اعتقال رشيد نيني أثار، على ما يبدو، حفيظة المثقفين و الحقوقيين و السياسيين و الصحافيين وعموم المواطنين رغم اختلاف بعضهم معه في أرائه و توجهاته بل و أسلوبه المستفز الذي عادة ما ينفذ إلى عقول شرائح عريضة من قرائه لطرحه قضايا الفساد السياسي و الإداري و القضائي و هو ما اعتبره بعض من رجال السلطة قلما مزعجا قد يتسبب في جعلهم يوما في نفس الوضعية التي يوجد عليها رشيد حاليا. قد تكون هذه القضية، قضية ممارسة مهنة الصحافة في المغرب، وهي فرضية تحيلنا، بكل بساطة، إلى السؤال التالي : هل هذا الصحفي يحاكم بصفته تلك أم بصفة شخصية أو بصفته مناضلا سياسيا يطرح في صحيفته معانات شرائح عريضة من المجتمع ؟ و هي الصفة التي اختارها، على ما يبدو، دفاعه في هذه المحاكمة. صفة المتهم، كما هو معلوم، لها ارتباط عضوي، إن صح التعبير، بالنص القانوني الواجب التطبيق. و ما دام الأمر يتعلق بمتابعات ترتكز على مقالات تدخل في صميم ممارسة مهنة الصحافة، فإن الذي يوجد في قفص الاتهام هو صحفي ارتأى المدعي العام متابعته لارتكابه جنح يرتكبها عادة عامة الناس، فقرر تجريد صحفي من صفته و تعطيل قانون طالما ناضل أصحابه من أجل إلغاء ما تضمنه من قساوة في حق الناشر بوجه عام. و في هذه الحالة يحق لأصحاب مهنة الصحافة أن يتساءلوا عن جدوى المطالبة بإصلاح هذا التشريع في الوقت الذي يبيح قاض الاتهام حق إلصاق أية جريمة خارج قانون النشر و هو أوج الاستخفاف بالقانون بوجه عام. - 2 - و لفهم مجريات هذه القضية نورد البيانات التالية : في البداية، أخذ الوكيل العام للملك بزمام المبادرة دون أن يعتمد على أية شكاية كما تشترط المسطرة، فبعث بكتاب في موضوع ما نشر بيومية المساء أرفقه بثمان مقالات إلى رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الوقت الذي توجد شرطة قضائية تحت إمرته بحكم مقتضيات قانون المسطرة الجنائية و هو الجهاز الذي لا من المفروض أن يقوم بنفس المهمة و حسب، و إنما لوجود علاقة تبعية ما بين الجهاز و سلطة الاتهام و هو أول خرق للمسطرة. و رغم أن الأمر يرتكز على ما نشر بيومية المساء المعزز بمقالات اعتبرها صاحب الاتهام في كتابه جرائم تقع تحت طائلة القانون الجنائي فانه طالب ضابط الشرطة باستجواب كاتبها بخصوص ما يتوفر عليه الصحفي من حجج. بعد استدعائه و اعتقاله طيلة أربعة أيام ظل طيلتها المكلف باستفسار صاحب المقالات يسأل عن دليل كل ما كتبه عن فلان و علان رغم عدم وجود أية شكاية أو حصول أي ضرر يذكر، و هو ثاني خرق للقانون. عند مباشرة المسطرة يسأل الضابط الصحفي عن وسائل الإثبات حول ما جاء في المقالات، فيجيب أن المعلومات الواردة بها استقاها من مصادر موثوقة لا يمكن الكشف عنها و يتشبث بصحتها. خلافا لقاعدة الإثبات التي تقع على سلطة الاتهام في قضايا الإجرام العادية، فإن قانون النشر يلزم الصحفي بإثبات ما يدعيه في كتاباته عند المساءلة. يختم الضابط محضره باستنتاج مفاده أن الصحفي أهان في مقالاته فلان و علان دون توفره على أي إثبات. و عوض أن يبعث بالمسطرة لمن كلفه بانجازها يأخذ بدوره مبادرة إحالتها إلى وكيل الملك فيتابع الصحافي بمقتضى فصول جنائية عوض بنود القانون المنظم لمهنة الصحافة و هذه هي الإشكالية الحقيقية. يظل الصحفي مطالبا بالإدلاء بالإثبات في حالة ما إذا تمت متابعته وفق ما تقتضيه بنود قانون الصحافة. و إذا جنحت سلطة الاتهام إلى قانون الحق العام فإن عليها ليس فقط عبئ الإثبات، و إنما يصبح قانون الصحافة في خبر كان. -3 – إذا كانت ضوابط المحاكمة تتطلب عرض وسائل الإثبات للمناقشة، فإنها لا وجود لها في هذه القضية ما دام الصحفي في قفص الاتهام طبقا لأحكام القانون العام، و في هذه الحالة، فإن ضوابط المسطرة تلزم القاضي بإصدار الحكم على المتهم بعدم المتابعة دون حاجة الخوض في موضوع المحاكمة. إن قضية رشيد نيني قضية بسيطة لوجود خرق مسطري واضح لا يحتاج إلى كل هذه "الشوشرة" و كبيرة لأن الأمر يتعلق بقضية حرية التعبير التي أعادتها هذه القضية إلى واجهة الأحداث الوطنية في ظرف لا يزال المغاربة يراهنون على فصل السلطات و تحديد الاختصاصات، و في وقت لا تزال سلطة الاتهام تصر على متابعة صحافي بمقتضى بنود قانون الإجرام. فهل تنبه القاضي لهذا الخرق الصارخ الذي وقع فيه المدعي العام ؟. يظهر من خلال هذا النوع من الانزلاقات أننا لا نزال نتخبط في الشكليات القانونية و لم نتمكن بعد من ضمان تحقيق العدالة في بعدها القانوني قبل بعدها الشمولي. و بهذا الاتجاه لن يقبل نادي الديمقراطية طلب انخراطنا ما لم يتحمل القاضي مسؤولية الفصل ما بين الهواجس الأمنية و المتطلبات القضائية.