مع اقترب كل موعد انتخابات بالمغرب إلا ويطفو على السطح مطلب مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج فيها، ولحد الآن لم يتحقق لهم ذلك بالرغم من أنه أصبح أحد حقوق المواطنة الكاملة التي أقرها مؤخرا الدستور الجديد للمملكة المغربية الصادر سنة 2011. وإذا كان مختلف الفرقاء من جمعيات المجتمع المدني وفعاليات حقوقية وسياسية ينتظرون إصدار الحكومة الحالية ترسانة قانونية تعزز هذا المكتسب الدستوري المتمثل في ممارسة مغاربة الخارج حقهم في الترشح والتصويت، فإن تفعيل هذا المطلب تم تأجيله من جديد تحت مبرر وجود معوقات تقنية ولوجيستيكية. التجربة ليست وليدة اليوم: وبالرجوع شيئا ما إلى الوراء نجد أن مسألة مشاركة مغاربة الخارج في الانتخابات لم تكن وليدة اليوم حيث تم تخصيص خمسة مقاعد في الانتخابات البرلمانية للولاية التشريعية 1984-1992 للمغاربة القاطنين بالخارج، أجريت في خمسة دوائر كما حددها المرسوم رقم 2-54-515 المؤرخ في 17 ذي القعدة 1404 الموافق ل 16 غشت 1984، المتعلق بإحداث دوائر انتخابية خارج أرض الوطن، غير أنه سرعان ما تم التخلي عن هذه التجربة، حيث ألغيت الدوائر الانتخابية الخمس خارج التراب الوطني سنة 1993، وذلك لمحدودية التجربة التي عكست انعدام تمثيلية حقيقية للمهاجرين المغاربة بسبب صعوبة ضمان شفافية الانتخاب وانعدام التواصل بين المنتخبين والشرائح التي يمثلونها وكذلك الصعوبات الموضوعية المرتبطة بتنظيم عملية الإقتراع في الخارج. وفي مطلع سنة 2002 قامت مجموعة من جمعيات المجتمع المدني بالخارج برفع دعوى قضائية ضد الوزير الأول آنذاك بالمحكمة الإدارية التابعة للمجلس الأعلى بالرباط تطالب باستعادة الحق في الانتخابات المرتقبة في 27 شتنبر من نفس السنة، غير أن نتائج مداولات المجلس الأعلى الصادرة في يوليوز 2003 جاءت عكس ما كانت تصبو إليه تلك الجمعيات حيث حكم برفض الدعوى لعدم الاختصاص. الخطاب الملكي: غير أن الخطاب الملكي ل 6 نونبر 2005 أعاد النقاش من جديد حول مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في الانتخابات، حيث أكد على وجوب تمكين مغاربة الخارج من التمثيلية داخل مجلس النواب بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية، وكذلك ضرورة إحداث دوائر انتخابية بالخارج ليتسنى لهم اختيار ممثليهم بالغرفة الأولى، كما تم إقرار تمكين الأجيال الجديدة من الجالية المغربية المقيمة بالخارج من حق التصويت والترشح للانتخابات وذلك تجسيدا لمبدأ المساواة في المواطنة. غير أن التطورات اللاحقة بينت وجود صعوبات لحقت تنفيذ القرار الملكي. دستور 2011: ومع صدور الدستور الجديد لسنة 2011، تم تكريس حق مغاربة الخارج في التصويت والترشيح في الانتخابات، وذلك بمقتضى الفصل 17 منه، حيث تم إقرار إمكانية تقديم مغاربة الخارج لترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية الجهوية والمحلية والوطنية، وذلك وفق قانون يحدد المعايير الخاصة بأهلية الانتخاب وحالات التنافي وكذلك شروط الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشح انطلاقا من بلدان الإقامة. مقترحات الاحزاب السياسية: وقد بادرت بعض الأحزاب السياسية المغربية إلى وضع صياغة مقترحات قوانين تنظم العملية الانتخابية، حيث اقترح حزب الاستقلال تخصيص 60 مقعدا لمغاربة الخارج، يتم انتخابهم على صعيد الدوائر الانتخابية الدولية والتي تحدد بمرسوم، تخصص فيها 42 مقعدا لأوربا، 9 مقاعد لإفريقيا، 6 مقاعد للدول العربية، 6 مقاعد لأمريكا و 3 مقاعد لأسيا. أما حزب العدالة والتنمية فقد اقترح إحداث 4 دوائر انتخابية تضم كل واحدة منها 4 مقاعد كما اقترح دمج دوائر الاستقبال التي تتوفر على 200 ألف نسمة، كما دعا مقتر قانونه أيضا مراعاة التمثيل الديمغرافي بين الداخل والخارج، وكذلك تضمن اللائحة الوطنية 20% من مترشحي ومترشحات الخارج. أما بالنسبة للاتحاد الاشتراكي فقد اقترح رفع نسة أعضاء مجلس النواب إلى 425 تخصص فيها 30 مقعدا لمغاربة الخارج، إلا أنه ما يعاب على هذه المقترحات أنها تركز على الجانب التقني في الانتخابات ولم تضع بشكل دقيق مقترحات تعكس تطلعات مغاربة العالم. وللتنصل من مسؤولية الدفع والمطالبة بإشراك مغاربة الخارج في الانتخابات التشريعية المقررة في السابع من أكتوبر الحالي، خرج بعض زعماء الأحزاب السياسية بتصريحات تفيد أن المشكل يخضع لاعتبارات سياسية وليس تقنية كما صرح بذلك وزير الداخلية. إلا أن الملاحظ في جل برامج هذه الأحزاب السياسية التي دخلت بها سباق التنافس نحو مجلس النواب، أنها غيبت المطالبة بتفعيل مضامين الفصل 17 من الدستور المغربي في برامجها الانتخابية التي دخلت بها غمار التنافس حول مقاعد مجاس النواب، بل تعدته بعضها إلى أن خصصت فقط سطرا واحدا لهؤلاء الفئة من المغاربة في تلك البرامج الانتخابية، مع العلم أن هذه الفئة من المغاربة لها أهميتها أيضا. أراء حول مشاركة المغاربة المقيمين بالخارخ في الانتخابات: أما بخصوص مختلف الآراء حول مشاركة مغاربة الخارج في الانتخابات من عدمه فقد انقسمت أغلبها وتكثلت في تيارين: التيار الأول: لا يعتبر المشاركة السياسية لمغاربة الخارج ليست أولوية، طالما أن هناك مشاكل أعمق يعاني منها مغاربة الخارج: كالشغل، وتمدرس الأطفال، والهوية، وكذا المعاناة الإدارية في الداخل والخارج. كمال يرى أيضا أن المشاركة السياسية للمغاربة المهاجرين في بلدهم الأصلي، يمكن أن تستخدم كورقة من أجل إقصائهم الممنهج في الحياة العامة داخل بلدان الإقامة. التيار الثاني: يرى أن أسباب ودواعي تمثيلية مغاربة الخارج تنبني على عدة مرتكزات من أهمها: -أن المشاركة السياسية تعد مدخلا أساسيا لممارسة أحد حقوق المواطنة المكفولة في الدستور. -تمكين المهاجرين من الدفاع والتطرق لمشاكلهم داخل المؤسسات المنتخبة. -تفعيل البعد الإنمائي المتجسد في مساهمة الجالية في النهوض بالاقتصاد الوطني من خلال تدفقات العملة الصعبة. -تكريس الدبلوماسية الموازية للجالية من خلال الدفاع عن المغرب في المحافل الدولية. -المساهمة في الإشعاع الحضاري للمغرب حيث يعتبر مغاربة الخارج سفراء من نوع خاص يحملون الرسالة الحضارية العريقة لبلدهم الأصلي. عجوزات إقرار مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في الانتخابات: لكن المتتبع للشأن الانتخابي بالمغرب لابد أن يلامس تخطي الحكومات المتعاقبة لمطلب مشاركة مغاربة الخارج في الانتخابات عند اقتراب كل استحقاقات انتخابية، فقبل سنة 2002 بررت وزارة الداخلية قرار عدم إشراك مغاربة العالم في انتخابات شتنبر، بعدم وجود وقت لازم للإعداد لها، وكذلك صعوبة التقطيع الانتخابي في بلدان الهجرة مع ضرورة استشارة دول الاستقبال والاتفاق معها، وقد تعهدت بتجاوز هذه المعوقات في انتخابات 2007، لكنه طرحت مجددا نفس المبررات آنذاك، وعزت ذلك إلى أن تنظيم انتخابات تشريعية في دوائر انتخابية خارج المغرب يشكل رهانا كبيرا، ولتفعيله قررت الحكومة نهج مقاربة مبنية على التفعيل التدريجي للتدابير الخاصة بتمثيلية المغاربة المقيمين بالخارج، وكذلك تفادي سلبيات التجربة الانتخابية لسنة 1984. وفي الوقت الذي ظن فيه جميع الفرقاء أن المشكل قد تم حله بالتنصيص الدستوري على وجوب مشاركة مغاربة الخارج في الانتخابات من خلال الفصل 17 تم التذرع مجددا بنفس التبريرات السابقة، إضافة إلى عدم وجود الوقت الكافي لإجراء الانتخابات التشريعية بالخارج. ومع اقتراب الاستحقاقات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 أعلن مجددا وزير الداخلية أنه لا يمكن إشراك مغاربة الخارج فيها، لوجود عدة صعوبات تقنية تحول دون ذلك. وهذا ما يوضح بجلاء عجز الحكومات المتعاقبة على تسريع تفعيل الإجراءات المرتبطة بالعملية الانتخابية لمغاربة الخارج. بعض التدابير المهمة لتمكين المغاربة بالخارج من حق التصويت والترشح في الانتخابات: إن تمكين مغاربة العالم من ممارسة حقهم في التصويت والانتخاب لا تفرمله فقط صعوبات تقنية أو لوجيستيكية محضة، لكنه بات من الضروري لفت النظر إلى عدة أمور لا تقل أهمية لممارسة مغاربة الخارج حقهم في الترشح والتصويت في الانتخابات والتي من أبرزها: -ضبط اللوائح الانتخابية وإعدادها: فهذا الإجراء ينبغي أن يبنى على معطيات دقيقة تمكن من معرفة العدد الإجمالي للمغاربة القاطنين بالخارج والذي على ضوئه سيتم معرفة عدد الدوائر الانتخابية بالخارج وعدد ممثليها. -التفاهم مع دول الاستقبال بإجراء هذه الانتخابات: وهذا الإجراء يعد أكثر أهمية، حيث لا يتصور إجراء انتخابات في بلدان المهجر دون الاتفاق معها. -ضرورة إعداد تقطيع انتخابي يراعي نسبة المهاجرين المغاربة في كل بلد بديار المهجر. -إصدار ترسانة قانونية ننظم العملية الانتخابية بالخارج ابتداء من القيد في اللوائح إلى غاية صدور النتائج النهائية، مع تحديد الجهة القضائية المخول لها البث في الطعون الانتخابية، دون إغفال تنزيل قوانين تحدد كيفية إجراء الحملة الانتخابية في بلدان المهجر، وكذلك الحرص على تدبير هذه الانتخابات بشكل يضمن شفافيتها وسلامتها من كل الأفعال التدليسية التي قد تشوبها. ضرورة الخذ بعين الاعنبار الرأي الاستشاري للمؤسسات الدستورية التي تعنى بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج ونذكر على سبيل المثال مجلس الجالية المغربية بالخارج والذي قدم دراسة في هذا الصدد. كذلك لابد للمشرع المغربي أن يسن تشريعات تلزم الأحزاب السياسية بترشيح نسبة معينة من مغاربة الخارج في اللوائح الانتخابية الوطنية والمحلية، فعلى سبيل المثال نجد المادة 22 من القانون التنظيمي 27.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب تجيز إمكانية تقديم مغاربة الخارج ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى الدوائر المحلية وكذا الوطنية وفق الشروط المنصوص عليها في ذلك القانون التنظيمي، لكنها لم تلزم الأحزاب السياسية بضرورة تطبيق بنودها. تأهيل موارد بشرية إضافية يتم إرسالها لبلدان المهجر للإشراف على العملية الانتخابية بالخارج، على اعتبار أنه إذا ما تم إسناد تلك المهمة لجمعيات المجتمع المدني بالخارج ربما لن تخلو من الحياد والشفافية اللذان يلزم الاتصاف بهما أثناء الإشراف على العملية الانتخابية. أما بخصوص تجاوز الجانب المتعلق بالصعوبات التقنية، فقد أصبح من الضروري التفكير في وسائل ناجعة يُتجاوز بها هذا العائق، والتي من بينها اعتماد نظام للتصويت الإلكتروني داخل البلدان الأكثر شساعة أو التي يستعصى فيها إجراء الانتخابات بالطريقة الاعتيادية، مع ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في اعتماد التصويت الإلكتروني كالولايات المتحدةالأمريكية، فإذا كان هذا النوع من التصويت إلى حد ما صعب التطبيق في المغرب نظرا لكون عدد مهم من المواطنين داخل المغرب لا يحسنون استخدام آليات معالجة المعطيات الرقمية، فإن الأمر يختلف تماما بديار المهجر. وبالتالي أعتقد أن الانكباب على معالجة كل هذه الإشكاليات سيمكن المغاربة المقيمين بالخارج من استكمال حقوق المواطنة التي كفلها لهم الدستور من خلال ممارسة حقهم في الترشح والتصويت في الانتخابات. *باحث في العلوم السياسية من واشنطن.