مجلس الجالية يشيد بقرار الملك إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية    الموقف العقلاني والعدمي لطلبة الطب        المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    المنصوري تكشف عن برنامج خماسي جديد للقضاء على السكن الصفيحي وتحسين ظروف آلاف الأسر    إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    حموشي يترأس وفد المغرب في الجمعية العامة للأنتربول بغلاسكو    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    الكعبي يستمر في هز الشباك باليونان        لحظة تسليم علم منظمة "الأنتربول" للحموشي باعتباره رئيس الوفد الأمني للدولة التي ستحتضن الدورة المقبلة للجمعية العامة للأنتربول (فيديو)    التامك يتأسف لحظر "النقابة" في مندوبية السجون... ويقول: "ما بقاش عندي الوجه" للقاء الموظفين    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    «كلنا نغني».. جولة عربية وأوروبية للعرض الذي يعيد إحياء الأغاني الخالدة    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    بايتاس: أكثر من 63 ألف أسرة استفادت من المساعدات الشهرية لضحايا زلزال الحوز    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    تظاهرات واشتباكات مع الشرطة احتجاجا على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة لظاهرة التطرف والإرهاب
نشر في هسبريس يوم 09 - 02 - 2016

من الظواهر المؤسفة حقا التي أبتليت بها أمتنا الإسلامية، وإن كانت ظاهرة عالمية لا ترتبط لا بدين ولا بعرق، وأصبحت إحدى كبريات المشاكل المعاصرة التي تمس بالأمن والطمأنينة داخل المجتمعات وتعوق التنمية والتقدم وبناء الحضارة هناك ظاهرة التطرف والإرهاب. فما هو مفهوم التطرف وما هو مفهوم الإرهاب ؟ وكيف تنشأ ظاهرة التطرف والإرهاب ؟ وما موقف ديننا الإسلامي الحنيف والقانون من هذه الظاهرة ؟ وهل من سبيل لمعالجة التطرف والإرهاب؟
أولا- مفهوم ونشأة التطرف والارهاب
ليس التطرف هو الإرهاب في حد ذاته. فلكل واحد منهما مفهوم مغاير. فالتطرف يقترن بالفكر، بمعنى كل فكر يكتنفه الغلو أو يتصف بالشذوذ والذي قد يحمل في طياته العنف والحقد والكراهية. أما الإرهاب فيقترن بالفعل، بمعنى تحويل الفكر المتطرف إلى ممارسة واقعية تهدف إلى إزهاق الأرواح البريئة وتخريب الممتلكات وزرع الخوف والرعب بين الناس.
والتطرف ليست بظاهرة حديثة، وإنما هي ظاهرة قديمة قدم الإنسان على الأرض. ولا يهمنا في هذا المقال سبر تاريخ التطرف على مر الأزمان والأمصار بقدر ما يهمنا تسليط الضوء على هذه الظاهرة بعد مجيء الإسلام داخل دار الإسلام.
بعد وفاة سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم) قامت الخلافة الرشيدة بعد أن بايع المهاجرين والأنصار، ثم عامة المسلمين، أبو بكر الصديق رضي الله عنه كأول الخلفاء الراشدين للدولة الإسلامية المباركة (11ه-13ه). وبعد وفاة أبو بكر، تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (13ه-23ه)، وبعده عثمان بن عفان (23ه-35ه) وعلي بن أبي طالب (35ه-40 ه) رضي الله عنهما.
وفي نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان وبداية عهد الخليفة علي بن أبي طالب نشأت فرقة الخوارج. والخوارج هم معارضة متطرفة تخرج عن الخليفة الراشد، الذي بايعه المسلمون، وتتصف بالتعصب المذهبي والفكري الشديد وبالغلو والتشدد الديني وبتفسير الدين بشكل مغلوط يؤدي إلى تكفير المسلمين واستباحة دمائهم؛ بل أن حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه(أحد المبشرين بالجنة ومن آل بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخليفة الراشد الرابع) لم يسلم من تهمة التكفير التي يلقيها هؤلاء على العباد. النتيجة أن الخوارج قد سفكوا دماء العديد من المسلمين والأنفس الطاهرة، ومن جملتهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب كرم الله وجههما.
في الوقت المعاصر، عرف التطرف تطورا ملحوظا بحيث تعددت الفرق وتنوعت، الأمر الذي تمخض عنه تحول بعض هذه الفرق المتطرفة إلى جماعات عدوانية تمارس الإجرام المنظم وتستبيح دماء الناس، مسلمين وغير مسلمين، بشكل يتنافى مع رسالة السلام والتسامح والخير التي أتى بها ديننا الإسلامي الحنيف وتشوه صورته وتعطي لأعداء الإسلام الذرائع للطعن فيه وفي مقدساته. وما يسترعي الباحثون في مختلف التخصصات العلمية التي تهتم بظاهرتي التطرف والإرهاب هي معرفة العوامل التي تقف وراء انجراف فرد من الأفراد أو جماعة من الجماعات نحو التطرف والجريمة؛ ومن ذلك نجد عدم تلقي التربية الدينية السليمة والجهل والفقر والتهميش الاجتماعي والسياسي. وقد ساعدت العولمة على نمو متسارع لظاهرة التطرف والارهاب (التنسيق وتبادل الأفكار المتطرفة عبر وسائل الاتصال العابرة للحدود كشبكات التواصل الاجتماعي، سرعة تنقل الأشخاص الطبيعيين والأموال(..إلخ.)).
بيد أنه يجب عدم الوقوع في فخ التضليل الذي تمارسه الأنظمة الظالمة، ومثال ذلك الكيان الصهيوني الذي يعتبر مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال والحيف إرهابا، والنظام المستبد في مصر وسوريا الذي يحاول الفاق تهم التطرف والارهاب على معارضيه الذين يحتجون سلميا ضد الانقلاب واللاشرعية (مصر) وضد الطغيان والظلم (سوريا). وفي الواقع، فإن الكيان الصهيوني وديكتاتوريات مصر وسوريا من يمارس الإرهاب، أو ما يعرف بإرهاب الدولة (مجازر، تجويع، اغتيالات، اغتصاب الأراضي، تشريد الأهالي، محاكمات غير عادلة، إلخ.)، بحيث أن هذه الصورة تعكس من الناحية السيكولوجية نوع من الإسقاط السياسي والمغالطة المفضوحة؛ ولكنها مسنودة – أو على الأقل مسكوت عنها – من لدن القوى الكبرى خدمة لأهدافهم – وأهداف حلفائهم – الاستراتيجية والجيوسياسية.
من جهة أخرى، دأبت العديد من وسائل الإعلام الغربية على إفشاء الحقائق المغلوطة على الاسلام والمسلمين واستغلال الإرهاب الذي تمارسه الجماعات المتطرفة باسم الدين، سواء في البلدان المسلمة أو في البلدان غير المسلمة، لمهاجمة الإسلام والمسلمين ووضع جميع الحركات الإسلامية سواء أكانت تعكس الاسلام الوسطي والسمح والصحيح أو تلك التي تتبنى الغلو والراديكالية في قائمة التطرف والإرهاب رغبة منها في تشويه صورة الاسلام والمسلمين لدى الرأي العام.
ثانيا- موقف الاسلام من التطرف والارهاب
الإسلام هو أعظم وأقوم دين أنزله البارئ عزوجل للإنسانية جمعاء لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن الظلم إلى العدل ومن براثن الجهل والشرك إلى نعمة الإيمان، يقول عز من قائل: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"(1). ويقوم الإسلام على مكارم الأخلاق الطيبة التي تنسجم مع الفطرة السليمة للإنسان، والتي تهدف إلى سعادة وكرامة الإنسان المسلم في الحياة الدنيا وسعادته ونعيمه في الحياة الأخروية، يقول المصطفى الأمين(صلى الله عليه وسلم): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(2).
ومن بين الأخلاق التي أتى بها الإسلام هناك الاعتدال، والسلم، والرحمة، ونبذ الغلو والتطرف بمختلف أشكاله، والنهي عن العدوان والظلم وقتل الأنفس البريئة بدون وجه حق. وهناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تتطرق إلى ما يجب أن يكون عليه الإنسان المسلم في هذا الشأن، ومن ذلك قوله تعالى في محكم كتابه العزيز: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ"(3)، "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ"(4)، "وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(5)،"وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا"(6)، "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"(7). ويقول تعالى متوعدا قاتل الإنسان المؤمن – ومن باب أولى قتله داخل بيت الله–:" وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"(8). ومن وصايا سيد الخلق وإمام المهتدين (صلى الله عليه وسلم) لأمراء جيش المسلمين في غزوة مؤتة: "لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً"، وقوله (صلى الله عليه وسلم) في كل نزال:"اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً"(9)، والتمثيل بالقتلى معناه قطع أعضاء المقتول (إلخ.)، وقوله عليه الصلاة والسلام:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"(10). كما أوصى الإسلام بحسن معاملة الأسير ومن ذلك قوله تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"(11) ونهى عن تعذيبه أو قتله أو الإساءة إليه.
ويتبين مما سبق، كما هو إجماع علماء الشريعة، أن الإسلام لا يجيز التطرف ويحرم الإرهاب. كما أنه أسمى بكثير من الشبهات والتهم الباطلة والمغرضة التي يحاول بكل جهد أعداء الإسلام والمسلمين إلصاقها به، بل أن بعضهم وراء تكوين عدد من الجماعات المتطرفة بهدف إضعاف المسلمين وتقوية شتاتهم.
ثالثا- موقف القانون من التطرف والارهاب
الإرهاب هو من أخطر أشكال الجريمة التي يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، على غرار باقي القوانين الجنائية في العالم. وقد صادق البرلمان في هذا الشأن على القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب (ماي 2003) (12)، الذي أضيف إلى الجزء الأول من الكتاب الثالث (الباب الأول مكرر) من مجموعة القانون الجنائي (13).
وبموجب الفصل 1-218 من القانون السالف الذكر فإنه تعتبر الجريمة فعلا إرهابيا، إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف، ومثال ذلك ما يلي:
الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص أو على سلامتهم أو على حرياتهم أو اختطافهم أو احتجازهم؛
التخريب أو التعييب أو الإتلاف ؛
تحويل الطائرات أو السفن أو أي وسيلة أخرى من وسائل النقل أو إتلافها أو إتلاف منشآت الملاحة الجوية أو البحرية أو البرية أو تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال ؛
السرقة وانتزاع الأموال؛
صنع أو حيازة أو نقل أو ترويج أو استعمال الأسلحة أو المتفجرات أو الذخيرة خلافا لأحكام القانون؛
تكوين عصابة أو اتفاق لأجل إعداد أو ارتكاب فعل من أفعال الإرهاب.
واستنادا إلى مقتضيات الفصل 7-218 من القانون 03.03 فإنه يرفع الحد الأقصى للعقوبة عن الجرائم المنصوص عليها في الفصل 1-218، إذا كان الفعل المرتكب يكون جريمة إرهابية كما يلي:
الإعدام، إذا كانت العقوبة المقررة للفعل هي السجن المؤبد؛
السجن المؤبد، إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة للفعل يصل إلى 30 سنة؛
يرفع الحد الأقصى للعقوبات الأخرى السالبة للحرية إلى الضعف دون أن يتجاوز ثلاثين سنة إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن أو الحبس؛
إذا كانت العقوبة المقررة للفعل غرامة فيضاعف الحد الأقصى للغرامة مائة مرة دون أن تقل عن 100.000 درهم.
وإذا كان الفاعل شخصا معنويا فإنه يحكم بحله والحكم بالتدبيرين الوقائيين المنصوص عليهما في الفصل 62 من القانون الجنائي وهما مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها وإغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، مع عدم المساس بحقوق الغير.
ومن جانب آخر، فإنه كل من قام بأي وسيلة من الوسائل بإقناع الغير بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفصل 1-218 – السالف الذكر- أو دفعه إلى القيام بها أو حرضه على ذلك يعاقب بالعقوبات المقررة لتلك الجريمة (14). وبذلك يكون المشرع الجنائي المغربي قد ساوى بين الفكر أو الرأي المتطرف والإرهاب حالة ما إذا أفضى الأول إلى إحدى الجرائم الإرهابية – أو محاولة ذلك – وذلك سواء على مستوى المسؤولية الجنائية أو على مستوى العقوبة.
رابعا- علاج ظاهرة التطرف والارهاب
إن علاج ظاهرة التطرف والإرهاب لا يتم فقط بالإجراءات القانونية أو بالتدابير الأمنية أو بالزجر القضائي، بحيث أن العلاج الأمني أو القضائي لا يستأصل الداء وإنما يسكنه أو قد يرجأه إلى وقت آخر لا غير. فهذه الظاهرة تستلزم تظافر الجهود وتعبئة الجميع للخروج من هذا المشكل الضخم. إنها تستلزم نهضة حضارية شاملة. ولعل التطرف والإرهاب إحدى مظاهر الانحلال والتخلف الذي أصيبت بها أمتنا الإسلامية التي أرادها الله تعالى أن تكون أمة قائدة لا أمة مقودة.
وفي الواقع، إن تفاقم هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة لهو تعبير عن عدم قيام العديد من المؤسسات بدورها الكامل، إن لم يكن فشلها، في تنشئة الأجيال الصاعدة تنشئة سليمة قائمة على مبادئ الإسلام السمح وتربية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يجسد الأخلاق الطيبة في أحسن صورتها: " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "(15). فالكل قد يكون مسؤولا بشكل أو بآخر على بروز وتطور هذه الظاهرة: الأسرة، المدرسة، المجتمع، الإعلام، الدولة، رجال الدين، الثقافة السائدة، مؤامرات أعداء الإسلام والمسلمين، العولمة، وطبيعة العلاقات الدولية القائمة على مبدأ القوة والتي يكتنفها كثير من الظلم والجور.
إذن، أساس علاج ظاهرة التطرف والإرهاب يأتي من التربية السليمة والتعليم السليم، وهو دور الأسرة والمدرسة بالدرجة الأولى، وكذلك دور رجال الدين والإعلام والسلطات العمومية. والتربية السليمة هي التي تقوم على الإسلام الوسطي السمح الذي ينبثق من مدرسة المصطفى الأمين. وفي سبيل ذلك دعى بعض علماء العصر وأئمة المسلمين بما سموه ب "التصفية والتربية"(16)، بمعنى تصفية التراث الإسلامي مما علق به عبر القرون والأجيال من البدع والخرافات والفتاوى الخاطئة والأقوال العاطلة، وتربية الأبناء والشباب على الهدي النبوي المبارك وعلى هذا الإسلام المصفى.
دمقرطة الأنظمة السياسية هي أيضا إحدى الحلول لظاهرة التطرف والإرهاب. فممارسة الجور والظلم والاستبداد واحتكار السلطة من طرف الحاكم أو الأوليغارشية، كما هو حال أكثرية الأنظمة السياسية المتواجدة في البلاد الإسلامية يخلق الجو المناسب لبروز التطرف والفرق المسلحة التي يكون هدفها الاستحواذ على السلطة بالوسائل الراديكالية. وفي سبيل ذلك، لابد من تواجد ديمقراطيين لبناء الديمقراطية المنشودة؛ بحيث لا يمكن تواجد ديمقراطية بدون ديمقراطيين.
كما يجب خلق ظروف عيش كريمة للشباب، وخاصة عن طريق التكوين المهني وتوفير فرص عمل لهم وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والسياسية. فالفقر الناجم عن البطالة كما يعاني من ذلك شريحة واسعة من الشباب في البلاد المسلمة، وأيضا أبناء الجاليات المسلمة في أوربا الذين يعانون – إضافة إلى ذلك – من التمييز والتهميش لهي من العوامل الرئيسة التي تدفع عددا منهم إلى تبني الأفكار المتطرفة بل والوقوع فريسة الجماعات الإرهابية؛ خصوصا في غياب الآباء والتنشئة الدينية السليمة.
وتسترعي الإشارة، في الأخير، إلى أهمية خلق العدالة الكافية في العلاقات الدولية واحترام القانون الدولي وإصلاح مجلس الأمن الدولي غير العادل وغير الناجع بشكل يخدم السلم والأمن والمصلحة العامة للمجتمع الدولي، وليس فقط مصالح القوى العظمى ومصالح حلفائهم، وخاصة أهمية تسوية القضية الفلسطينية التي مازال يعاني شعبها من ويلات الاحتلال والاعتداءات المتكررة والحصار والتشريد على مرأى ومسمع من الجميع.
الهوامش:
1- المائدة،3؛
2- رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنهما؛
3- النساء،171؛
4- البقرة،190؛
5- الأنفال، 61؛
6- الإسراء، 33؛
7- المائدة، 32؛
8- النساء، 93؛
9- أخرجه مسلم في صحيحه؛
10- صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛
11 - الإنسان،6؛
12- الظهير الشريف رقم 1.03.140 صادر في 26 من ربيع الأول 1424 (28 ماي 2003)؛
13 - الظهير الشريف رقم 1.59.413 بتاريخ 28 من جمادى الآخرة 1382 (26 نوفمبر 1962)؛
14- الفصل 5-218 من قانون 03.03 ؛
15- القلم،4؛
16- أنظر، د. أحمد فريد، التربية على منهج أهل السنة والجماعة، الطبعة الثالثة، 2006، ص 24.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.