يؤمن حسن برزيزوة، الهولندي ذو الأصل المغربيّ، بأنّ استحضار الجوانب غير المادّية في الحياة يمكّن من الظفر بنجاح دنيويّ، مثلما يقتنع بكون معاني العيش قد تكمن في ما يمكن أن يقدّمه المرء إلى المجتمع من مواقع تواجد مختلفة .. وهذا ما جعل "ابن النّاظور" يضحِّي بتخصصه العلميّ الصيدلانيّ لصالح فعله التأطيريّ الروحيّ الذي قعّد له أكاديميا قبل مباشرة التحركات الميدانيّة. تجمّع أسريّ التحق حسن برزيزوَة بالديار الهولنديّة سنة 1985 حين كان في ال11 من عمره، مستفيدا من مسطرة التجمّع العائلي التي أتاحت له الانتقال من النّاظور صوب "كولمبُورخْ" بفعل انخراط والديه في تجربة هجرة أطلقاها أواسط ستينيات القرن المَاضِي .. فوجد حسن نفسه، على حين غرّة، مطالبا بتحقيق اندماجه في المجتمع الهولنديّ كي يواصل حياته. "وصولي إلى هولندَا مكّنني من استثمار سابق تعلّمي في النّاظور من خلال الانخراط تمدرسا في السنة الأخيرة من التعليم الابتدائيّ، أو ما يسمّى بالمجموعة السابعة في الأراضي المنخفضة، وقد خضعت لتلقين ركّز طيلة العام، حينها، على التمكّن من التواصل باللغة الهولنديّة، شفهيا وكتابيا، وبعد تمكّني من ذلك نلت توصيّة بالدخول إلى الثانويّة العلميّة التي تخطّيت مستوياتها بنجاح"، يقول برزيزوة. صيدلة وأدب خلال المرحلة الدراسيّة الثانويّة تعرّف حسن على اللغتين اللاتينيّة واليونانيّة اللتان كان يدرسهما له إطار تعلمي متوفّر، بالإضافة لذلك، على تخصص في اللغة العربيّة وأدبها.. وعند وصول برزيزوَة إلى السنة الرابعة من السلك التعليميّ نفسه كانت له نقاشات مع ذات الأستاذ حول أهمّية "لغة الضاد" والثقافة الإسلاميّة .. وعن تلك اللحظة يورد الهولندي المغربيّ عينه: "لقد شجّعني أستاذي حتّى لا أنسى جذوري، ودفعني إلى الاستثمار فيها من وسط تواجدي بمجتمع ذي الأغلبيّة غير المسلمة، ما دفعني لاختيار مسارين دراسيّين جامعيين بعدها، الأول انصب على الأدب العربيّ والثاني ارتبط بعلوم الصيدلة .. وقد تخرّجت من كلا المسارين بنجاح". في المرحلة اللاحقة حرص برزيزوة على التعمّق في الدراسات الإسلاميّة أكاديميّا، ما مكّنه من ممارسة مهنة التدريس طيلة ستّ سنوات، ابتداء من 2008، بجامعة "إن هولند للعلوم التطبيقيّة" في أمستردام، وذلك حتّى اكتمال سنة 2014 وما شهدته المؤسّسة من مستجد تمثل في إغلاق قسمها المتخصص ضمن تكوين الأئمّة والمرشدين الروحيين .. كما وَازَى حسن بين هذا الاشتغال الجامعيّ، من جهة، والتعمّق في العمل الدعويّ والخيريّ، من جهة ثانية، متمكّنا من رئاسة مسجد ب"كولمبورخ" منذ 2007، ومتموقعا كخطيب. حسم في الخيار "بحكم دراستي للأدب العربي والدراسات الاسلامية، واشتغالي فيهما أكثر من الصيدلة، استمالني خيار التدريس بشكل حاسم وقطعيّ، لذلك ركزت على الاهتمام بتلقين اللغة العربية والثقافة الإسلاميّة للشباب المسلم المتحدر من المغرب وتركيا، وحتّى السوريناميّين وهولنديّين ممن اعتنقوا الدين الإسلاميّ، وذلك بغرض تمكين هذه الفئة من الإرشاد الروحيّ"، يقول برزيزوة. وعن النأي عن ممارسة الصيدلة بالرغم من التخرج في علومها يوضح حسن بأن هذا المجال يعرف طغيانا للبعد العقاقيري والكيماوي أكثر من البعد الانساني الذي استماله، ويزيد في التفسير: "حين قرّرت دراسة الصيدلة رأيت أن ذلك سيمكّنني من مساعدة المرضى، لكنّي وعيت، بعد ذلك، أن هذه المهنة تتأسس على ضوابط فيزيائية وكيميائية ورياضية دون التعاطي المباشر مع المعتلّين .. وما أبعدني أكثر عن المجال هو ما أضحت عليه الصيدليات بتحوّلها إلى متاجر تبيع الأدويّة وهي تقدّم حاجيات الزبناء التي تضمّها وصفاتهم الطبيّة، وهذا التعاطي يمكن تحقيقه من خلال التوفر على مساعدين ليس من الواجب توفرهم على دراسات في هذا المضمار". حاليا؛ يتوفر حسن أيضا على شركة متخصصة في ترجمة الوثائق من العربية إلى الهولنديّة، وكذا العكس ..كما يقدّم، من خلال هذا التعاطي، خدمات على مستوى إنجاز التعاقدات والمراسلات الإداريّة تحت الطلب، متخذا من هذا الاشتغال التزاما حرّا استهلّه بادئ الأمر من منزله، سنة 2003، قبل افتتاح مقرّ في مدينة "أوتريخت" عام 2008، ثمّ أسس مقرّا آخر بنفس المدينة عقب مرور خمس سنوات عن ذلك. محاربة التطرّف من موقع مسؤولياته المسجديّة والدعويّة يقول برزيزوة: "هذا الانشغال يجعني أرتبط بهموم الشباب وإشكالياتهم الهوياتيّة، فهم منفتحون على الإعلام والتواصل بطريقة تمكّنهم من رصد الظلم الذي يمارس على المسلمين بصفة عامّة، وبالتالي ينخرطون في ممارسات، وفق منظورهم، تمكّن من المساهمة في القيام بتحركات عجز عنها غيرهم، ما يجعلهم ينجذبون نحو فكر الغلو والتطرّف". ويزد المتحدّث: "نحاول أن نصدّ هذه الأفعال من خلال توعيّة الشباب بوجوب النأي عن السطحيّة والاستسهال .. فما يثار عن مفهوم الخلافة يستند على نقاشات خاطئة تتناسى أن إقامتها لا يمكن أن تتمّ في بضعة أشهر .. كما يتم التنبيه إلى ضرورة التوفر على الصفاء واستحضاره في التواصلات مع المعنيين بهذا التدخّل الإرشاديّ الذي يتم من خلال مداخل عدّة .. أبرزها محاضرات ومناظرات بالجامعات والمساجد ودور الشباب". "نحاول إبراز الفرق الكبير الكائن بين ما يقوله الله تبارك وتعالى، من جهة، وبين القصد الرباني، من جهة ثانيّة .. فالقرآن الكريم واضح؛ يمكن حفظه واستذكاره من قبل أيّ كان، لكنّ المعاني التي يحملها تحتاج دراسة وتدبّرا، إلى جوار التحلي بالتواضع والصبر في طلب العلم .. فالله سبحانة وتعالى خلق السماوات في ستّة أيّام كي يعلّمنا أهميّة التدرّج بالرغم من قدرته على تحقيق ذلك في الحين"، يزيد المغربي الهولنديّ. الإخلاص من أجل النجاح يرى حسن برزيزوَة أن ما حقّقه ضمن مساره في هولندا يعود إلى الإرادة الربانيّة، أولا، ثمّ جهد والديه اللذان وفرا له ما احتاج من دعم بغية تحقيق تمدرس في بيئة سليمة، كخطوة أولى، قبل الوصول إلى مرحلة التعطّش في طلب العلم ومساعدة الناس، على حدّ سواء .. وبالتالي يحسم المغربي الهولندي ذاته في تحقيق رضاه بما بصم عليه لحدّ الآن، رغما عن توفره على طموحات مستقبليّة منصبّة، أساسا، على معاودة خوض تجربة التدريس في الجامعات. "نصحي للشباب من أجل معانقة النجاح أودّ أن أركزه في وجوب اقترابهم من الله العليّ القدير كي يتوفّر التحلّي بالاخلاص في العمل ونيل النجاح في الدنيا والآخرة"، يقول حسن برزيزوة قبل أن يختم: "على الناس أن يحققوا المواظبة في فعل الخير، مع نسيان ما قدّموه .. واليقين أن كلّ بذلهم سينعكس عليهم إيجابا، عاجلا أو أجلا أو كليهما".