السجينة خديجة أمرير، التي أغوتها إغراءات المدينة، مثلها مثل جميع الخطائين، أخطأت في حق زوجها، في حق نفسها، وفي حق قوانين المجتمع. لذلك قضت 22 سنة خلف قضبان السجن، وهي مدة تختزل كل معاني العذاب الجسماني والنفسي، ووخز الضمير والمعاناة والندم، وطلب الثواب والمغفرة. كما تترجم عدم الوعي الذي ينم عن "أمية" قانونية بأحقية طلب الطلاق عوض اللجوء إلى جناية إزاحة زوجها عن حقه في الحياة. لكن، لماذا التنديد وردود الأفعال ضد إطلاق سراحها؟ إذا كان ذووالحقوق قد تنازلوا لها، ولا يطرح تسريحها إشكال عدم احترام مشاعر الضحايا، فمن حقها أن تنعم كمواطنة بحق الرحمة والنسيان والاستفادة من حق العفو، انطلاقا من مبدأ أن الخطأ لا يمكن أن يبقى لصيقا بمقترفه حتى يموت، ما دام الله غفور رحيم. إذا كانت فلسفة العدالة هي الجزاء وليس الانتقام، فالهدف من السجن هو الإصلاح والتهذيب، لتهيئ الإفراج والاندماج في المجتمع، فإن خديجة، حسب ما ورد في ملفها، عبرت خلال فترة قضائها لعقوبتها الحبسية، عن حسن سلوك وانضباط في فضاءات العزل التي استغلتها في حفظ القرآن الكريم، والحصول على دبلوم في الحلاقة، وآخر في الخياطة، مما جعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتبنى رسميا قضيتها. لنغص قليلا في جوهر هاته القضية. إن حدث العفو عن خديجة، وعودتها إلى المجتمعمن خارج فضاء السجن، وفرحتها بالحرية لاحتضان ابنتها وأبيها، يطرح سؤال سوسيولوجيا إدماج السجناء. هل تهيأت نفسيا للإفراج ولمواجهة المجتمع الذي لا يسهل جزء منه لذوي السوابق العدلية عملية القبول بالاختلاف، وفرص الحصول على الشغل والعيش الكريم، كمواطنين لهم حقوق وواجبات، دون أن يلصقوا بهم بصمة العار والإقصاء والتهميش، خاصة إذا كانت الجريمة بصيغة المؤنث، لدرجة يشعرون فيها بأنهم في سجن كبير، وهم يواجهون بالرفض وبقسوة المجتمع. إن من بين مشاكل سجوننا هي كيفية تحويل جانحين إلى مواطنين صالحين وتأهيلهم، في ظل مشاكل تدبير اكتظاظ يفشل فائض حقينته كل برامج الإصلاح وتحولها إلى فضاء تسري فيه عدوى الإجرام. إن عددا من المفرج عنهم، حسب علم الإجرام، في غياب برامج الإدماج الفعالة التي تشمل جميع الفئات العمرية من السجناء، لا يحتملون نظرات المجتمع، فينتقمون منه مرة أخرى، وذلك بالقيام بجنحة أو جريمة أخرى للعودة إلى فضاء السجن، حيث يعتبر العود درجة "هامة" في الملف الجنحي، للتصنيف في عالم الجريمة الذي تحكمه نواميس خاصة، لأن نظرة بعض المجتمعات تكون أحيانا أقصى من العدالة، وتنزل عقوبات أخرى في حق من تجاوز القانون،في حالات مثل هاته، يكتفي البعض بالتنديد وبإصدار أحكام قيمة، وبإنزال عقوبات أخرى على السجينة دون التفكير في تقديم مقترحات تخلق البديل لذوي السوابق العدلية للاندماج في المجتمع. بغض النظر على نوعية الجناية وملابساتها في هاته النازلة، والتي قالت فيها العدالة كلمتها، فلنستحضر القول المأثور"العفو والصفح عند المغفرة"، حيث إن ابن تيمية في تفسيره يقول إن العفو يتضمن إسقاط الحق والمسامحة به. ويضيف أن الرحمة متضمنة للأمرين: العفو والمغفرة، مع زيادة الإحسان والعطف والبر. فالعبد إذا واظب على التضرع نال القرب من الله تعالى. وهذا سر عظيم يطلع منه على أسرار لا يعلمها إلا الغيب، ولا توزن إلا بميزان مقدار قرب العبد من ربه. إن المشكل الذي نريد التنبيه إليه هو السقوط في العفو المجرد، دونما القبول والرضي والصفح المجتمعي. لأن جوهر العفو هو ترك كلي وفضل محض، وجود ومغفرة وإحسان، لا يتحلى بها إلا العارفون بالقيم الإنسانية النبيلة والسمحة، وحق يشعر المواطنون السجناء أمامه بالمساواة أمام العفو كما أمام القانون. إن العفو الملكي على 23 محكوما بالإعدام، من طرف المحاكم المغربية والذين يقضون العقوبة داخل الوطن الأم، يبقى قرارا سياديا وحقا مخولا لعاهل البلاد وفق الفصل 58 من الوثيقة الدستورية. هو مبادرة نبيلة من بين إيجابياتها تصحيح بعض المظالم، كما تحمل في طياتهامجموعة من الإشارات ينبغي التقاطها من طرف المجتمع والمشرع المغربي لإلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي. لأنه لا أحد يستفيد من تصحيح القتل بالقتل. ولا نرجع بذلك حق الضحية في الحياة، ولا نغير الوجه البشع لجريمة همجية التي تجد معالمها في تعثر المجتمع في التربية وإيجاد عالم فاضل، وحياة يعيش فيها جميع الأفراد في كنف العدالة الاجتماعية والاقتصادية، والحق في الوصول إلى الموارد على قدم المساواة في العيش الكريم.