من نافلة القول، أن الأحداث المتتالية التي عرفتها الساحة السياسية قبيل الانتخابات التشريعية المغربية، استفزت وتستفز غالبية المهتمين والمتتبعين للشأن السياسي، ومن ضمنهم الباحثون في التاريخ،الذين يسارعون لاستحضار المخزون الوثائقي بغية مقاربة واقع ما،يرون جذورها عميقة،ويراها غيرهم آنية ومستحدثة. إن محاولة تفكيك مكونات العنوان أعلاه،يجعلنا نتساءل عن الرابط أو الروابط - إن وجدت- بين الجنس والنخب؟،فتعريفات الأول كثيرة ومتنوعة جدا،لعل أبسطها: النكاح، وفق ما نصت عليه كل الشرائع السماوية، ويطلق على كل ماله علاقة بالوظائف والأعضاء التناسلية.أما النخب ،فواحدة من تعريفاتها، أنهم المختارون من المجتمع الذين لهم مؤهلات معينة.وبناء على ذلك، فهم الملتزمون بالدفاع عن قضايا المجتمع وفق التزام أخلاقي وقانوني؛كما أنهم حماة القيم والموكول لهم الذود عنها. ترى ما السبب الذي جعل فريق من نخبنا يوظف تهمة الممارسة الجنسية في شقها السلبي(اللاشرعي)، ضد فريق آخر؟ تجدر الإشارة، إلى أن هذا التوظيف السلبي للجنس من قبل النخب المغربية لم يكن وليد اللحظة الآنية، بل تمتد جذوره إلى قرون خلت، وسأكتفي بسرد مثالين اثنين، حدثا في مغرب أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر الميلادي: الحدث الأول: أمام الانحطاط الأخلاقي الذي عرفه المجتمع المغربي آنذاك، قاد العالم ابن عجيبة حركة/دعوة أخلاقية اجتماعية،جعلت مبدأها يرتكز على التخلية والتحلية،ونادى بالمساواة المطلقة، دون تفاخر ب"المال"أو "النسب"أو السلطة"؛فأسس لذلك حركته المسماة "الدرقاوية"، الأمر الذي أثار حقد النخب( الأعيان، و العلماء،والأشراف،و...)،خصوصا بعد أن فضح أفعالهم المشينة،فشعروا بأن مصالحهم أصبحت مستهدفة ومهددة بالزوال؛ولهذا تحينوا الفرصة للإيقاع به وبأتباعه الذين كانوا في تكاثر مستمر. فتم ادعاء واستغلال تهمة ضد الهاشمي بن عجيبة(الأخ الشقيق لأحمد بن عجيبة)، تقدم بها زوج، مفادها أن التهامي لقن زوجته "الورد" بمنزله وفي غيابه،فأحيل المتهم على قائد تطوان ،وأمام إصرار العالم أحمد بن عجيبة على مؤازرة أخيه، تم الزج بهما في السجن،و معهم مجموعات كبيرة من منتسبي الحركة الدرقاوية، حتى أولئك القادمين من مدن أخرى قصد الزيارة،كل هذا تمهيدا لمحاكمة الجميع،مما يثبت أن التهمة كانت مفتعلة،واعتبرت بذلك محاكمة القرن بامتياز. الحدث الثاني: انتقل الشيخ محمد الحراق من فاس إلى تطوان،فأصبح فقيهها وخطيبها ومدرسها المشهور،وبدأت حركة التدريس تعرف انتعاشا ملموسا، فوزع هذا العالم نشاطه بين التدريس والخطابة والفتوى،فكثر أتباعه،وحظي بمنزلة اجتماعية وفكرية، قل ماتمنح لأحد غيره.الأمر الذي أثار حفيظة النخب التطوانية (الأعيان، والقضاة، و...)،فاتفقوا على تدبير مكيدة له،والتي قال بخصوصها التهامي الوزاني في مؤلفه "الزاوية":"فلما كان يوم الجمعة، والوقت وقت خطبة، دخل الإمام(محمد الحراق)إلى المقصورة، ليدخل منها إلى المسجد،على العادة،ولم يغلقها من خلفه، وقد ترصد له خصومه متتبعين لحركته، بعضهم خارج المسجد وبعضهم داخله؛ فلما رأى المراقبون من الداخل أن الإمام قد أخذ مستقره من المنبر، أشاروا إلى مساعديهم فأمروا امرأة من الفاجرات – كانوا قد زينوها واختاروها من الجميلات- بأن تدخل إلى المقصورة من الباب الذي بقي مفتوحا. ففعلت ما أمروها به، ثم وقفوا على أبواب المسجد يجمعون الناس، فإذا ذاك خرجت المرأة وكأنها تتسلل، لاعلم لها بما وراء الباب. فتهامس الناس في الأذان"وجمع خصوم العالم الحراق"أربعة وأربعين ومائة كلهم يشهدون على الفقيه بأنه ادخل العاهرة إلى مقصورة المسجد في وقت الصلاة والناس ينتظروه، ليخطب عليهم يوم الجمعة"(محمد داوود"النور البراق")، فأحيل على القائد الذي لم يتوان في عزله، وأخبر السلطان المولى سليمان الذي لم يتردد كذلك في تزكية هذا القرار،فمرض الشيخ الحراق نتيجة تأثره بما نسب له، حتى أشرف على الهلاك. إذن هو توظيف الجنس(المرفوض) في صراع النخب،أو أقول هو التوظيف اللاأخلاقي للأخلاق،ولكنه توظيف لايتماشى والقيم الكونية،ولايصب في مصلحة بناء الوطن،ولايستجيب لمتطلبات البناء الديموقراطي الجنيني الذي علينا جميعا الانخراط فيه.ذلك هو الوطن وتلك هي القيم والأخلاق،وغيرها الهدم والنكوص. * أستاذ باحث في التاريخ المعاصر ومستشار جماعي بمجلس مدينة مكناس