في معرض حديثه أمام الشعب الأمريكي، وبالضبط عند تطرقه للسياسة الخارجية، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيقوم ب "توحيد العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف، الذي سيقوم باجتثاثه كاملا من على وجه الأرض." لفهم هذا الخطاب والخلفية التي يصدر عنها، دعونا أولا نلقي نظرة على التاريخ الحديث ونرى كيف يتعامل الغرب الإمبريالي مع المفاهيم والمصطلحات وكيف يوظفها وفق ما يخدم مصالحه اولا وأخيرا. في السادس عشر من أكتوبر من عام 2012 مَثُل الزعيم الصربي، رَادُوفَانْ كَارَادِيتْشْ أمام محكمة جرائم الحرب بلاهاي، وبدأت محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية خلال حرب البوسنة. كان أبشعها الابادة الجماعية التي ذهب ضحيتها الآلاف من المسلمين خلال مجزرة "سْرِبْرِنِيتْسَا" يوليوز 1995، وكذلك لترحيله عشرات الآلاف من الكروات في ما بدا على انه عملية تطهير عرقي للمسلمين، من أجل إقامة دولة صربية في البوسنة. بعد هذا تمت ادانته في 2016 في محكمة الجنايات الدولية بعقوبة السجن لمدة 40 عاما. بتوصيفات مثل "زعيم بوسني صربي"، "سياسي بوسني صربي"، "مجرم حرب بوسني صربي"، يتم وصف كاراديتش في وسائل الاعلام الدولية ومجال السياسة الغربية، وليس "رادوفان كراديتش.. المسيحي الأوروبي". لا يهمني هنا أبدا خلفية الرجل أو ما يعتقده، لكن يكفي ان نقول انه في عام 2010 وصف حمام الدم الذي أشرف عنه بالحرب "العادلة المقدسة" حيث ذبح المسلمين بهمجية فاقت ما يتصوره العقل البشري، وفجر المساجد، وكانت ايحاءات الحروب الصليبية واضحة. ومع هذا، وهو بيت القصيد لدينا، فان الاعلام الغربي لم، ولا يرغب، بل ويتحاشى ذكر الخلفية الدينية لما قام به "مجرم الحرب" هذا، لا يناقشون انتمائه الديني ابداا، وهاته العملية تتم بشكل منظم ومقصود. حتى وان وصل المعتدي الغربي الى درجة كبيرة من الحماس الديني والايمان في "قدسية" و"عدالة" مهمته الدموية فان الحديث عنه ووصفه لا يتم طبق انتمائه الديني، الذي كان في الأصل محفزه في ما قام به، بل يتم وصفه حسب انتمائه الجغرافي والجنسية، وأبداَ ليس الدين! ماهو السبب وراء هذا الوصف اللغوي الحذر؟ ولماذا دمغ ترامب الإسلام بالإرهاب؟ هل نفهم من هذا أن ترامب قد أبدى عن الوجه الحقيقي للإدارة الأمريكية والعقلية الغربية وعلاقتها مع الإسلام؟ أعتقد أن الاقتصار على ذكر الاشارة الجغرافية الضيقة والانتماء الوطني وحدها عند الحديث عن العنف الغربي يساعد باقي المسيحيين والأوربيين الذين لا ينتمون الى بلد المجرم بأن ينأوا بأنفسهم عن أفعاله، أما في حالة وصف أحدهم بمجرم الحرب المسيحي الأوروبي مثل كاراديتش، وبشكل متسق، فان ذلك يُدخل العالم الغربي بأسره في بوثقة واحدة وعالم جديد مليء بإشكاليات الدين وأسئلة الهوية. إن هذا الارتباط الديني بين المسيحيين في الغرب والشرق على حد سواء يُخرج مسؤولية فرد واحد او جماعة معينة من بعدها الشخصي والمحلي ويضخمها بقدر اتساع جغرافية الدين وانتشاره، فيعود بذلك فعل فرد واحد يورث المسؤولية للأمة المسيحية كاملة. فلو تم تعريف مجرم الحرب هذا بأنه مجرم حرب مسيحي، او ارهابي مسيحي لأحس باقي المسيحيين عبر العالم بالإهانة، ولما ترددوا في النأي بأنفسهم عنه والقول بأن ما أقدم عليه من أعمال اجرامية لا علاقة لها بالدين المسيحي "الحقيقي" او المسيحيين "الحقيقيين"، بعبارة أخرى فان ذكر الخلفية الدينية لكاراديتش ستجعل المسيحيين يحسون على انه وحش يمثلهم ويمثل ديانتهم وانها مبنية على العنف ونفي الآخر وابادته، ويصبح بذلك "ناطقا فعليا" لدينهم وتراثهم وهويتهم. ونفس المنطق يقع على ما صرح به ترامب. فحين يعمم بشكل جزافي ويستخدم تعبير "الارهاب الاسلامي" فهذا يدل على أن هذا الخطاب ليس وليد شخص معين هو ترامب، بل هو انعكاس لفكر فئة عريضة من الأمريكيين ووسائل الإعلام الأمريكية التي تحاول دائما أن تدمغ الاسلام بنعت الارهاب، لأن المتابع للخطاب الإعلامي والسياسي الغربي حول الاسلام والمسلمين يلاحظ عموما أن هذه الصفة تكاد تكون قاعدة ثابتة، إذ أنه بمجرد ذكر الاسلام يتم الحديث عن التطرف والارهاب، ولا نجد أي ذكر عن إرهاب بعض المتطرفين البوذيين الذين يرتكبون المجازر الوحشية في حق مسلمي الروهينجيا مثلا، او الذي يمارسه يهود بدوافع دينية، ومسيحيون كذلك، أو ما فعلته أمريكا في العراق... كان بوسع الرئيس الأمريكي لو كان يملك شيء يسيرا من الحكمة أن يقرر أنه سيحارب التطرف في العالم، دون نسبته الى الاسلام، لكن يبدو ان عنصريتة ومئاربه الاقتصادية قد أعمياه. إن العقلية الأورومركزية وإيمان الغرب بسمو عرقه وجنسه يجعله يتصرف بمنطق القوة والغلبة على أساس أن حياة الفرد الأبيض هي أغلى وأثمن من حياه غير الأبيض (الأبيض ثقافيا)، وعلى هذا تبنى جميع السياسات الخارجية الأمريكية. حين يُرجع ترامب الارهاب الى الدين الإسلامي، فهو يتهم دين مليار إنسان وينسف ثقافاتهم وتنوعهم الحضاري ويعلن من طرفي خفي عن حرب شعواء ضد المسلمين لا أحد يعلم نتائجها الآن. يحمّل دولا وشعوبا بأسرها ما ارتكبه نزر من المحسوبين على الاسلام، وأغلبهم كما هو معروف بعيدون كل البعد عن الدين، وخلفياتهم لا تدل أبدا عن فهمهم أو دراستهم له، ولا علم لهم أصلا بالمعرفة الشرعية. ولا شك في أن ولا واحدا منهم يستطيع أن يقول أنه تقلى تعليما وبحث في الشريعة الاسلامية. كل ما في الأمر أن بلدان أغلبهم تعرضت للغزو من طرف الغرب الامبريالي وكان الارهاب ردة الفعل الطبيعية، ولا يجب أن يفهم من هذا التحليل أنه تبريري، فكل مسلم، او بالاحرى كل انسان، ذو عقل سوي يستنكر هاته الأفعال، لكن المشكل يكمن في إزدواجية المعايير لدى أغلب الساسة الغربيين، وترامب أولهم على الساحة الآن، ليس الاسلام كدين هو السبب الرئيس للتطرف او الارهاب حتى يتهمه ترامب وأمثاله، ماذا عن السياسات الخارجية الكارثية لأمريكا وبريطانيا؟ بما في ذلك إحتلال أرض الآخر؟ زيادة على دعم دكتاتورين عرب ومسلمين موالين للغرب مقابل المال والبترول؟ ينبغي على ترامب أن يقرأ التقارير التي أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص إستراتجيتها المشتركة لمواجهة التطرف العنيف (Department of State & USAID Joint Strategy on Countering Violent Extremism) ليعرف أن المشاكل الإقتصادية والسياسية التى للغرب فيها اليد الطولى بالبلدان العربية والإسلامية هي أصل التطرف والارهاب. ويعرف كذلك أن الغرب "المتحضر" المحتضر يتحمل قدرا أكبر من المسؤولية عما يقع في العالم من مجازر، بسبب واضح هو سياساته الإمبريالية واستنزافه لتروات العالم الثالث، مقابل الحفاظ على كراسي السلطة لكراكيز العرب من دكتاتوريين يكذبون ليل نهار على شعوب تم تجهيلها، وقُمع فيها كل من قال لا في وجه الظلم والاستبداد. الإرهاب لا دين له. فكل من تيموثي ماكفي (Timothy McVeigh) و تيري نيكولز (Terry Nichols) اللذان فجرا مدينة أوكلاهوما في 19 أبريل 1995، و أندرس بهرنغ بريفيك (Anders Behring Breivik) النرويجي الذي كان وراء هجوم النرويج في 2011 والذي ذهب ضحيته سبع وسبعون قتيلا، وناثورم جوستي، الهندوسي المتعصب الذي قتل المهاتما غاندي في 30 يناير 1958، ومن قتل أنديرا غاندي ورجيف غاندي، وغيرهم في عمليات إرهابية، لم يكونوا مسلمين! لماذا إذن "الارهاب الإسلامي"؟ أليست أكثر البلدان معاناة من الإرهاب هي بلاد المسلمين ذاتها؟ وجُل الدماء التي تسيل بسببه هي دماء المسلمين؟ إن ترامب، بوسمه دين الاسلام بالتطرف والارهاب يكون قد حصر مشكل العالم كله جغرافيا ودينيا، أي أن العرب والمسلمين هم مصدر الارهاب والتطرف بالعالم بأكمله؛ وأن جغرافيتهم هي التربة الجرداء التي لا تنبت إلا الارهاب، وتخلق الرعب والخوف في صفوف العالم "المتحضر". وأكثر من هذا فإن وراء الأَكَمة ما وراءها، فإذا كان في عهد كل رئيس أمريكي تظهر، أو بالأحرى تُستأجر، جماعة متطرفة من أجل إيجاد مسوغ لهتك أراضي المسلمين وتجريب الأسلحة الفتاكة بكل أنواعها فيهم ونهب ثرواتهم، فإن ترامب إذا استمر بمنطقه الحالي فهو يُحضر لكارثة مرعبة توشك أن تذهب بالحياة من على وجه الأرض؛ فابتداء من مواقفه الساخرة من قضايا المناخ مرورا بتجدد سباق التسلح بين الولاياتالمتحدة وروسيا، فإن العالم بأسره على موعد مع كارثة يقول عنها تشومسكي بأنها "تهدد بقاء الجنس البشري" بكل المقاييس، وسيكون كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ساحة لها بلا شك. *حاصل على الماجستير في اللغة الإنجليزية، تخصص الدراسات الثقافية، باحث ومترجم.