كيف سيكون الإنترنت وكيف سيعمل بعد ربع قرن؟ للإجابة على هذا السؤال، أجرت وكالة (إفي) مقابلة مع رئيس مؤسسة (إنترنت سوسايتي) المهندس الإسباني جونزالو كاماريو الذي يكشف أنه من الآن وحتى 2040 ستتخلى شبكة الإنترنت عن مركزيتها وتصبح أكثر ذكاء واستقلالية وآلية وحاضرة في جميع مناحي الحياة. ومؤخرا أصبح كاماريو، رئيس قسم التوحيد القياسي للبيانات في شركة (إريكسون) وعضو اللجنة العلمية في معهد (IMDEA Networks)، رئيسا لمجلس إدارة (إنترنت سوسايتي). وتعتبر هذه المؤسسة مصدرا مستقلا للمعلومات والفكر والقيادة في مجال التخطيط ومعايير التقنيات والتطوير المستقبلي للإنترنت على المستوى العالمي، وتسعى لدفع حوار مفتوح بين المستخدمين والشركات والحكومات ومنظمات أخرى، بحسب (IMDEA)، وهو مركز أبحاث حكومي متخصص في شبكات الاتصالات ويرأس لجنته العلمية كاماريو. وتسمح (إنترنت سوسايتي) لأعضائها في جميع أنحاء العالم بالتطوير والتنمية المستمرة للإنترنت على المستوى العالمي، ويتميز مجلس إدارتها بقيادة كاماريو بالطابع الجماعي الذي يهتم ب"ضمان بقاء الإنترنت مفتوحا وشفافا ومحددا من قبل مستخدميه". ومن بين المراحل التي ستصل خلال العقود المقبلة إلى الشبكة تبرز تلك التي تحمل اسم (الإنترنت اللاسلكي المستقبلي) والتي يتم العمل عليها حاليا في معهد (IMDEA). ووفقا لرؤية هذا المعهد، فإن تريليون جهاز لاسلكي سيكونون متصلين ب(الإنترنت اللاسلكي المستقبلي)، خلافا لتلك المتصلة بالشبكة الثابتة المعروفة حاليا. ويؤكد المعهد أن "الإنترنت المستقبلي ستكون خدمة شبكات ديناميكية ومنتشرة ستسمح بالاتصال في أي وقت وأي مكان، وتتطور نحو شبكة إنترنت مختلفة كليا عن تلك الموجودة اليوم، كما أن انتشار الأجهزة اللاسلكية سيجعل الحواسب الشخصية تختفي ويقدم أشياء جديدة توفر تطبيقات من الجيل الجديد". وبسؤاله عن التوجهات الأبرز في تطوير الإنترنت، أوضح كاماريو أنه "نتيجة لما يعرف باسم (إنترنت الأشياء)، سنرى مجموعة هائلة من المستشعرات المتصلة بالإنترنت". وأضاف "هذه المستشعرات ستقيس كل شيء في مختلف المجالات، بما في ذلك الشبكة نفسها، وتنتج كمية هائلة من البيانات". وفضلا عن انتشار المستشعرات، أكد كاماريو أننا "سنرى في إنترنت عام 2040 رواجا كبيرا للمشغلات". وتابع "هذه الآليات القادرة على توليد الطاقة للحركة أو جعل جهاز ميكانيكي آخر يعمل بضغط الهواء أو الماء أو القوة الكهربية، ستسمح بالتحكم في أجهزة وعمليات مختلفة عن طريق الإنترنت". وأردف "هذا الكم الهائل من البيانات الذي ستنتجه المستشعرات سيتم تحليلها تلقائيا للتعرف على الشبكة نفسها والإعداد لأي نوع من العمليات عبر هذه المشغلات". على الجانب الآخر، يتنبأ كاماريو بأن تطوير الذكاء الاصطناعي سيكون مهما للغاية "خاصة فيما يتعلق بدراسة الكميات الضخمة من البيانات تلقائيا والوصول إلى نتائج مفيدة". وأبرز الخبير أن "استخدام الذكاء الاصطناعي سيساهم في تعرف الشبكات على نفسها بشكل مستمر دون الحاجة لتدخل إنسان، مما يمنحها مزيدا من المرونة المهمة، نظرا لأن السرعة التي ستتعرف على نفسها بها ستكون فائقة". بالمثل، سيتم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لميكنة عمليات كثيرة تتطلب الآن تدخلا من الإنسان، بحسب كاماريو. كما أشار الخبير إلى وجود اتجاه ثالث ناجم عن التقنيات التي تقف وراء العملات الافتراضية (بيتكوين)، ويطلق عليها سلسلة الكتل، وهي قادرة على تغيير الكثير من العمليات في مجتمعنا. وأوضح كاماريو أن هذه السلسة من الكتل أو (بلوك تشين) هي طريقة لتسجيل أي نوع من التحويلات أو الاتفاقات أو العقود والبيانات الرقمية، لكن هذه المعلومات لا يتم تخزينها في مكان واحد، بل يجرى توزيعها عبر مئات أو حتى آلاف الحواسب في جميع أنحاء العالم. وأردف "تسمح هذه التقنية بالتأكيد والتحقق من صلاحية عمليات التحويل دون مؤسسة مركزية"، مضيفا أنه "إذا أجريت هذه التحويلات عبر الإنترنت، ستكون لكثير منها آثار على الواقع الحقيقي، بعيدا عن الواقع الافتراضي". في ضوء التوجهات السابقة، يتكهن كاماريو بشكل الشبكة في 2040. وبفضل الحساسات المتصلة، ستكون شبكة الإنترنت قادرة على إدراك عدد كبير من الخصائص والعمليات بصورة مستمرة. ويفسر المهندس "على سبيل المثال، سيحمل الأشخاص حساسات تقيس مؤشراتهم الحيوية ومستويات النشاط والمكان بشكل مستمر، كما ستكون هناك حساسات منتشرة في المدن تقيس الحرارة والرطوبة وجودة الهواء وأماكن السيارات وحالة البنية التحتية ووضع شبكة الكهرباء". وتابع "لذا فإن المشغلات العديدة المتصلة ستسمح بالتحكم في عدد كبير من العمليات بشكل تلقائي". وبحسب الخبير، فإن وجود المشغلين البشريين سيكون غير لازم في كثير من الحالات، فمثلا سيكون التحكم ممكنا بالسيارات والبنية التحتية عن بعد عن طريق هذه الآليات المولدة والناقلة للطاقة. واستطرد "سينتج عن هذا الانتشار المكثف للمستشعرات والمشغلات كم ضخم من البيانات ويمكن تحليلها لإيجاد أنماط وعلاقات سببية". وأضاف "سيسهل ذلك الوصول لنتائج وتنفيذ عمليات بناء على هذه الخلاصات". وأشار "يمكن مثلا عبر متابعة العلامات الحيوية لشخص ما استباق تعرضه لأزمة قلبية. وفي هذه الحالة يمكن تلقائيا الاتصال بالشخص وإعطاءه تعليمات للوقاية. بينما ستتم الاستعانة بأنماط أخرى لتوليد قدر أكبر أو أقل من الكهرباء بناء على تقديرات دقيقة لحجم الطلب". ويرى الخبير أن "الذكاء الاصطناعي سيتحكم في الإنترنت وسيسمح بالتعرف على أي نوع من العمليات بشكل فوري وتلقائي". واعتبر أن "استخدام الذكاء الاصطناعي سيسمح بالتوصل لأنماط من أي نوع والتدخل لتحسين أي عملية. وستكون البنية التحتية لمدينة ما عمليا قائمة على الذكاء الاصطناعي". وأكد "ستنفذ الشبكة عمليات موزعة دون الحاجة لمؤسسات مركزية وتسمح بتأكيد والتحقق من صحة أي عمليات تحويل تتعلم بأي تطبيق". واختتم "سيحل مثلا استخدام العقود المصدقة بواسطة سلسلة الكتل بدلا من كاتب العدل في كثير من الحالات، لذا فإن مؤسسات مثل المصارف وغيرها ستكون غير ذات نفع في بعض الحالات".