأهيلها عبر التنظيم والتقنين، ومزايا أخرى لا يسع المقال لذكرها. وبعد تشكيل حكومة سعد الدين العثماني التي تم تعيينها يوم 5 أبريل 2017، وانتظار تنصيبها في البرلمان بعد التصويت على البرنامج الحكومي الذي تم تقديمه يوم 19 أبريل 2017، يطرح سؤال عريض على مدى تنفيذ هذه القوانين التي لم يتقدم بشأنها شيء يذكر سواء في حكومتي عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة السابق، التي تم تعيينها في يوليوز 2013، وحكومة تصريف الأعمال التي انتهت مهامها بعد تعيين الحكومة الجديدة. القانون 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة يشير في الباب السادس تحت اسم أحكام انتقالية، وفي ختام المادة 56، إلى أن مقتضيات هذا القانون تدخل حيز التطبيق في أجل أقصاه سنة ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية. وحيث أن هذا القانون تم نشره يوم 07 أبريل 2016 بالجريدة الرسمية، مما يعني أن أكثر من سنة مرت على تاريخ نشر القانون، ولم تعتمد أي خطوة من أجل إحداث وانتخاب هذا المجلس الذي يعتبر المدخل الأساسي والأداة التنظيمية لتفعيل القوانين الأخرى. تهديد انتهاء المهلة القانونية يمس كذلك القانون 88.13 الذي تفرض مادته 125 المعنونة ب"أحكام ختامية" على الخاضعين لمقتضيات هذا القانون بأن يتلائموا مع أحكام القسم الأول منه في أجل أقصاه سنة، علما أنه نشر بتاريخ 16 غشت، مما يعني تبقي آجال قليلة لتفعيل الجزاءات المرتبطة بعدم الملائمة للقانون المذكور، وهذا ما يستوجب قيام السلطة الحكومية المكلفة بالاتصال الإسراع بتوجيه الناشرين والمؤسسات الصحفية وتحسيسهم بأهمية الإسراع بملائمة القانون حتى يكونوا في وضعية قانونية سليمة. وقد ورد في البرنامج الحكومي 2016-2021 في الهدف الأول المسطر والمعنون ب: "صون حقوق وكرامة المواطن وتعزيز الحريات والمساواة" وفي الفقرة ما قبل الأخيرة، ما يلي: "تعزيز الحريات الإعلامية ودعم الصحافة وتفعيل النظام الأساسي للصحافيين المهنيين". كما جاء في المحور الرابع المتعلق بتعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي وفي بنده السابع الذي يهدف إلى تحسين الولوج إلى الثقافة والإعلام والنهوض بهما، أن الحكومة ستعمل على تنزيل مقتضيات قانون المجلس الوطني للصحافة باعتباره مرجعا أساسيا لتنظيم المهنة واحترام أخلاقياتها غير أن غياب ضمانات التنفيذ واعتماد ترتيب أولويات واضح وصريح، وتعذر المحاسبة في حالة عدم القيام بالالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي رغم التصويت عليه بالإيجاب من أجل تنصيب الحكومة، يجعل العاملين بالقطاع متشائمين وغير متحمسين للتعجيل بتفعيل القوانين المتعلقة بمهنة الصحافة وإخراج القرارات التنظيمية، لا سيما تواجد شرطين أعتبرهما مبالغا فيهما داخل القانون القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة. الشرط الأول يفرض على الراغبين في الترشيح لعضوية المجلس، سواء من فئة الصحافيين المهنيين، او فئة ناشري الصحف التوفر على أقدمية في المهنة لا تقل عن 15 سنة، وهذا يعني إقصاء فئة عريضة من مزاولي المهنة بحكم حداثة انتمائهم، لا سيما في صنف الصحافة الإلكترونية. والشرط الثاني الذي ورد في المادة 20 من نفس القانون يفرض على كل مؤسسة ناشرة للصخف أداء اشتراك سنوي إجباري في حدود نسبة 1 في المائة من أرباحها الصافية... تحت طائلة التعرض للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في هذا القانون. هذان الشرطان لن يشجعا المهنيين على الإسراع بالقانون رغم إيجابياته الكثيرة، مما يعني أن واجب الإسراع بتنفيذه يقع الجانب الأكبر منه على كاهل وزارة الثقافة والاتصال لاستدعاء اللجنة المكلفة بالسهر على الانتخاب، والمرور إلى تسليم صلاحياتها تدريجيا إلى المجلس المنتخب كما ينص على ذاك القانون رقم 90.13. إن التقدم في ورش تفعيل القوانين المؤطرة للصحافة والنشر سيشكل مؤشرا مهما على مصداقية الحكومة وجديتها ورغبتها في الإقلاع بالقطاع، مما يستلزم وضعه على سلم أولوياتها والاستراتيجية الوزارية التي ستقوم بوضعها، أملا في أن يسند القطاع بتدابير وإجراءات تزيد من تعزيز حرية التعبير والإعلام ودعم وتأهيل المقاولات الإعلامية التي تعاني في صمت والتي تأثرت بشكل كبير بفعل ركود محيطها الاقتصادي بعد أشهر طويلة من العطالة الحكومية.