اصطفت القنوات التلفزية العمومية بالمغرب بجانب النقابات الأربع التي دعت إلى خوض إضراب وطني عام في مجموع تراب المملكة، أمس الأربعاء، حيث واكبت في نشراتها الإخبارية الرئيسية، بشكل واضح، تأثير الإضراب على سير المرافق العمومية، ولم تمنح للحكومة وقتا زمنيا معتبرا. وتحدثت القناة الأولى، في نشرتها المسائية أمس، عن نجاح كبير للإضراب العام، من خلال بثها تقارير إخبارية رصدت توقف العمل في العديد من القطاعات المهنية، والإدارات العمومية، وخصصت لجانب النقابات المُضربة زهاء 13 دقيقة، بينما منحت للحكومة حوالي دقيقة واحدة فقط. وقدمت القناة الأولى "ريبورتاجا" من مدينة مكناس حول الإضراب في القطاع الصحي، وقالت إن الخدمات الصحية بمستشفى محمد الخامس، على سبيل المثال، كانت شبه متوقفة باستثناء المستعجلات، موردة أن الشغيلة الصحية طالبت بفتح حوار حول ملف التقاعد، وتحسين الموارد البشرية، وتجويد ظروف العمل. ومنحت القناة العمومية ذاتها الكلمة للنقابي المختار الشاهد، الذي قال، في النشرة الإخبارية التي واكبت حصيلة الإضراب العمومي، إن الشغيلة تحتج ضد الغلاء وارتفاع الأسعار، وضد تجميد الأجور، والقمع والتهميش للعمل النقابي، كما تندد بسياسة "الحكرة" التي تنهجها هذه الحكومة"، وفق تعبيره. وانتقلت كاميرا "الأولى"، أيضا، إلى الجماعات الترابية بالعاصمة الرباط، لترصد، عن كثب، ما سمته شلل المرافق الإدارية بسبب الإضراب الذي دعت إليه النقابات الأربع الأكثر تمثيلية في البلاد، ضاربة المثال بمقاطعة حسان وسط الرباط، وبثت مشاهد للأبواب المغلقة لهذا المرفق العمومي. ومنحت القناة الأولى الكلمة، بإسهاب، لناشطين نقابيين تحدثوا عن مشاركة واسعة للفئات العمالية داخل الملحقات الإدارية بالرباط، وانتقدوا ما سموه غياب الحوار مع النقابات من طرف الحكومة، وطالبوا بالعودة إلى طاولة المفاوضات المجمدة منذ يونيو 2012. القناة الأولى انتقلت إلى القطاع الصناعي بالدار البيضاء، لتظهر أن الإضراب كان ناجحا بنسبة كبيرة، وهو ما شل عددا من الوحدات الصناعية في العاصمة الاقتصادية للمملكة، كما عرجت على ميناء مدينة أكادير الذي توقف عن العمل بسبب الإضراب. ومنحت القناة الأولى "أفضلية" الحديث لزعماء نقابيين، منهم عبد القادر الزاير، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ومليودي موخاريق، الأمين العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، الذي طالب الحكومة بالعودة إلى جادة الصواب، وأخذ العبرة من النجاح الساحق للإضراب. بالمقابل، خصصت القناة العمومية ذاتها حيزا زمنيا ضئيلا جدا للجانب الحكومي، لم يتجاوز الدقيقة الواحدة، حيث تحدث وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، محمد مبديع، عن كون الإضراب لم يؤثر في الخدمات العمومية التي كانت متوفرة في حدها الأدنى، مشيرا إلى الانخراط الذي حصل في بعض القطاعات، "بينما كانت الاستجابة قليلة في قطاعات أخرى". أما القناة الثانية، فاتخذت موقفا أكثر "حزما" من موضوع الإضراب العام، واصطفت بشكل صريح مع النقابات الداعية إلى الإضراب، حيث بدت مؤيدة بشكل جلّي للدعوة إلى الإضراب العام، وبدا أحد مذيعيها، في النشرة الإخبارية ليوم أمس، وهو يضع على ذراعه شارة حمراء. وقال مذيع قناة "عين السبع"، في نهاية النشرة، "كما تلاحظون أعزائي المشاهدين، فأنا أحمل الشارة الحمراء، والقناة الثانية تؤيد الإضراب العام ومطالبه، أما العاملون في القناة فقد اشتغلوا هذا اليوم تعبيرا عن المصلحة الوطنية ليس إلا"، وفق تعبيره، وهو الموقف الذي اعتبره مراقبون ينتهك دفتر التحملات وأخلاقيات المهنة، باعتبار ضرورة اتخاذ موقف الحياد في الخلافات السياسية والاجتماعية. وعلاقة بالموضوع، استغرب وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، التعامل الذي اتسم، بحسبه، "في كل من القناة الثانية والقناة الأولى بدرجة أقل من المهنية"، مشددا على أن "هذه مرافق عمومية، ويجب التزام الحياد فيها لأنه لا يمكن الحديث عن مساندة الإضراب، بل هي ملزمة بالحياد في التعاطي معه". وقال الخلفي في الندوة الصحافية التي عقدها عقب اجتماع المجلس الحكومي: "إن الحكومة تستغرب مثل هذا السلوك وتتساءل عن الجهات التي دعت إليه"، مبرزا أنها "ستقوم باتخاذ الإجراءات لتصحيح هذا الانحراف الخطير في الخدمة العمومية". وأعلن المسوؤل الحكومي أن من حق أي صحافي أو عامل بالقناتين القيام بالإضراب، "لكن الانحياز يخل بمبدأ الحياد، ولا يمكن أن تقول بأنها تؤيد الإضراب"، مسجلا أن السلطة التنفيذية تحترم استقلالية الإعلام لكن تدعوه إلى الإنصاف وعدم الانحياز.