بعد أربع جولات حوار بين الأساتذة المتدربين، وممثلي الحكومة، بمشاركة النقابات، خلص الحوار إلى العودة إلى نقطة الصفر؛ ذلك أن مقترحات الأساتذة المتدربين، وكذا النقابات، قوبلت بالرفض جُملة وتفصيلا، وتم التمسك بعرض الحكومة المتمثل في توظيفهم في دفعتين. فقد جاء هذا الحوار، كما هو معلوم، بعد أشهر عديدة من الرفض؛ من طرف رئيس الحكومة، الذي صرّح في اجتماع، مع شبيبة حزبه، بأنه لا عَرْض يُقدمه في هذا الحوار الذي يُطلب منه، فعليهم أن يَرْجعوا إلى الدراسة، مُذكرا إياهم، بأن اليساريين في السبعينيات قاطعوا الدراسة، فقاتلهم الإخوان، خاتما القفلة بقوله: "نتوما غدي إضيعوا ليكم الوظيفة.." وليس السنة الدراسية فقط. لكن مع مرور الأيام، أثبت الأساتذة المتدربون عَمَليّا قدرتهم على المحاججة الإعلامية، ومواصلة النضال بخطى راسخة؛ مما أرغم الحكومة أن تلجأ إلى ما سُمّي بالحوار، والذي فشل، للأسف، لأسباب واضحة، لعل في مقدمتها، انعدام الرغبة، وسيادة منطق "ما أريكم إلا ما أرى". ولعل التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين، كانت في مُنتهى الوعي حين قررت أن تذهب إلى الحوار، الذي بدا غير جدي منذ البداية، وفي نفس الوقت لم تلغ برامجها النضالية؛ كما أُريدَ لها، فقد ذهبت للحوار ويَدها على زناد الصمود والنضال، وصفوفها موحدة لا يضرها من خذلها، ولا من نشر الإشاعات ضدها.. وهاهم أساتذة الغد، بعد فشل الحوار، يَستعدون لخوض أشكال نضالية تصعيدية، بعد انتهاء العطلة، بمختلف المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، في الوقت الذي يُنتظرُ منهم أن يَتنازعوا ويَفشلوا، ولاسيما بعد فشل كثيرين في إشعال نار الحَمِيَّة الحِزبية والسياسية بينهم، والترويج لإشاعة مفادها أن أيادي خفية، وتماسيح قوية وراء هذه المعركة؛ من أجل إضعاف شعبية الحزب الحاكم. والحق أن إضعاف شعبية الحزب، وتشويه سمعته، وفقدان الثقة به لدى كثيرين.. كل ذلك قد حصل، فعلا، لكن كان ذلك بسبب احتقار مُربي الأجيال، الذي كاد أن يكون رسولا؛ كما قال أحمد شوقي. فهذا الأمْرُ، حقيقة، هو الذي جَعل الشعب المغربي يَثور في وجه الحكومة، ويَخرج رفقة أبنائه إلى الشوارع احتجاجا على المرسومين، في الوقت الذي أعرَض فيه من يُسمون أنفسهم ب"الإسلاميين المعتدلين" عن مناصرة مُعلم الأجيال، وعن إنقاذ المدرسة العمومية؛ لحَمِيَّة حزبية ليس إلا. مع أنهم يُقيمون الدنيا ولا يُقعدونها، حين يتعلق الأمر باللغة العربية، ولغة التدريس... فإذا كانت الحكومة تعتقد أن المرسومين يُحققان الجودة، وتتقوقع على نفسها في صياغة مثل هذه القرارات، فهذا من حقها. لكن ليس من حقها أن تغيّب المقاربة التشاركية، وتتعامل بمنطق "ما أريكم إلا ما أرى".