"وقت الأزمة نحتاج للخبر"، هكذا تقول واحدة من أبرز القواعد الخاصة بالتواصل، حيث تتجلى قيمة التواصل بسبب ارتباطه بظروف استثنائية، كما يكون بمثابة سيف ذي حدين، فإما أن يزيد من تفاقم الأزمات أو يخفف من وطأتها. الفاجعة الأخيرة التي عرفتها مكة، خلال حادث التدافع الذي حصل بين الحجّاج بمِنًى في طريقهم لرمي الجمرات، أظهرت، بحسب عدد من المراقبين، ضعف الجانب التواصلي لدى الكثير من المؤسسات بالمغرب، خاصة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الخارجية والتعاون، باعتبارهما أكثر الوزارات ارتباطا بما حدث. حادث مِنًى، الذي وقع يوم الخميس الماضي، وبالرغم من فداحته، إلا أن المغرب، وعلى عكس بعض الدول، تأخر كثيرا قبل الإعلان عن الحصيلة الأولية لضحايا مغاربة سقطوا في الحادث. فقبل بلاغ الديوان الملكي، الذي صدر يوم السبت وأكد وفاة ثلاثة مغاربة في الحادث، صدر عن السفارة المغربية في الرياض، بلاغان فقط يؤكدان أنه لم يتم تسجيل وفيات في الحادث، وأن عملية البحث لازالت مستمرة. حالة الحيرة والتوجس الذي تعيشه عائلات الحجّاج، وخلفهم الرأي العام المغربي، وانتشار الإشاعات حول وفاة حجّاج من مختلف مناطق المملكة، بقيت هي السائدة، إلى أن أصدرت وزارة الخارجية والتعاون بلاغا تسرد فيه لائحة الوفيات والجرحى، وكذا المفقودين في الحادث الذي أودى بحياة أكثر من 700 شخص. تأخر الإعلان عن عدد الوفيات، في ظل حالة الترقب التي يعيشها عدد من المغاربة الذين أرسلوا أقاربهم للحج، يسائل الإستراتيجية التواصلية التي تنهجها مؤسسات الدولة، خاصة في فترات الأزمات، ليس فقط في ما يخص وضع الحجاج المغاربة في الديار السعودية، وإنما أيضا أوقات الاضطرابات الجوية وغيرها، كما حصل خلال الفيضانات التي شهدتها بعض مدن الجنوب. تواصل بمعايير خاصة أستاذ التواصل في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، عبد اللطيف بنصفية، قال في تصريح لهسبريس، إن تواصل الأزمة يحتكم لعدد من القواعد المهنية الخاصة، لأنه يرتبط بظرف خاص وحساس، ولذلك يجب أن يكون "بشكل استثنائي". ويستمد هذا النوع من التواصل قوته، يضيف بنصفية، من الطابع الإنساني الذي يأتي في سياقه، وكذا لأنه "يكون محط اهتمام الجميع وتكون فيه الحاجة ملحة للمعلومات بالرغم من شحها، مع تدخل عدد من المتدخلين"، معتبرا أن الرهان يكون في هذه الحالة توفير "الإشباع في المعلومة" وتوفير معطيات من مصادر ذات مصداقية. وقال الخبير في التواصل المؤسساتي إن جل المؤسسات التابعة للدولة في المغرب لا تتوفر على إستراتيجية للتواصل واضحة المعالم، وتخدم أهداف هذه المؤسسات، مضيفا أن هذه الحالة عامة، وأن مؤسسات قليلة هي التي تشتغل وفق معايير مهنية وتعمل أوقات الأزمة على الإخبار وتوفير معطيات دقيقة وصحيحة. ثقافة غير مترسخة المتحدث ذاته شدد على أن ثقافة التواصل تغيب لدى المسؤولين المغاربة، في حين إن "ثقافة التواصل بالمعنى التطبيقي ليست مترسخة سواء لدى المؤسسات المنتخبة أو غيرها، وهذا هو الشائع"، على حد تعبير الخبير في التواصل المؤسساتي. وعزا بنصفية تردد المغرب في الإعلان، منذ أول يوم للفاجعة، عن عدد الضحايا إلى علاقته بالمملكة العربية السعودية ب"اعتبارها بلدا صديقا"، ولثقته فيها، في مقابل إيران التي سردت عددا من الإحصائيات منذ اليوم الأول للحادث بالنظر لتنافسها الإقليمي مع السعودية. وفي ما يخص الخطوات التي كان يجب اتخاذها منذ اشتعال فتيل الأزمة، أكد بنصفية أنه كان يتوجب تشكيل "خلية أزمة" تقوم بمتابعة الأوضاع والمستجدات عن كثب، وتعمل بطريقة شفافة وتدبر الحالات الإنسانية. وأوضح المتحدث أن هذه الخلية يجب أن تكون مشكلة من خبراء تواصل وأمنيين ومسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى إعلاميين وغيرهم من الفاعلين، من أجل التواصل مع الرأي العام والحيلولة دون تطور"الأزمة إلى أزمة أخرى".