بحكم القحط الذي تعيشه مدينة وزان والضواحي المجاورة لها في ما يخص المنتجعات والفضاءات الإيكولوجية، لا يتوانى الوزانيون في قصد بحيرة بودروة، بحكم قرب المكان الطبيعي بحوالي 4 كيلومترات عن حاضرة دار الضمانة وما يوفره من هواء نقي نظرا لتواجد غابات شاسعة تحيط به. تقع بحيرة بودروة، المعروفة محليا باسم "البحيار" أو ضاية عوّا الصغيرة، ضمن النفوذ الترابي للجماعة القروية بني كلة من إقليموزان، يتم الوصول إليها عبر الطريق الجهوية 408 الرابطة بين وزان وباب لمحاج. وتشكل البحيرة منتجعا سياحيا لقضاء ساعات من الاستجمام ومعانقة الطبيعة، بعيدا عن ضوضاء المدينة وتلوثها وصخب الحياة اليومية. فضاء للحياة والموت بقدر عدد الزوار الذين يقصدون بودروة قصد الترفيه والاستجمام، فإن العشرات من شباب دار الضمانة لقوا نحبهم غرقا بالبحيرة. ورغم حرص المصالح المسؤولة عن حراسة الفضاء على وضع علامات تشوير هنا وهناك تمنع السباحة والصيد في مياه البحيرة، إلا أن غالبية الشباب "الطائش" يغامر بحياته، في ظل تواجد "ربيعة" بأعماق البحيرة تكبل أرجل السباحين لتضع حدا لحياتهم، حتى ظلت صفة الموت لصيقة بالمنتجع المهمل. وتعد الفترة الربيعية من كل سنة ذروة للإقبال على البحيرة المذكورة. تتنقل ساكنة دار الضمانة والقرى المجاورة لبودروة مثنى وفرادى وزمرا للاستفادة من وجبة غذاء في الهواء الطلق، مستغلين "الكرطون والأعواد المنتشرة في كل مكان لطهي ما لذ على نار هادئة، فيما يفضل آخرون استغلال المكان الذي تغيب عنه الإنارة العمومية ليلا لممارسات شاذة، كمعاقرة الخمر واستهلاك المخدرات أو حتى ممارسة الجنس"، بحسب أحد الحراس الذين صادفتهم هسبريس خلال جولتها. ومن بين ما وقفت عليه جريدة هسبريس الإلكترونية خلال زيارتها إلى البحيرة، انتشار الأزبال المترتبة عن عملية إعداد الأكل، رغم تواجد حاويات للنفاية مخصصة ومعدة لهذا الغرض، بل حتى الكراسي الخشبية لم تسلم من بطش أيادي العبث. وشدد عنصر أمن خاص رفض الكشف عن هويته، في تصريح لهسبريس، على أن "مشاكل الحراس تتلخص في غياب سلطة حقيقية لثني الشباب عن إضرام النار والسباحة، وهو ما يجعلنا ندخل في خلاف وصراع مع المرتفقين غير المنضبطين"، مشيرا إلى غياب مراحيض تقي الزوار حرج تلبية حاجياتهم الطبيعية من جهة، والمساهمة في نظافة المكان من جهة أخرى. مبادرة أُجهضت يوسف رحموني، الكاتب العام لجمعية مزارع راموس للتنمية المجالية ببودروة، قال لهسبريس: "إن تأسيس الجمعية التي اقتبس اسمها عن أحد المعمرين السابقين يسمى راموس، كان بمبادرة من غيورين على المنطقة بهدف الحفاظ على المقومات الطبيعية للفضاء الإيكولوجي دون المساس بالثروة الحيوانية والغابوية المتواجدة به؛ وذلك بتأهيله للترويج للسياحة الإيكولوجية الجبلية مع خلق مناصب شغل لنساء ورجال المنطقة، وكذا تأمين الحراسة بصفة كافية بتنسيق مع المصالح والجهات المختصة للحفاظ على الفضاء الطبيعي". وأضاف رحموني أن عمل الجمعية استمر على مدى ثلاث سنوات تم خلالها التحسيس ومواكبة أزيد من 465 فلاحا وعائلة على مساحة 310 هكتارات محيطة بالبحيرة موزعة على خمسة رسوم عقارية، كما تم العمل على رسم الحدود بين البقع وتصاميم للمنطقة، وإحياء الطرق لتسهيل الولوج، مشددا على كون الجمعية منفتحة على كل الفاعلين. وأبرز المتحدث أن لجمعيته "تصورا للمنطقة الاستثنائية والاستراتيجية التي ينقصها التأهيل، يقوم على إنشاء محلات تجارية صديقة للبيئة يستفيد منها سكان المنطقة المجاورة، وإعداد خريطة للموقع، وإحداث لعب تقليدية للأطفال، وتوفير مرآب للسيارات، مع تمكين السياح من دليل سياحي لمسار مغلق على طول 4 كيلومترات يتم قطعا مشيا على الأقدام، أو على ظهور الدواب، أو عبر الدراجات الهوائية". وأكد يوسف أن الجمعية دخلت في شراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تستفيد على أساسها من منحة تقدر ب 8 ملايين سنتيم، ومن دعم من طرف جماعة بني كلة ومجلس إقليموزان، "إلا أن المبادرة تْقْتْلاتْ وأجهضت بعد الشروع في الأشغال، وتم تهديم ما تم إنشاؤه تحت مبرر وجود مشروع ضخم لتأهيل المنطقة"، وتساءل: "وقتاش؟"، ليجيب بسخرية: "حتى تخرج الشمس، وها هو مزال مكاين والو"، وفق تعبيره. رسالة.. "لم تشفع المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها بحيرة بودروة في نيل الاهتمام"، يقول رحموني، مبرزا أنه "المطلب الذي طالما ارتفعت أصوات منادية به من داخل فعاليات المجتمع المدني الذي اتهم بالتقاعس"، مشيرا إلى أن تأهيل البحيرة يحتاج إلى شراكة حقيقية مع المجتمع المدني الفاعل باعتباره شريكا دستوريا، داعيا إلى تظافر جهود كل الفاعلين، من مستثمرين وسلطات منتخبة وسلطة إقليمية وفعاليات المجتمع، ل"إعادة الروح إلى المنطقة التي من الممكن أن تساهم في إشعاع المدينةوالإقليم وتحقيق تنمية حقيقية إذا ما تم استغلال المنتجع السياحي الإيكولوجي عوض التخبط الذي يعيشه". من جانبه، عاب محمد مرغاد، فاعل جمعوي، تهميش فضاء بودروة، وعدم إدراجه ضمن برنامج التنمية الجهوي لطنجة تطوانالحسيمة حتى يستفيد من الجهوية المتقدمة ومحاربة الفوارق بين الجهات والأقاليم. وقال مرغاد: "على الرغم من بعض الروتوشات الخفيفة التي طالت فضاء بودروة، فقد ظل تأهيل البحيرة مطلبا يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى لخلق دينامية بإقليموزان، باعتباره فضاء طبيعيا من شأنه أن يساهم في تشجيع السياحة الجبلية وخلق فرص الشغل في ظل الزحف العمراني الذي تشهده المدينة وقلة المساحات الخضراء، إلا أن هذا المنتزه الطبيعي لا زال يعاني من الاهمال والتهميش". وقد حاولت هسبريس ربط الاتصال بعزيز مشكوري، رئيس المجلس الجماعي لبني كلة، إلا أن هاتفه ظل مشغولا تارة، وخارج التغطية تارة أخرى، كما تم إرسال رسالة نصية إليه لكن دون الوصول إلى المبتغى.