استفاق العَالم كله عَلى جريمة بشعَةٍ في حَق الإنسَانية والتي راح ضحيتها الشهيد (محسن فكري)، جريمَة أسَاءت إلى سُمعة المَغرب وضَربَت بحَصيلة حُقوق الإنسَان عرض الحَائط، فكيفَ يعقلُ أن نقول عَن بلد يقتل فيه المواطنونَ من طرف منْ يَحْملون مَسؤوليّة حمايَتهُم والسَّهَر عَلى سَلامتهم، بأنه بَلدٌ حُقوق الإنسَان ؟؟ إن الأسلوب الشنيع الوحشي الذي قتل به الشهيدُ لا تقتل بهَا حتى الحيَوانَات المُتوحشة. بُلوغ الخبر إلى الصُّحف البريطانية والصّينية والأمريكية واللاتينيَّة ليس غريبًا بل الغريب هو أن لا نرَى صُحُفًا تكتبُ عَن هذه الكارثَة الإنسَانيَّة، إن وفاة شهيد اللقمَة (مُحسن فكري) في الحقيقة أمرٌ خَطيرٌ للغَاية خصوصًا في منطقة تختزل ذاكرتهَا تاريخًا دمويًا وماضيًا مُظلمًا مَع المَخزن، ولابد من استغلال هذه الفرصَة وعَدم تفويتهَا مِن أجل مُحَاربة آلة القمْع المَخزنيَّة ونظام السُلطَة التقليديَّة الذِي ما يزالُ يُعَامل المُواطنين الأحرَار مُعاملة العَبيد، وكذا الوُقُوف ضِدَّ سيَاسية الدَّولَة التي تمْعِنُ في تهمِيش مِنطقة الرِّيف وإفقَاره وحِرمَانِه من المَشاريع التنمويّة والسيَاحيَّة والاستثمارية كإستراتيجية لإضعَاف بنيَة المِنطقَة ودَفع أبناءهَا إلى الهجرة وإلى قواب الموت، حَتى يتسَنى لهَا إعادة صِيَاغتها وبناءهَا عَلى النحو الذي يُرضِي سيَاسَة الدَّولة فهل هكذا يعامل فيه المغاربة في ظل إمارة المؤمنين ؟ إن مَقتل الشهيد (محسن فكري) كشف حَقيقة حُقوق الإنسَان في المغرب التي اختزلت في جُملة صَغيرَةٍ (أطحَنْ مُو) هَذه الجملة البربريَّة النازيّة العُنصريَّة التي تأكدُ أننَا مَا زلنَا في سَنوات الظَلام والقمع و الرَّصَاص والمَقابر الجَماعيّة..، وكشفت سريرة الأحزاب السيّاسيَّة والدُّعَاة والفقهاء ورجَال الدِّين الذين لم يَجُرُّوا قلمًا ولم يُقولوا كلمَة حَق في حق مَا يتعرَّضُ له أبنَاء الوطن من بطش وطحْن واسترقَاق واستعبَاد.. إنَّ أي نظام في العَالم لا يخشى على نظامِه من الخَارج بقدر مَا يَخشى عليهِ من ثورَة البُسَطاء والفقرَاء والمطحونين، لأن تجربة الثورَات فِي الرَّبيع العَربي، لم يقم بهَا الأغنياء والمُترفين وأصحاب الأموَال، بل وقفوا حَائطًا منيعًا وسدًا حصينًا أمامهَا حِمَاية لمصَالحهم وثرَواتهم ومشاريعهم.. وإنمَا الثورة تنبَعُ من رَحم مُعَاناة الفقرَاء والتعَسَاء، والنظام المغربي يعي تمامًا أن هذه الحادثة قد تتسبَّب في ثورَةٍ عَارمَة وعِصيَان مَدني لا يُحمدُ عُقباه، وهو مَا يُبَادر النظام إلى إصلاحِه إصلاحًا ترقيعيًا وخطابيًا ناسيًا أو متناسيًا أن أي إصلاح فِي هَذِه الآونة لا مَعنَى له، وإنما هُوَ لعبُ الصِّغار والمغفلين لأن الإصلاح ورَبط المَسؤوليَّة بالمُحَاسبة يكون قبل الغليَان الاجتمَاعِي، وهُوَ مَا على المَلك المَسؤُول الأوَّل عن أمن واستقرار بلدِه وأرواح رعَايَاهُ أن يفهَمَهُ وأن يَعيَهُ. إنَّ الشعب لا يُريدُ كفنًا وإنمَا يريدُ حُرِّيَّة وكرَامة وعيشًا كريمًا وعَدالة اجتمَاعيَّة كمَا يريدُ القضَاء على الفسَاد والمُفسِدِين و يريد رُؤيَة المُجرمِين والنَّاهبين يُسَاقون إلى العَدَالة والقضَاء والمَحاكم كما هو الحال في الدول الديمقراطية. ليس (محسن فكري) فقط من طحَنتهُ آلة القمْع والاستبدَاد، جُلُّ المغاربة طحنُوا ومَاتُوا ودفنُوا وقتلُوا واضطهدُوا وقاسُوا الوَيلات والفوَاجع وبَعضُهم تركَ أهلهُ ووَطنهُ لينعَم فِي بلدٍ يضمَنُ لهُ الكرَامَة وكثير منهمْ مَا يزَالُون يُقَاسُون نفس الوَيلات دُون أيّ إصلاح وأي رُقيٍّ بمُستوى عَيشهم وبمُستوى حُقوقهم. الشعْبُ لا يُريدُ الفتنَة التِي يُروِّجُ لهَا الكثيرُ لتأجيج صِرَاع طائفِيٍّ وعِرْقِي بينَ الأمَازيغ والعَرَب، و الفتنة التِي يتكلم عنهَا البَعض، هي نتاج لسيَاسَة أنظمَة سَابقة توالت على حُكم المَغرب، مَارسَت الظلم والطغيَان والفجُور والقتَل بالجُملَة في حَق أهل الرِّيف، وآثرت المُستعمِر على أبناء أرضِهَا وجلدَتَهَا. فدَفعَ مَصارف الكفن والعَزاء ليسَ كافيًّا وليسَ مَنطقيًّا، الشعبُ لا يريدُ حَفلَ عَزَاء، إنمَا يريدُ مُحَاسبَة النَّاهبين لخيرَات الوَطن والمتاجرين في ثرَواته دُونَ رَقابَةٍ ودُون مُحَاسبَة. الشَّعبُ لا يريدُ قلبَ النظَام واستبدَال المَلكية بالجُمهُورية، لكن حينمَا يفقدُ ثقتَهُ فِي قدرة مَلكِه ونظامِهِ ومؤسساته الدُّستوريَّة والقضائية على مُحَاسبة المُجرمين فإنه يَبذلُ المُستحيل من أجل تحقيق مطالبه العَادلَة والمَشرُوعَة، وما رأيناه حينمَا تم رَفعُ علم إسبانيا إلا دَليلٌ قوي على أنه في حالةٍ الظلم يكون فيهَا الشعب المَظلوم مُستعدًا لأن يَرميَ بنفسِه حتى بين أحضَان بلدٍ استعمَرَهُ أو بين أحضَان أيِّ دَولة أخرَى تصُونه وتضمَنُ له الكرَامة. لا أحَد يريدُ الفتنة، ولكن حينمَا يرَى الناس أنفسهم أمَام فتنةٍ عُمرهَا عُمْرُ الدَّهر، أمَام فتنةٍ لا نهاية لهَا، يشتد لهيبُهَا وتضطرمُ نيرَانهَا يوما بعد يوم، فإنهم حَتمًا سُيحَاولُون البَحث عن فنتةٍ أخرى عَلهُم يَجدون في مُرِّهَا عَسَلا وفِي جرَاحها ترياقًا وفي سِجنهَا حُرِّيَّة وفِي مَوتهَا حَيَاة ً.. [email protected]