يقول الكاتب و المفكر الأمريكي و العالم في مجال دراسات المستقبل آلفين توفلر (Alvin Toffler) وهو يتحدث عن أمية القرن الواحد والعشرين في كتابه "إعادة تفكير في المستقبل" : "الأميون في القرن الواحد والعشرين ليسوا من لا يقرؤون ولا يكتبون، لكن أميي القرن الجديد هم الذين ليست عندهم قابلية تعلم الشيء ثم مسح ما تعلموه ثم تعلمه مرة أخرى". وفي إحدى اللقاءات مع المفكر المغربي الدكتور المهدي المنجرة قال : " كل دكتور يعتبر نفسه عارفا فهو جاهل ". وأضاف : " أقترح أن تكون هناك دكتوراه للجهل ". قد يستفز هذا الكلام الإنسان المثقف. لكن هذا المفكر المغربي برر ذلك بكون المعرفة تتطور بشكل سريع وأن ما يعرفه أي دكتور اليوم ، قد تخفى عنه أشياء كثيرة في الغد. فإن كانت الدكتوراه أعلى شهادة جامعية قد يحصل عليها الطالب الباحث، فهي ليست معيارا للوصول إلى المعرفة بتمامها ، فهي فقط جزء من المعرفة، قد يفتح المجال له لمواكبة تطور المعرفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية والبحوث العلمية في عصرنا، فإذا توقف عن ذلك فترة من الزمن ، قد يصير متأخرا عن الركب وبالتالي يصبح دكتورا جاهلا. وفي هذا الصدد ، أقترح أن الحصول على شهادة الدكتوراه ينبغي أن يتوقف على شرطين أساسيين : على الطالب الباحث إتقان لغة أجنبية واحدة على الأقل ، وإن أضاف اللغة الانجليزية سيكون الأمر جيدا ، كما ينبغي عليه أن يكون ملما بتقنية المعلومات و مستجداتها ، حتى يمكن له مسايرة عصر المعرفة ، و ألا يكون يبقى ما حصل عليه من علم محصورا في مجال ضيق من المعرفة، لا يستطيع الرقي بعلمه في المستقبل . فالعالم الآن ، يعرف ثورة هائلة في مجال المعرفة وتكنولوجيا المعلومات ، غير مسبوقة ،فأطفال اليوم في الدول التي تعرف تقدما في مناهج التدريس ، أصبحت لهم القدرة على التعايش مع التطور التكنولوجي ومعرفة استخدام التقنية أكثر من المتعلمين البالغين ذوي الشهادات العليا الذين لم يستطيعوا مسايرة ما عرفه العالم من تطور سريع في مجال تكنولوجيا المعرفة. وانطلاقاً من هذا الواقع فقد أصبح من الضروري أن تواكب السياسة التعليمية متطلبات روح العصر الذي نعيش فيه ، ومواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ، وأن محو الأمية في هذا القرن يقتضي محو الجهل بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أكثر . فبحسب بحث نشره المجلس الوطني لمعلمي اللغة الإنجليزية (NCTE) في الولاياتالمتحدة فإن حوالي 80% من أطفال الحضانة قد استخدموا جهاز كومبيوتر، و أن حوالي 50% من الأطفال تحت عمر 9 سنوات قد استخدموا الانترنت من قبل. هذا يعني أن التكنولوجيا الحديثة سوف تغير من مفهوم التعلم والذي عكسه الأمية بحيث تعطي الفرص للمعلمين من كل المستويات لتعزيز القراءة والكتابة في سياقات أكثر تنوعا وتشاركية. وعلى هذا الأساس ، فإن المؤسسات التعليمية الآن تواجه تحديات مختلفة تفرض عليها أن تغير من طبيعتها، وأسلوب عملها التقليدي لمواجهة تحديات ثورة المعرفة ، لأن التعليم في القرن الواحد والعشرين عرف تطورا هائلا في مناهج و وسائل التدريس . فمع جهاز كومبيوتر واحد وكاميرا ويب وجهاز عرض واتصال بالأنترنت، يمكن لأي مدرس التواصل مباشرة مع المتعلمين و التجاوب معهم بشكل سريع . لقد انقضى أكثر من خمسين عاماً على الاهتمام بقضايا إصلاح التعليم ومع ذلك فإن تعليمنا ما زال أعرجا. فعلى الرغم من إدخاله بعض التقنيات الحديثة في مجال الحصول على المعرفة، إلا أن المناهج الدراسية، وأساليب التعليم ، وشكل المدرسة، والإدارة التربوية ما زالت كما هي في أغلب الحالات ، الأمر الذي انعكس أثره على تراجع التحصيل في عدد من المواد الدراسية ، ناهيك عن ارتفاع وتيرة الإحباط لدى المدرسين والهدر المدرسي وزيادة السلوكيات العدوانية والاجتماعية لدى التلاميذ و الطلبة. وفي هذا السياق نستحضر مقولة المخترع الأمريكي الشهير آلان كاي« Alan Kay » ، عندما قال : «إن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي اختراعه“، مما أثارت تلك العبارة حماس مؤسسات التعليم فبادرت لتطوير مستقبل التعليم عن طريق استخدام المعرفة بتقنيات جديدة وهو المدخل الأساسي للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والقدرة التنافسية للدولة. إن تعليمنا يتطلب إنتاج مناهج وبرامج تعليمية تشجع التلاميذ و الطلبة و الباحثين على التفكير الخلاق و اكتساب مهارات استخدام تكنولوجيا المعلومات و تعلم اللغات الحية ، مما يؤهلهم ليصبحوا مهنيين مؤهلين وموظفين أكفاء وخبراء ، وهذا يعزز الاقتصاد ويقلل من حجم مشكلة البطالة ويفيد في مخرجات اقتصاد المعرفة . وكل ذلك من شأنه تغيير الدور التربوي للمدرسة في عصرنا الحديث ، نظراً لما تفرضه متطلبات المجتمع ومؤسساته من تحديات على النظم التعليمية، مما يستوجب على مؤسسات التعليم إعادة النظر في دورها التربوي ، اعتمادا على عناصر الجودة، والإبداع، والابتكار، والتنافسية، و تطوير المنهاج المدرسي بما يتوافق مع متطلبات مخرجات التعليم للقرن الواحد والعشرين. إنه تحدي كبير لمواجهة أمية القرن الواحد والعشرين. *مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية [email protected]