إن النقل الجوي أصبح في الوقت الحاضر ليس فقط واسطة النقل بين القارات والبلدان، وإنما أيضاً بين المدن في البلد الواحد، على أن أهمية النقل بالطائرة لا تقف عند نقل الأفراد فقط، بل نقل البضائع.. إن أهميته تتجلى في اعتباره الركيزة الأساس في النظام الاقتصادي والاجتماعي على مستوى البلد باعتباره الوسيلة الفاعلة في تحقيق الاتصال المستمر بين النقاط المختلفة للعملية الاقتصادية والإنتاجية، والمتمثلة بمواجهة التوسع الأفقي للمدن وتقليص المسافات بين المنتج والمستهلك بما يمثله من اختصار لعامل الزمن. أو لنقل الأيدي العاملة إلى المواقع التي تكون فيها أكثر تأثيراً في العملية الإنتاجية وتسريع عمليات تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال.. إلا أن هذه الأهمية لا بد له من تأطير قانوني يضبط العمل داخل هذا المجال ويحكم العلاقات المتبادلة فيها، ويساهم في الانسجام مابين التشريع الوطني والدولي ، ويؤمن السلامة ويضمن حقوق المسافرين . وفي نفس السياق يأتي القانون المتعلق بمدونة الطيران المدني رقم 40.13 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.61 في 17 شعبان 1437 (24 ماي 2016) الذي يعتبر نص متكاملا وإصلاحا جذريا وعاما للنظام القانوني المطبق على الطيران المدني المتمثل في المرسوم رقم 2.61.161 بتاريخ 10 يوليوز بشأن تنظيم الملاحة الجوية المدنية، متجاوزا بذلك النواقص التي تشوب المرسوم بالرغم من التعديلات المتعددة التي لحقته. 1.عوامل تبني قانون جديد: تجدر الإشارة إلى وجود عدة عوامل دفعت إلى تغيير المنظومة القانونية المؤطرة للطيران المدني، فمن جهة الرغبة في تجاوز الاختلالات التي تعرفها المنظومة التشريعية والمتمثلة في : •غياب أساس تشريعي على شكل "قانون". • صعوبة ضبط وتحسين الظروف التي تنقل فيها الاتفاقيات الدولية للنسق القانوني الداخلي خاصة في ظل غياب القانون بحيث تتم أحيانا ملائمة جزء من التشريع دون أخر إذ تتم هده الملائمة بنص غير مناسب مما يؤدي لغياب تناسق تام في المنظومة القانونية في هدا المجال. ومن جهة اخرى ضرورة مواكبة التطور الحاصل على المستوى التقني والاقتصادي والتكنولوجي وإعادة هيكلة وتقنين المطارات وضبط استعمالاتها، وتدقيق التزامات مختلف الفاعلين، والارتقاء بالمنظومة الجوية. فأهمية هذه الأهداف جعلت من النص القانوني يعرف عدة تعديلات بين النسخ المتواترة له إلى أن نصل إلى النسخة الأخيرة رقم 40.13 2.خصائص القانون الجديد : يتميز القانون بعدة خصائص تجعل منها قانون ينهل ويتوافق مع البنية القانونية المغربية والتي نلحظها على المستويات التالية: - نص الدستور المغربي في ديباجته التي هي جزء لا يتجزأ منه على أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لديها سمو على التشريع الوطني، وبالتالي فأحكامها يتعين أن تبرز في القوانين الداخلية، وهذا ما حصل من خلال مشروع المدونة الذي جعل من النصوص التي تنظم الملاحة الجوية وحركة الطائرات والطيران المدني بصفة عامة تخضع للمطابقة مع الممارسة الاتفاقية للمغرب مستحضرة أحكام اتفاقية شيكاغو ومونتريال وروما.. - القانون الجديد استعار من القانون الإداري عدة مبادئ وقواعد ضمنها في مواده، وخاصة المتعلقة بضمانات التأديب للمستخدمين واحترام حقوق الدفاع وتأسيس لجنة خاصة لذلك، إضافة إلى الأخذ بتقنية الامتياز في تدبير بعض الخدمات المرتبطة بالطيران المدني. كما يلحظ أيضا في مواد القانون تقاطعا كبيرا مع قانون التعمير فيما يخص مجال الارتفاقات (عدم البناء). إن الحجية التي أعطتها المدونة لدفتر التسجيل وعدم اعترافه إلا بالعمليات المسجلة فيه ينهل من نظام الرسم العقاري الذي يعطي حجية مطلقة ويطهر العقار من كل منازعة في أصل الملك ولا يعترف بالعمليات المتعلقة به إلا بالتي قيدت فيه. كما نجد للقانون المدني حضورا مهما في القانون خصوصا فيما يتعلق بالرهون والحجوز، هذا كله إضافة إلى عدة قوانين أخرى لا يسع المقام في التفصيل فيها . وأهمية المدونة تنبع من تكريسه لجودة العمل الإداري وتسيير مرفق الطيران المدني الذي ينبني على تتبع قانوني مستمر لكون هذا العمل على ثنائية مهمة وحساسة في نفس الوقت تقتضي الموازنة بين التشريع الدولي والوطني، والذي يستلزم عملية مراجعة وتعديل متواصلين، إضافة إلى حله لعدة مشاكل طرحت على مستوى الواقع سواء المرتبطة بتطبيق مرسوم 1962 المنظم للملاحة الجوية المدنية، أو المرتبطة بالثغرات أو الفجوات التي ترصدها عين المنظمة الدولية للطيران المدني في التشريع الوطني بالنظر إلى النصوص الصادرة عنها وذات الصلة بمجال تخصصها. 3.موجز بأهم مقتضياته ومستجداته: يحدد القانون الجديد في نطاق أحكامه العامة الهدف منه، ومجال تطبيقه كما يحدد مدلول بعض المصطلحات بإحالتها على الاتفاقيات ذات الصلة ويتناول بالدراسة الطائرات والمطارات، وكذا ارتفاقات الملاحة الجوية، وكل ما يتعلق بالملاحة الجوية، وكذا نص على مقتضيات تتعلق بحماية البيئة والحد من الإزعاجات في مجال الملاحة الجوية المدنية ومستخدمي الملاحة الجوية.. كما أنه قام بالتدقيق في النظام القانوني، المتعلق بالنقل الجوي وأمن الطيران المدني والبرنامج الوطني لسلامة الطيران المدني، وكل ما يتعلق بالتحقيق التقني حول حوادث الطيران المدني وعوارضه وبالاختصاص ومعاينة المخالفات والمساطر، وكذا تحديد نظام شامل للمخالفات والعقوبات. ولم يغفل القانون التعويض الممنوح للمسافرين ومساعدتهم في حالة رفض الركوب أو إلغاء الرحلة أو تأخير مهم فيها كتكريس لحقوق المسافرين المتعارف عليها دوليا. والقانون الجديد أتى بمقتضى جديد يهم إحدى آليات الوسائل البديلة لحل المنازعات ويتعلق الأمر بمسطرة الصلح آليات تم التنصيص عليها في مجال الطيران المدني لأول مرة في تاريخ المغرب وذلك من خلال المواد 285 إلى 288 بحيث فتح المجال أمام المعنيين بالأمر إبرام صلح بين مرتكبي المخالفة والإدارة المختصة في حالة طلب مرتكب المخالفة ذلك ، وهذا مقتضى نجده في مجال المخالفات الجمركية ، والجرائم الغابوية ، وجرائم الصيد البحري..، كما دقق القانون في المسؤوليات المختلفة بشكل موسع همت أنواع جديدة منها ، ولاسيما المسؤولية البيئية لكل فاعل داخل مجال الطيران المدني الذي يلزم كل واحد منهم بالحفاظ على البيئة من خلال ممارستهم للمهام المرتبطة بالطيران المدني والملاحة الجوية. 4.التأثيرات الإيجابية للقانون الجديد ونود أن نشير في النهاية إلى أن القانون رقم 40.13 بمثابة مدونة للطيران المدني يعتبر تنظيما مهما وضروريا للبلوغ إلى الأهداف التالية: - تأمين السلامة الجوية باعتباره منهجا يسعى للحد من أخطار التي تهدد سلاسة أنشطة الطيران والملاحة الجوية وانتظامها تتكفل المنظمة الدولية للطيران المدني معه بإصدار القوانين والإرشادات والقواعد القياسية لكل البلدان المصادقة على اتفاقية شيكاغو الموقعة في 7 دجنبر 1944، والتي انضم إليها المغرب بتاريخ 13 نونبر1956 وتم نشرها بالظهير الشريف رقم 172-57-1 الصادر في 10 ذي القعدة 1376 (8 يونيو 1957)، وذلك قصد توحيد الأنظمة المكرسة لهذا المنهج دوليا، والتي تنشد بدورها تأمين مستويات مقبولة لسلامة النقل الجوي وفق حركة أمنة. - وضع القواعد المتعلقة بشروط التحليق فوق إقليم الدولة (السيادة) والهبوط على مطاراتها أو الإقلاع منها وشروط نقل المسافرين والبضائع طبقا لمقتضيات دقيقة تراعي جميع الجوانب. - سن نظام متكامل تمكن من القيام بأعمال المراقبة الجوية. - ضمان التطابق مع الأنظمة الدولية الجاري بها العمل خاصة الصادرة منها عن المنظمة الدولية للطيران المدني، وضمان تقارب تشريعي مع دول الاتحاد الأوروبي الذي يرتبط معه المغرب باتفاقية الوضع المتقدم. - جلب الاستثمارات عبر قانون يواكب تطلعات مختلف العاملين داخل قطاع الطيران المدني المزاولين لأنشطة متعددة سواء المرتبطة بحركة الطائرات وباقي المهن المرتبطة بها. *باحث في القانون العام