بسم الله الرحمان الرحيم رِسَالَةٌ إِلَى صَدِيقِي الوَحِيد: محمّد ابنُ الحسن الجُنْدِي (2) أبي الحبيب، انقضت أربعون يوما على انسحابك الهادئِ المُطمئن. أعْلمُ عِلم اليقينِ يا أبي أن هذا الرقم لايعني لك شيئا؛ بِدعةٌ أخرى ضِمن بِدَعٍ كثيرة على حد قولك.. كم اشتقنا لقولك. اليوم هو الأربعون لانتظار لقائنا المُؤجل. حياتنا تسير وِفق هذا التقويم الجديد منذ أن نزل أمرُ الله، وشتّانَ ما بين ما قبلَ الأمرِ العظيم وما بعده. منذُ سنوات كثيرة، رأيتُ جَدّتي، والدتك لالة رقية، وهي تُسْلِمُ الروح على صدرك. كأني بها يا أبي قد انتظرتْ حتى انفض الجمع من حولها ولم يبق في الغرفة بالطابق السفلي في منزلنا بمراكش إلا ثلاثة، أنت أولهم وأصبحتُ أنا رابعتكم بعد أن اطمأننت أن رَوع جدتي قد هدأ، وأن حالها قد استقر، وأنني أنا الجبانة لن أرى تلك التي يسمونها المَنُون رُأى العين في عصر ذلك اليوم الأليم من شهر دجنبر الأخير في القرن الأخير. كان مشهدا عظيما! وضَعْتَ رأس جدتي المُنهك على صدرك، وحَمَلْتَ يمُناها يا أبي في يمناك، وأخذت تَهمس في أذنها مُطَمْئِنا ومشجعا ومستصبرا، تماما مثلما فعلت هي معك مرارا وأنت طفلٌ يبكي على صدر أمه طوال ألف ليلة وليلة بيضاءَ حزينة أعقبت غياب السي الحسن، فلم تُمهلِ الهُمومُ طفولتك وأجبرتك أن تكبر فجأة. مثلما كان كلام لالة رقية بردا عليك صغيرا، فقد كان همسك سلاما عليها كبيرا. ارتخت يدها، ومال رأسها قليلا.. ثم ارتاحت. تذكرت هذا المشهد العظيم وأنا منحنية عليك، وأمي إلى جانبي، أهمس في أذنك ثوانٍ قبل السَلاَم: "شكرا يا أبي على كل شيء، ثَقَلَ الله بإحسانك فينا ومعنا مِيزانَ حسناتك". لا أدري من أين أتتني الشجاعة حينها ولا الجَلَدُ يا أبي، أو لعلي أدري. كان آخر ما سَمِعَتْهُ جدتي هو صوتك، وكان آخر ما سَمِعْتَهُ يا أبي هو صوتي. أفبعد هذا العزاءِ عزاء؟ في يومنا الأربعين وفي ما سيليه من أيام الانتظار الثقيلة، سندعو لك كثيرا، وسنتحدث عنك في كل حين، وسأكتب إليك كل يوم لأنك كُنتَ تُحِب أن يظل جدي حيا في أفواه المُتحدثين، فَكَتَبْت له وعنه. ولله يا أبي الأمر من قبل ومن بعد. دائما تحت ظِلك، وفي جِلبابك إلى أن ألقاك. إبنتك حَلِيمَة بِنْتُ مُحمَّد ابْنِ الحسن الجُنْدِي ولالة حياة.