أصبح السفر اليوم إحدى مقتضيات العطلة التي لاتذكر إلا وتذكر معها الوجهة المقصودة خلالها ٬فهو يفرض نفسه على الأسر ويحملهم على مغادرة بيوتهم وأماكن إقامتهم لمدة تقصر أو تطول ٬حسب ما تجود به الإمكانيات والظروف.شأنه في ذلك٬ شأن الكثير من الأمور التي خرجت من مربع الكماليات إلى مربع الضروريات نتيجة الضغط الإعلامي الذي يولد الرغبة والحاجة فينا٬ بالإعلانات المتواصلة والمكثفة .ومنها الترويج للمنتزهات والمصطافات وإقبال الناس عليها بكثافة ٬ونشرات أخبار تلفزاتنا الوطنية خير شاهد على ما نقول .الشيء الذي يدفع الآباء إلى الرضوخ لدعوتها مهما كلفت جيبه وما قد تحدثه من انهيار في بورصة بيته٬وكل ذلك حفاظا على نفسية أبنائه من الانهيار. ولايخلو سفر بالإضافة إلى ما عدده الإمام الشافعي رحمه الله :«سافر ففي الأسفار خمس فوائدχ تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد» من ذلك الهوس المرتفع منسوبه إلى التسوق ٬وزيارة مختلف الأسواق والمعارض التجارية التي تتأثت بها المصطافات٬والتي يقضي بها البعض أوقات طوال ٬تستقطع من عطلته ويجد فيها راحته٬فالقيساريات و اروقة العرض ومفروشاته شكلت بديلا وأغنت عن المزارات التاريخية و المتاحف والمؤسسات الثقافية التي تركت للسياح الأجانب يمسحون عنها غبار النسيان والإهمال . فالتسوق إذن إحدى غايات السفر الكبرى وطقوسه العظمى التي انتقلت عدواه إلى أطفالنا نتيجة اصطحابهم لنا ٬وبما انغرس في نفوسهم و أذهانهم من ذلك الكم الهائل من الإعلانات التي تغزو برامج الأطفال ولعبهم الإلكترونية ٬والتي تؤثر بشكل كبير في سلوكهم الاستهلاكي. تقول الدكتورة فاطمة بكر «أهم العوامل تتمثل في التقليد والمحاكات والدخل النقدي ووسائل الإعلان "وقد قام علماء وباحثون عديدون بتحليل عدد من العوامل مثل الدين والموقع الجغرافي والبيئة الاجتماعية والعوامل النفسية والاقتصادية ٬وأشاروا إلى أن الطبقة الاجتماعية تلعب دورا أكبر من جميع العوامل في تحديد نمط الإنفاق الاستهلاكي والتعامل مع النقود. فالتردد المبالغ فيه على الأسواق وجعلها وجهة رئيسية في كل خرجة جعل الأبرياء تتملكهم رغبة استهلاكية جارفة. تقول الباحثة نوال رمضانː"تعليم الأم للطفل ٬والسلوك الاستهلاكي للأم ٬وتفاعل الأمهات مع الأطفال في أثناء اتخاذ القرارات الإستهلاكية٬وقيام الأطفال أنفسهم بالسلوك الاستهلاكي من صميم التربية الإستهلاكية"وقد أظهرت بعض الدراسات أن سلوك الأم الاستهلاكي والمعلومات الخاصة بهذا السلوك والتي تسعى الأم لتعليمها للطفل ٬لها تأثير في تقويم الطفل للسلعة. إن الاهتمام بسلوك الطفل داخل السوق ٬والنظر في طلبه من حيث أهميته وجدواه ومعقولية ثمنه ٬واعتماد أسلوب الحوار والإقناع في حال عدم تلبية الطلب بدل الإسراع إلى شراء ما يرغب فيه أو اللجوء إلى تعنيفه وقمعه حتى يدعنا وشأننا ٬نكون قد تنكبنا وانحرفنا عن تقديم القدوة والمثل في السلوك الاستهلاكي الراشد ٬وأهمالنا موقفا تربويا جدير بإقامة دورات تكوينية حوله. في زمن أبرز تجلياته الاستهلاك لكل المنتوجات والخدمات لا لحاجة سوى الاستهلاك لذاته. فعدم رد كل طلب لا يقل ضررا عن النهر والقمع والإعراض عن طلبات أبنائنا التي تتوسع وتتضخم بتقدمهم في العمر. فكيف لنا أن نوازي بين طرفي هذه المعادلة ؟ وما السبيل إلى تفادي ضررالدلال المبالغ فيه ٬والخيبة والألم اللتان تتولدان لدى الطفل عند إهمال طلباته؟ إن من الحكمة تدريب الطفل في سن مبكرة على استعمال النقود ٬التي تغيب عن مناهجنا الدراسية إلا بشكل محتشم في ذلك النزر اليسير من مناهج الرياضيات التي لا تفي دروسها بالغرض المطلوب لقلتها من جهة ٬و تركيزها على العمليات الحسابية من جهة ثانية ٬ولا تنفذ إلى السلوك الاستهلاكي إلا لماما كتقدير أثمنة بعض المواد التي يمكن للطفل اقتناءها.ومن الأفضل أن يأخذ الطفل قرار الشراء بنفسه حسب النقود التي معه .ويستحسن أن تتاح له فرصة شراء الأغذية من بقال الحي ٬والألعاب والملابس من متجر المدينة خلال السنة ٬حتى يدرك أن السلع يختلف ثمنها حسب نوعها وذلك امتدادا لبعض الأنشطة المدرسية ٬وهو تمرين عملي لما كان نظريا في الفصل الدراسي .وكما يقول الخبراء ː"إن ذهاب الطفل إلى المتجر للشراء بنفسه ٬يشعره بالارتياح والثقة بالنفس والاستقلال لتنمية قوة الشخصية لديه "بالإضافة إلى تدريبه وتعويده تدريجيا .حتى لا نفاجأ جميعا أطفالا وآباء بمواقف غير متوقعة تفسد علينا عطلتنا .فالعملية ينبغي أن تكون مستمرة ٬والتي يتعلم من خلالها الطفل المهارات والمعارف والاتجاهات في الاستهلاك وتتأصل لديه منذ الصغر بالممارسة اليومية . كما ينبغي إقناع الطفل أن ليس كل ما يرغب فيه يحصل عليه ٬وأن لا يرتبط مفهوم الفرح والاستمتاع في ذهنه حتما بالشراء والإنفاق .وما نملكه من طعام وملابس وغيرها هو ما يجعلنا سعداء .بل الاستفادة منها بالكيفية المناسبة وفي الوقت المناسبة .مع تحديد الأولويات تفكيرا وترتيبا واختيارا هو ما يجعل استهلاكنا واستهلاك أطفالنا استهلاكا موجها .ما دام أن هناك أنماطا عديدة للحياة يمكن أن تلهم أطفالنا للاستمتاع بها بشكل أفضل . ويبقى الهدي الرباني في ذم الإسراف والتبذير والنهي عن البخل والتقتير ٬خير موجه وملهم للسلوك القويم .فالفضيلة تبقى دائما كما يقال بين رذيلتين .ونعني هنا التزام الوسطية في بسط اليد ومدها دون السقوط في الإفلاس التام ٬المفضي إلى الافتراض المتوالي والذي يصعب رده ٬والمسبب لكثير من الآفات الاجتماعية .فكم من أسرة ادركتها لعنته فتهاوى بناؤها .وفي غياب إحصائيات محلية ٬نسوق مثلا من أمريكا التي تفككت فيها حوالي 178ألف أسرة سنويا بسبب الإفلاس المالي ٬وأن إدمان التسوق هو أحد العقبات التي تواجه الراغبين في تحسين أوضاعهم المالية .وعلى المرء أن يفكر في تخليص نفسه وذويه من هذا الإدمان رغم كثرة مسبباته .وكما يقول صلاح جيماز المحاضر في شؤون مالية الأسرة ː"أن المال له صفة وله طبيعة .وطبيعته أن لا يقف.وينتقل وينمو ٬وكما ينمو فإنه يموت "ولا يرغب أي عاقل أن ينجرف إلى هذه النهاية المأساوية .ولنا نماذج من واقعنا نرى كيف تغير حالها من اليسر إلى العسر ٬وانقلبت أوضاعها المعيشية من النقيض إلى النقيض .فما قيمة العقل إذا لم يهدينا إلى هدى ٬أو يردنا عن ردى كما قال الشاعر