في تصريح له أمام حشود من المواطنين والصحفيين وصف الرئيس أردوغان الانقلاب الفاشل بأنه "نعمة من الله لتنقية الجيش من الانقلابيين" و للحسم مع "الدولة العميقة", كما سماها .. ولا شك في أن الأعداد الضخمة للمعتقلين ,من ضباط وقضاة ومعارضين سياسيين ,والتي تجاوزت 6000 معتقلا خلال 48 ساعة فقط , هو ما يفسر المخاوف التي أبدتها عدة دول وهيئات ورأي عام دولي من إسثتمار أردوغان فشل الانقلاب للانتقام من معارضي, وتجاوز الضوابط القانونية والدستورية في التعاطي مع مدبري حركة الانقلاب . في الوضع التركي المضطرب الآن, أمام أردوغان خياران لا ثالث لهما : _ إما "ركوب رأسه " مدفوعا بنشوة فشل الانقلاب , والدخول بالتالي في مسلسل من التصفيات لجميع خصومه ومعارضيه بمن فيهم من أدانوا الانقلاب , وهذا ما سيضع التجربة الديمقراطية التركية برمتها في " خبر كان".. _ وإما مراجعة نقذية جذرية لمجمل عناصر نهجه السياسي, داخليا وخارجيا بما يعيد الاعتبار لما كان يسمى إلى وقت قريب ب " النموذج التركي " في التنمية والديمقراطية , وبما يجعله يتفاعل إيجابيا مع ما برهن عليه الشعب التركي بمختلف مكوناته من تشبث بالخيار الديمقراطي باعتباره تداولا ديمقراطيا وسلميا على السلطة السياسية . ويفرض هذا الخيار الكفيل بحماية الإنجازات التنموية والديمقراطية التركية المكتسبة ,من بين ما يفرضه على الرئيس: أولا: تحرير خطابه من مفردات النزوع نحو الانتقام , ك « التنقية , والتطهير", وتوفير الضمانات القانونية في التعامل مع المتورطين في الانقلاب , وعدم اسثتمار المناخ المناهض للإنقلابيين في ممارسات سلطوية تدير الدولة بقبضة من حديد . وهناك مع الأسف مؤشرات سلبية في هذا الإتجاه 2: التراجع عن نهجه السياسي التحكمى ذ و النزوع " السلطاني" الهيمني كما عكسته التعديلات الدستورية التي منح فيها لنفسه صلاحيات تنفيذية وتشريعية ركزت السلطة في يده على حساب باقي مؤسسات الدولة , وأسست لنظام سياسي رئاسي ,لا برلماني . إن استعادة التجربة الديمقراطية التركية لوهجها كتجربة متميزة يتناقض كليا مع السلوك الاردوغاني الذي ينحو نحو الهيمنة, وشخصنة السلطة السياسية بدل إرساء ديمقراطية تشاركية تحترم التعددية والدور الحيوي للمؤسسات في أي بناء ديمقراطي, وفي مقدمتها المؤسسة التشريعية التي كانت ضحية " انقلاب " أردوغان على الدستور. 3 : وقف دعمه للجماعات المسلحة في سوريا, وسحب جنوده من أرض العراق ,إن أراد أن تكون تركيا شريكا فعليا في محاربة داعش, وجزءا من الحل السياسي الذي يحمي دول المنطقة من التقسيم وهدر السيادة . لقد أدت المنطقة أثمانا غالية في أرواح أبنائها واقتصاديات دولها , ولنظام أردوغان مسؤولية في ذلك حيث شكل ,وما زال خير مساند للجماعات " الجهادية" المقاتلة في سوريا, وداعم لها بالمال والسلاح وتسهيل العبور للمقاتلين من مختلف الأصقاع. إن مراجعة جذرية للدور التركي في سورياوالعراق مسألة حيوية لا من أجل وحدة واستقرار سورياوالعراق بل أيضا من أجل مستقبل تركيا ذاتها . وخلاصة القول ,إن فشل الانقلاب لا يعني انتصارا لنهج وسياسات أردوغان بل إنذارا قويا للمخاطر التي تتهدد النظام السياسي التركي إذا ما تمادى " الرئيس _ السلطان" على ذاك النهج التحكمى السلطوي داخليا باسم " الأغلبية التمثيلية", والتآمري خارجيا ضد وحدة دول المنطقة واستقرارها .. فحذار أن يتحول الانقلاب الفاشل من "نعمة من الله" كما زعم أردوغان بغطرسة , إلى نقمة ستكون لها عواقب خطيرة على تركيا والمنطقة عموما . وتحية للشعب التركي في دفاعه عن مكتسباته الديمقراطية في وجه الانقلابيين .. وفي وجه النزوع الاستبدادي الجديد .