بزيارته التي يقوم بها حاليا إلى نيجيريا، وبعدها إلى كينيا وزامبيا، يقتحم الملك محمد السادس "عش" جبهة البوليساريو وصانعتها الجزائر في القارة الإفريقية، باعتبار أن هذه البلدان عُرفت بميولها ومناصرتها لأطروحة الجبهة الانفصالية بشأن حل نزاع الصحراء. زيارة العاهل المغربي إلى نيجيريا، الأولى من نوعها منذ تربعه على عرش المملكة، تعتبر تكريسا جديدا لرؤيته الاستشرافية المتعلقة بتعزيز العلاقات الثنائية التي تجمع الرباط بأبوجا، وبجعل القارة الإفريقية متحكمة في مصيرها. وتجسد هذه الزيارة الخيار الذي انخرط فيه المغرب بتنويع شراكاته، سواء على المستوى الجيو سياسي أو الاقتصادي؛ وذلك في ضوء السياسة الإفريقية للمغرب التي لا تنحصر في منطقتي إفريقيا الغربية والوسطى، لأنها تضع نصب عينيها كل إفريقيا. وكتجسيد لإرادة المملكة المعبر عنها على أعلى مستوى، المتعلقة بتوسيع مجال نموذج التعاون جنوب-جنوب، الذي جرى تطويره مع الشركاء التقليديين للمغرب على صعيد القارة الإفريقية، فإن زيارة الملك إلى نيجيريا تفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الرباط وأبوجا التي تعود إلى سنة 1960. وشهدت هذه العلاقات المتجذرة في الزمن، خلال الشهور الأخيرة، تطورا إيجابيا، تمثل على وجه الخصوص في المباحثات التي جرت على انفراد بين الملك محمد السادس ورئيس جمهورية نيجيريا محمد بوخاري؛ وذلك على هامش الاجتماع رفيع المستوى المنظم بمناسبة عقد مؤتمر "كوب 22". ويأمل مراقبون في أن تساهم الزيارة التي يقوم بها الملك محمد السادس إلى هذا البلد في تعزيز روابط الصداقة والأخوة بين البلدين، والاندماج الإقليمي، معتبرين أنها ستساهم، بدون أدنى شك، في إعطاء دفعة قوية للعلاقات السياسية، وكذا الاتفاق على خطوات ملموسة تساهم في النهوض بالتعاون الثنائي. وتعد هذه الزيارة كذلك مناسبة للمغرب ونيجيريا لكي يضعا إطارا قانونيا موسعا وعمليا، مع بلورة تعاون بناء، سواء بين الحكومتين أو بين الفاعلين الخواص؛ وذلك من أجل شراكة استراتيجية متينة في إطار تعاون جنوب-جنوب متسم بالبراغماتية والتضامن، ومؤسس على تبادل التجارب وتقاسم الخبرات. وسيمكن هذا التعاون من تضافر جهود البلدين بغية تقديم أجوبة مناسبة على مختلف التحديات التي تواجه المغرب ونيجيريا، في الشق المتعلق بقضايا السلم والأمن والديمقراطية، والحكامة الجيدة والتنمية الاقتصادية، وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك وذات طابع حساس وتحظى بالأولوية. وما دامت الغايات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن تحقيقها في ظل عدم الاستقرار، فإن سيادة الأمن ومحاربة ظاهرة الإرهاب تعدان جانبا مهما في تحقيق كل تنمية اقتصادية وكل ازدهار اقتصاد، وبالتالي فإنه يتعين على المغرب ونيجيريا تسخير تجربتيهما في كل ما له علاقة بالتعاون الثنائي.