توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها لجلالة الملك على دعم المغرب لإسبانيا    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    لقجع يهنئ سيدات الجيش الملكي    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة        تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحفيز كأداة للرفع من مُخرجات المنظومة التربوية والتعليمية
نشر في هسبريس يوم 20 - 12 - 2016

- Motivation as a tool to raise the educational system outputs
- La motivation comme un outil pour augmenter les resultats du système éducatif
- La motivación como una herramienta para elevar los resultados del sistema educativo
ورد عن آدم كولغايت (Adam Colgate) في مُؤلفه "معجم التجارة" بأن مفهوم "التحفيز" يعود إلى "العوامل الداخلية والخارجية التي تُشكل القوة والرغبة لدى الناس ليبقوا دائما متحمسين وموالين للعمل أو الوظيفة التي يقومون بها، أو القيام بجهد لتحقيق هدف ما ".أما منتدى العالم العربي للموارد البشرية فجاء في تعريفه لمفهوم التحفيز على أنه " إثارة سلوك الفرد بهدف إشباع حاجات معينة. كما يمكن تعريفه على أنه تنمية الرغبة في بذل مستوى أعلى من الجهود نحو تحقيق أهداف المؤسسة، على أن تؤدي هذه الجهود إلى إشباع بعض الاحتياجات عند الأفراد. أي أن الحوافز هي المثيرات التي تحرك الإنسان للاستجابة والقيام بسلوك معين لتحقيق هدف معين ومساعدة المؤسسة على انجاز أداء معين. أما الدوافع فهي الرغبات و الحاجات التي تسير و توجه السلوك الإنساني نحو أهداف معينة." (https://hrdiscussion.com/hr24573.html). كما تجدر الإشارة إلى أن معظم الدراسات تشير إلى أن هنالك فرق بين "الدافع" و"الحافز"، إذ أن الدافع للعمل شيء ينبع من نفس الفرد ويثير فيه الرغبة في العمل أي هو دُفعة من الداخل أو قوة داخلية تكتمل في نفس الإنسان وتدفعه للبحث عن شيء محدد، وبالتالي توجه تصرفاته وسلوكه باتجاه ذلك الشيء أو الهدف (حسب نفس المصدر السابق). وأهم تلك الدوافع هي الحاجات الإنسانية باختلاف أنواعها التي تنبُع من شعور الإنسان بالحاجة إلى شيء معين فتخلُق تلك الحاجة لديه رغبة محددة في الحصول على ذلك الشيء فيسعى إلى البحث عما يُشبع تلك الحاجة. أما "الحافز أو التحفيز" فهو شيء خارجي يوجد في المجتمع أو البيئة المحيطة بالشخص يُجذب إليه الفرد باعتباره وسيلة لإشباع حاجاته التي يشعر بها، وعلى ذلك فالفرد الذي يشعر بالحاجة إلى النقود يدفعه ذلك الشعور إلى البحث عن عمل ويكون تفضيله لعمل على آخر هو بقدر زيادة الأجر (الحافز) في حالة عن أخرى إذ يتجه الفرد نحو ذلك الحافز الذي يحقق أقصى إشباع ممكن لحاجاته ورغباته الجامحة.
وعلى هذا النحو، يمكن القول بأن التحفيز هو رُكن أساسي في العملية التربوية والتعليمية كثيرا ما تغفل عنه الجهات المعنية بهذا القطاع الحيوي. غير أن مهمة التحفيز في ميدان التعليم لا تقتصر على المفهوم التقليدي الضيق: أي أن التحفيز هو مسؤولية ومهمة المعلم اتجاه التلميذ أو الطالب، إذ هو المُشرف والمسئول الرئيسي على تلك المهمة، فإن فشل في إيقاد تلك الشعلة داخل نفوس طلابه ولم يستطع أن يظل محافظا على نورها الوهاج وإشعاعها، وأن يجعل نور تلك الشموع يلامس أطراف المجتمع خارج أسوار المدرسة، فلن يساعد في بناء صيت وشهرة للطلاب والمدرسة سوية.
من المسئول عن التحفيز داخل وخارج المدرسة؟:
لاشك انه بحكم التعوُّد والعادة، فإن أول ما يشرد إليه ذهننا (ولو عن غير قصد كما قلنا سابقا) هو توجيه أصابع الاتهام والإشارة إلى المعلم أو المعلمة، غير أنه حان الوقت لكي نُغير من هذا المفهوم التقليدي الضيق ونحاول إدراك وتطبيق ما وصل إليه العلم الحديث حول نظريات التحفيز. ويمكننا أن نتساءل: هل التحفيز مقصور على المعلم فقط؟ بطبيعة الحال أن عملية التحفيز مرهونة بوجود عنصرين هامين وهما: أداة التحفيز والمُحفّزُ نفسه. أما نتيجة التحفيز فقد تنعكس على العنصر الثالث (أي المقصود به من عملية التحفيز- كشخص أو جماعة- حتى لو كان المقصود هو الشخص المُحفّز نفسه). وبمعنى آخر قد يقوم الفرد بإدراكه الشخصي وتبعا لما تمليه عليه مشاعره وأحاسيسه باتخاذ إجراء أو خطوة معينة من أجل تحفيز آخرين أو تحفيز نفسه هو لكي يحقق نتائج جيدة في مسار حياته الدراسية أو الفنية أو العملية. وفي هذا الصدد كثيرا ما سمعنا عن أناس تغير مسار حياتهم رأسا عن عقب وأصبحوا في عالم الشهرة وكان السبب ناتج عن تحفيز ذاتي أو خارجي كان هو الدافع الرئيسي لسبب تغيير سلوكهم وتحقيق نجاحهم. ويمكن القول أن هذا ينبثق من جوهر ما توصلت إليه النظريات الحديثة في هذا المضمار أو حتى تلك التي أسست لدوافع التحفيز مثل نظرية "ماسلو" للحاجات (MASLOW): إذ تُعد إحدى أهم النظريات في تصنيف الحاجات، حيث وضعت تصورا للحاجات الإنسانية في شكل سُلّم حاجات ضمن مستويات على النحو التالي:
-الحاجات الإنسانية: أي "الفيزيولوجية" الطبيعية كالأكل والشرب والطعام، وغير ذلك،،،
-حاجات الأمن: أي التي تُبعد الشعور بالخطر والخوف وعدم الاستقرار أي فقدان الوظيفة.
-حاجات اجتماعية: أي الشعور بالانتماء وقبوله من طرف المجتمع، والحاجة إلى العلاقات الإنسانية، فالإنسان مدني واجتماعي بطبعه.
-حاجات حب الذات: وهي التي يبدأ الفرد في تحقيقها بعد توفر الحاجات السابقة وهنا تبدأ مرحلة إثبات الوجود، والتطلع إلى المستوى الأرقى.
-حاجات تحقيق الذات: ويستخدم فيه الإبداع كوسيلة.
وإذا كان الأمر كذلك، فهل من العدل أن نلوم التلميذ لوحده إن أخفق في تحقيق المُراد؟ العلم الحديث ونظريات التحفيز الحديثة جاءت لتُفند ذلك، إذ وسَّعت من دائرة عملية التحفيز ليكون الطالب نواتها وتحيط به دوائر عديدة لكل دائرة منها دلالة أو تمثيل، فتجد التلميذ على سبيل المثال تحيط به دائرة تمثل المُدرس ثم أخرى تمثل المنهج الدراسي أو المقرر وأخرى تمثل المدرسة بفنائها ومرافقها وأنشطتها وأخرى تمثل الشارع أو محيط المدرسة، ثم الآباء والعائلة، ثم المجتمع المدني والأمن والسلامة، ثم دائرة تمثل الانتماء العرقي والديني واللغوي والثقافي، ثم الانتماء الوطني، والانتماء إلى الأمة، ثم الانتماء إلى المجتمع الدولي كقرية كبيرة تضم كل أصناف وأطياف البشرية.
وتبعا لهذا النسق الحديث لبنية آلية التحفيز يمكن القول بأن المجتمع ككل يعتبر شريك في نسج خيوط مفهوم التحفيز، إذ يصبح الفرد نفسه مسئولا أمام أمر الواقع، وهذا الواقع- الذي هو من صنع المجتمع ومن صلبه- يتم تسييره والتحكم في إرادته طبقات من المجتمع يتم انتقائها بحذر لكي تضمن للمؤسسة نجاح مسيرتها. ففي المدرسة مثلا، يكون الطالب أولا وقبل كل شيء مسئولا عن نفسه وواجباته، بينما يكون المعلم والمدرسة وحتى الشارع أو محيط المدرسة والآباء والمجتمع المدني والمسئولين بالدائرة الحكومية والمسئولين عن الأمن والسلامة كلهم شركاء في عملية تحفيز التلميذ. وبما أن الأمر كذلك (حسب نظريات التحفيز الحديثة)، فإن أخفقت جهة معينة ما في تلك العملية، تتداركها جهة أخرى لتقوم بتقويمها أو إصلاحها في الوقت اللازم، وإن تغافلت الجهات المعنية عن ذلك كان لذلك حتما آثارا سلبية على مردودية الطالب. ولتبسيط الصورة، لنأخذ مثلا حالة معينة يكون فيها المدرس هو السبب أو مدير المدرسة هو السبب في تقاعس التلميذ، ولا نرى تدخل الأطراف الأخرى كالآباء أو السلطات أو المجتمع المدني، فلا شك أن النتائج تكون كارثية. وفي حالة أن الكل قائم بواجبه وبشكل مشجع، بينما الآباء هم الذين يشكلون مصدر الإحباط للتلميذ نظرا لظروفهم الاجتماعية أو بسبب ضائقة الفقر أو العيش في ظروف مزرية أو شعورهم بالإحباط في حياتهم الزوجية، فإن ذلك يكون وبدون أدنى شك عائقا يحول بين التلميذ وبين تحقيقه لنتائج إيجابية أثناء مسيرته الدراسية.
كيف يكون المجتمع مسئولا عن تحفيز التلميذ أو الطالب؟:
سبق وأن قلنا آنفا أنه حان الوقت للكف عن توجيه اللوم للتلميذ بدلا من توجيه أصابع اللوم إلى أنفسنا نحن الآباء، أو إلى المجتمع برمته وبكل مكوناته بما في ذلك المدرسة كبناية (بجميع مرافقها) والمعلم والمدير إلى غير ذلك. وكما قلنا سابقا فقد جاءت النظريات الحديثة سواء فيما يتعلق بمفهوم التحفيز أو علم النفس السوسيولوجي الحديث أو علم الاجتماع الحديث بأن الفرد – الاجتماعي بالطبع والغريزة- هو ابن بيئته ونجاحه من نجاح تلك البيئة، كما أن فشله من فشل بيئته التي تربى وترعرع فيها. وبما أن تلك البيئة هي نسيج من أطياف ومكونات تشكل الصورة النمطية للمجتمع، لاشك أن من ينحت أو يرسم تلك الصورة الكلية هم أبناء ذلك المجتمع أنفسهم. فلا خير في أمة تبعث في نفوس أبنائها روح الخمول والكسل وتعودهم على الاتكال على الغير أو حب العيش في الترف والبذخ دون بذل أي مجهود. التقاعس عن التحفيز والرمي بالمسؤولية واللوم على الآخرين دون محاسبة ونقد ذاتي للوقوف على حقيقة الأمر هو الذي أثقل كاهل الأمة العربية بأكملها وبلدنا هذا بصفة خاصة، إذ كثيرا ما نسمع ونرى الفرق بين أبناء هذا الجيل وبين الرعيل الماضي من أبناء نفس المدارس. جيل أصبح لديه فتور وفاقد لأي نوع من الحماس وروح التنافس. جيل يفضل كل شيء معلب (حتى المواد الدراسية)، جيل تربى على الوجبات السريعة والمشروبات "الغازية" وتفنن في الحصول على علب السجائر المختلفة وحتى "الشيشة" الشرق أوسطية الدخيلة عليه، فاختلت "هورموناته" وارتخت أحباله الصوتية مثلما ارتخت سراويله على حزامه، وبدت عظام ركبتيه من خلال "الدجينز" الممزق، فتغيرت حركات مشيته كما تغيرت حركات حروف لغته العامية التي أقحم في معجمها مفردات غربية وأخرى شرقية دخيلة لا تفهمها الأم ولا الأب ولا الجد أو الجدة. جيل أصبح حبيس زوايا البيت ينبش وينقر في الأجهزة الذكية بلا حركة ولا كلام ما عدا انفجار قهقهات ضحك عبثية لا يدري أهل البيت سبب مصدرها وكأنها تأتي من مختل عقلي في زوايا دهاليز "بويا عمر" أو إحدى غرف المصحات النفسية الكئيبة. جيل أغلق أذنيه بسماعات تحشو مخه بموسيقى صاخبة وأغاني ساقطة ساخطة على الوضع (تدلت سراويل مغنيها و"تفظفظت" قمصانهم زيادة عن اللزوم)، أو مقاطع فكاهية لا تزيده إلا قهرا وتخلفا فكريا، فتراه بين المارة يضحك من دون سبب وكأنه مخدر، غير أن شكله ومظهره أصبح مألوفا عند الكثير وطريقة حلق شعره المقززة تبدو وكأن الرأس قد شب فيه حريق فلم تنجو منه إلا قبضة يسيرة من الشعر لأن النار أخمدت بفعل فاعل أو بشفقة الحلاق نفسه المحن على حال زبونه. وإذا ما أتيحت لك الفرصة وتجولت ببعض العواصم أو المدن الكبرى بباقي دول العالم العربي أيضا، فإنك سوف تصاب بالدهشة لا محالة، لأن كل تلك الأعراض التي ذكرت تصاحبها ضخامة في الأجسام والأبدان بفعل السمنة المفرطة والتزاحم على مطاعم الأكلات السريعة. وقد تستغرب لكثرة الازدحام في الشوارع والطرقات كثيرا ما تتسبب فيه سيارات توصيل الوجبات وذلك راجع لعزوف الكثير من النساء والرجال معا عما يجود به مطبخ البيت إما بسبب الموضة الزائفة أو أسباب أخرى!!! وبذلك كثر الازدحام على أبواب المستشفيات والمصحات، وارتفعت نسبة الأمراض المزمنة والنفسية أيضا، واستفحلت في المجتمعات العنوسة والاكتآب والانقطاع عن الدراسة والاكتفاء بمشاهدة المسلسلات التي يفوق عدد حلقاتها أحيانا أعمار الصبيان في الأوطان العربية. فجلست النساء فاتحة أفواهها (وحتى ركبها) وهي تحملق فيما جادت به قريحة المخرج من مناظر خلابة وشبان يتظاهرون بالفحولة، وفنانات بفساتين براقة سال لها لعاب الرجال (قبلهن) على فناجين القهوة والشاي – التي يرتشفون منها بلا توقف وبدون شعور- حتى ارتفع معها ضغطهم من حيث لا يدرون وهم ينتشون بنظرات ثاقبة ومثبتة تخترق زجاج التلفاز قبل فساتين الممثلات الحسناوات.
ورغم ذلك، يبقى الأمل معقود على أن تنهض الأمة ثانية وتنفض غبار وأثر التبعية العمياء عنها وكذلك آثار الكسل والاتكال على الغير. أمة تضع المسؤولية والمحاسبة نصب أعينها لتنفخ في نفوس شبابها من جديد روح العمل الصالح والمثابرة والاجتهاد والمنافسة الشريفة. وتلك سنة الحياة أيضا، إذ لنا في التاريخ قصصا ومراحل عجيبة كثيرا ما قامت فيها أمم من سباتها ونفضت الغبار عنها. ولعل الجميع يذكر (كما سيظل يذكر ذلك التاريخ) بأن فترة الاستعمار الفرنسي جاءت بعدها فترة الاستقلال كفترة أسست لعهد جديد، لملمت فيه الأمة المغربية جراحها، وشمر أهلها على سواعد العزم والجد واستطاعت بذلك ان تنفخ في ذلك الجيل بأكمله روح الوطنية الحقة والكفاح من أجل بناء مغرب الغد. وبالفعل استطاع المغاربة بفضل الله ثم جهود موحد البلاد آنذاك جلالة المغفور له(بإذن الله) الملك محمد الخامس، وأخذ عنه الراية الراحل الملك الحسن الثاني (طيب الله ثراه)، ليأخذ عنه مشعل البناء وإكمال المسيرة التنموية الرائدة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس (أطال الله عمره ورزقه الصحة والعافية). لم تكن تلك الحقب تمر دون هزات سياسية أو اقتصادية أو فكرية أو اجتماعية توحد الأمة وتوقد فيها شعلة التفاؤل بالخير وحب التقدم والرقي مع مراعاة ما تركه الأجداد من موروث عقائدي وفني وثقافي يحفظ للأمة مكانتها وهويتها وقوتها بين الأمم الأخرى. لم يقتصر ذلك التحفيز على تلكم الأحداث وحدها، بل كان لبزوغ أشخاص أو أفراد من مفكرين أو كتاب أو سياسيين أو فنانين، ونجاحهم الباهر وانجازاتهم التي سيذكرها التاريخ أثرا بارزا في تحفيز أبناء الوطن على المثابرة والاجتهاد والاقتداء بهم من أجل تحقيق ما يصبون إليه من أهداف نبيلة. ولتقريب الصورة، دعوني أعطي بعض الأمثلة لبعض الشخصيات التي كان لها الأثر الإيجابي على أبناء وطننا ولازالوا في أعين الجميع أبطال، وسوف أذكر بعض الأسماء، علما أن القائمة طويلة والمجال لا يسمح، وأرجو المعذرة على الاقتصار على البعض فقط على سبيل المثال لا الحصر: من منا لا يذكر المختار السوسي وكفاحه، ومحمد الزرقطوني، وبوشعيب الدكالي، ومحمد الكورش الذي ألهم الشعب المغربي قاطبة وأدخل محبة سباق الدراجات في قلوب المغاربة كافة، وكذلك الرياضية المحبوبة نوال المتوكل ونزهة بدوان وسعيد عويطة وهشام الكروج وغيرهم الذين كانوا في الحقيقة السبب الرئيسي في تعاطي شريحة كبيرة من المجتمع المغربي لألعاب القوى وأوصلوا المغرب إلى المحافل الدولية لتذرف عيون المغاربة دموع الفرح وهم يرون العلم المغربي يرفع تحت نغمات النشيد الوطني في عواصم شتى وتحت متابعة ومشاهدة الملايين. ومن منا لا يذكر أبطال المنتخب المغربي لكرة القدم والألعاب الأخرى وغيرهم، ومن منا لا يذكر أولئك العلماء الأجلاء الذين أفادوا الأمة الإسلامية بغزارة علمهم، وكذلك المفكرين في مجال التربية والتعليم (المجال الذي نحن بصدده) رجال ونساء كان لهم الفضل في متابعة ما يجري على الساحة في مجال التربية والتعليم، والذين إما أنني قرأت ما أنجزوه أو كنت محضوضا بالتحدث اليهم أو مناقشة بعض أفكارهم وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور عباس الجراري، والدكتور ابراهيم الهلالي، والدكتور المهدي المنجرة، والدكتور عبد الكريم غريب، والأستاذ علال بن العزمية، والأستاذ عبد الكريم فليو، والأستاذ لحسن التوبي، والأستاذ محمد مكسي، والأستاذ محمد البوزيري، والأستاذ محمد فاوبار، والأستاذة لطيفة العبيدة، وغيرهم... هؤلاء من رجالات ونساء التعليم غرسوا في نفوس الجيل السابق (وحتى الحالي) محبة البحث والدراسة والسمو بالأفكار إلى عالم الفكر والتأليف والمشاركة.
وبحكم احتكاكي بالمجتمعات الخليجية، لا يفوتني هنا أن أذكر مثالا حيا عن حدث غير من تفكير فآت كبيرة من المجتمع السعودي على سبيل المثال. حيث أوقد هذا الحدث روح الجدية في التحصيل العلمي والتسابق في التسلح بالعلم والمعرفة لذا فئة كبيرة وشريحة مهمة من هذا الجيل. الأمر يتعلق برائد الفضاء السعودي سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز (الله يحفظه). وفي حقيقة الأمر لقد كان لرحلته بتاريخ 17 يونيو 1985م تحت رقم (إس تي إس- 51جي) على متن المكوك الفضائي ديسكفري، أثرا ايجابيا إلى أبعد الحدود مما جعل الكثيرين من أبناء هذا البلد يفضلون الالتحاق بمجال الطيران، وقد شاهدت ذلك بنفسي واستمعت إلى شباب سعوديون يتدربون بقاعدة "فورت روكر" بولاية ألباما بأمريكا. شعرت من كل أعماقي بصدق شهادتهم بأن انجاز سمو الأمير كان بالفعل محفزا لهم وسببا في محبتهم لميدان الطيران، وقد تخطى ذلك الإعجاب الحدود السعودية ليصل إلى معظم الشباب في البلدان العربية الأخرى التي كانت هي أيضا تحس بالاعتزاز والفخر. ليس هذا فحسب، بل قد شد إعجابي حديثهم عن حسن خلقه كشخص متعلم، واتزان شخصيته وصدق تشجيعه للعلماء وللبحث العلمي. تلكم الشهرة لم تثنيه عن تشبثه بدينه ومبادئه وهويته إذ أعجب فريق عمله في تلك الرحلة لشدة حبه للقراءة وكان بالفعل محضوضا بختم القرآن الكريم في الفضاء أثناء تلك الرحلة (وما أجمل ذلك، ونسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته). وما أحوج المملكة العربية السعودية الآن وفي هذه الفترة بالضبط (حيث تتلاطم أمواج الأحداث الجيوسياسية) لمثل هؤلاء الأبطال والعلماء لبث روح النشاط العلمي والاجتهاد لبناء وطن مسلح بالعلم والمعرفة الحقة.
أخطار الإحباط المُمنهج:
الإحباط هو ثمرة الكسل والخمول، بل هو نواة وسبب التذمر والاندثار. كما أن ظاهرة الإحباط قد تصل مرحلة الخطر حينما تتخطى عينة من أفراد محدودة لتشمل شرائح كبيرة من المجتمع وتستفحل فيه كالنار في الهشيم. غير أن الخطر كل الخطر أن يكون ذلك الإحباط مُمنهجا مقصودا لكي يثني أبناء الوطن عن عزيمتهم وأن يكون سببا في تخلف الأمة وضياعها وإفلاسها من الناحية المادية والأخلاقية. وكثيرا ما يكون الناس في غفلة بينما غيرهم يخطط لهم وذلك عن طريق دس الأفكار الهدامة والدعوة إلى الانحراف والانحلال الفكري والخلقي سواء عن طريق تلويث المناهج أو تلويث البيئة، ممتطين أمواج الفن والموضة المستوردة. والأخطر من ذلك أيضا أن يحمل أبناء الأمة معاول الهدم لتراثهم ومكتسباتهم العقائدية والاقتصادية والاجتماعية على أكتافهم وهم غير واعين بذلك. وكثيرا ما نرى في مجتمعاتنا دعاة أفكار مغلوطة مستوردة استطاع أهلها بأن يشتروا من يروج لها كأبواق رخيصة لا يهمها إلا العيش حسب ما تمليه عليها تلك الجهات (سواء عن قصد أو عن غير قصد). وعلاج ذلك أنه إذا ما وصلنا إلى نضج سياسي حقيقي ويقظة ضمير حقيقية لا تعطي صوتها في العملية الانتخابية إلا لمن تعتقد انه سيحمل همومها ومشاكلها ويصل صوتها إلى من يهمهم الأمر من المسؤولين، عندها سيقف المجتمع بأكمله كسد منيع ليصد كل الأفكار والعادات والتقاليد والأعراف الدخيلة، ولن يستطيع أحد أو أي هيئة تمرير أفكارها دون ردة فعل من المجتمع الذي سيلفظها بلا هوادة.
كيف نسخر التحفيز للرفع من مخرجات التعليم؟:
بما أن التحفيز يستند إلى جانين مهمين وهما الجانب المادي والجانب المعنوي، فلا شك أن الجمع بينهما يؤدي لا محالة إلى قمة العطاء (إن توفر وازع ديني أو صحوة ضمير). ولا شك أيضا أن وجود التحفيز المعنوي (لمن هم في حاجة ماسة إلى المال وليس الشهادة الورقية) دون وجود تحفيز مادي يبقى ناقصا وعُرضة للضياع. وللرفع من مُخرجات المنظومة التعليمية لابد من الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية حتى لا يكون لغيابها انعكاسات سلبية على حصيلة مدارسنا ويكون مصيرنا أن نظل دوما قابعين في ذيل لائحة الدول المتقدمة علميا. وتبقى هذه النقاط أو الأفكار تُشكل إضافة لما توصلت إليه وزارة التربية والتعليم وما توصل إليه خبرائنا بالمجلس الأعلى للتعليم ومنها:
-تحفيز رجال ونساء التعليم أولا وقبل كل شيء، وذلك بإعادة النظر في سُلم الرواتب، وتخصيص مبالغ مالية للتنافس العلمي الشريف والابتكار وتشجيع البحث العلمي والمشاركة في الدراسات والملتقيات والمهرجانات الدينية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية، والعطاء الفكري والثقافي والفني والأدبي، وتشجيع كل من جاء بنظريات تربوية وتعليمية أو طرق تدريس جديدة تعم فائدتها المدرسة والوطن ككل.
-تخصيص بدل للمواصلات أو إعطاء رجال ونساء التعليم تسهيلات لاقتناء سيارة بدون فوائد أو ضرائب تثقل كاهلهم (خاصة وأننا ولله الحمد بدأنا ننتج سيارات ببلدنا).
-وضع خطة إستراتيجية تكافلية توجد من خلالها وزارة التربية والتعليم (بالشراكة مع وزارة السكنى) سكنا لائقا لمنسوبيها بثمن جد مناسب ومشجع وبطريقة دفع سلسة لا تكلف هذه الفئة الشريفة من المجتمع عناء غلاء البيوت وتنقذهم من قبضة ملاك العقار التي تكاد تزهق أرواحهم عند إطلاله هلال كل شهر.
-خلق مكافآت لمديري المؤسسات التعليمية الذين أحسنوا التسيير لكي يصبحوا مثالا وقدوة للآخرين، كما يجب أن تخصص لهم برامج وحصص إعلامية تروم إلى مشاركة الجميع بأفكارهم.
-تشجيع فكرة المحافظة على جمالية المدرسة وذلك بجعل مكافئة مادية لكل مدرسة استطاعت أن ترقى بجمالها بيئيا ومعماريا، واستطاعت أن تضم كل المرافق الحيوية الضرورية وبشكل راقي ونظيف.
-تشجيع التلاميذ وتحفيزهم على طلب العلم والمعرفة وذلك بجعل المناهج الدراسية مشوقة ومنقحة من كل ما هو دخيل أو غير متوافق مع هوية الطالب ومبادئه الدينية، ومراجعة مقررات التربية الإسلامية لتضم مادة الأخلاق والتربية الوطنية أيضا، تربية يكون الهدف منها بناء الفرد الصالح والسليم يسعى إلى الأخلاق الحميدة ويتسابق في فعل الخيرات والإحسان.
-تشجيع التلاميذ المتفوقين والفرق المدرسية العلمية والرياضية والفنية، وذلك بتخصيص مبالغ تصل بالفعل إلى مستحقيها دون غش ولا اختلاس.
-تشجيع الآباء المتميزين في مراقبة ومتابعة نشاطات أبنائهم، وخلق أنشطة لأولياء أمور التلاميذ للخروج بالمدرسة إلى فضاء المجتمع الحقيقي.
-تشجيع الجادين والجادات من موظفي وزارة الثقافة حتى تزيد هذه الوزارة من اسهاماتها في خلق برامج ثقافية بشراكة مع المدارس وتحفيز كل من تفوق وأبدع في ذلك.
-تحفيز كل من يساهم في تطوير المنظومة التعليمية سواء من الوزارة أو من المجتمع وبشكل علني، ويجب إشراك الجالية المغربية في الخارج أيضا في ذلك.
-تحفيز جميع الجهات المسئولة سواء من رجال الأمن أو شرطة المرور أو القوات المساعدة أو رجال المطافئ أو السياسيين أو الفنانين أو غيرهم لكي يقوموا بمحاضرات وورش تحسيسية ترمي إلى تثقيف المجتمع والحفاظ على أمن وسلامة المواطنين وأملاك الدولة ونظافة بيئتها.
-تحفيز الأسر المعوزة والفقيرة أو تلك التي تعاني من مشاكل اجتماعية للحد من ظاهرة الهدر المدرسي وتشجيع أبناء تلك الفئة على التحصيل العلمي كي يكون أداة تنقذ حياتهم وحياة ذويهم.
-تحفيز المدارس والتلاميذ في القرى النائية وفك العزلة عنهم وربطهم بباقي الجهات عن طريق الإذاعة والتلفزة المدرسية في برامج تعليمية وترفيهية تكون من صنع المدارس والتلاميذ أنفسهم.
-تحفيز رواد مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة ودعم أولياء أمورهم للتغلب على مصاعب الدهر ومحاولة إدماج أكبر عدد منهم في سوق الشغل كلا حسب طاقته وقدرته ومهارته.
-تشجيع الجماعات الحضرية والقروية والشركات الكبرى والمحسنين معنويا بإعطائهم شهادات تقدير على نهجهم مقاربة تشاركية ومساهمتهم المادية في عملية تسيير المدرسة العمومية من خلال عطائهم المستمر الرامي إلى الرفع من مستوى التعليم وإلى التخفيف من عبء التكلفة على وزارة التعليم.
وأخيرا، أعود مرة أخرى وأقول لكم كما قال صديقي إبراهيم وهو يودعني بالأمس:
" أكيعاون ربي ".
والله ولي التوفيق،،،
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.