تحصد الطرقات المغربية آلاف الضحايا سنويا بسبب حوادث السير، يختلف الكثيرون حول أسبابها، بين من يحمل المسؤولية لرداءة الطرق، وآخر يؤكد أن العامل البشري هو السبب، واتجاه آخر يرى أن سلوك السائق هو السبب الرئيسي في هذه الحوادث، لكن أحدا لم يتساءل، هل كل السائقين مؤهلين لقيادة عرباتهم بشكل جيد؟ وكيف يحصل السائق في المغرب على الوثيقة التي تخول له السياقة بأمان في الطرق الوطنية؟. يظل الحصول على رخصة السياقة، رهينا بالمعرفة الجيدة لقواعدها، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة أصبحت هناك ظاهرة مستشرية فيما يخص هذا الامتحان، هي رشوة، يقال إنه لا سبيل للظفر برخصة السياقة من دونها. ''نجح غي ف الكود و السوكان عطيه غي قهيوة 200 درهم وراك غادي تنجح''، يقول أحد المدربين بإحدى مدارس تعليم السياقة. ماذا سيحدث لو رفضت، "المراقب الذي يرافقك لن يتسامح معك البتة، بل وأكثر من ذلك سيظل يراقبك بحرص شديد إلى أن يجد السبيل ليطلب منك الترجل من السيارة كإشارة لرسوبك في الامتحان". 200" درهم مادات ماجابت"، يقول المدرب بنبرة حادة ثم يضيف، "سيمكنك ذلك من اجتياز الامتحان بكل ارتياح، وستستفيد من مجموعة من التسهيلات شرط أن لا تقوم بإصابة أيٍ من الأعمدة لأن ذلك يعتبر خطأ قاتلا لا يمكن للمراقبين غض الطرف عنه". أيوب، شاب حصل للتو على رخصة السياقة، لم يتردد في الاعتراف بأنه قدم مبلغا ماليا خلال اجتيازه الامتحان، إذ يصرح "أثناء الدورة الشرفية، قال لي المراقب: بلا مادير الصمطة غي سير..." ثم يضيف "اللهم نعطيه أخويا ربعالاف ونتهنا''. هذا الكلام جاء على لسان العديد ممن سألتهم "هسبريس"، فعلى الطريقة الميكيافيلية، يصبح اعتماد جميع الوسائل المتاحة جائزا، المشروعة وغير المشروعة، فقط من أجل نيل رخصة السياقة. في نفس السياق، تقول فاطمة وقد سبق لها أن حصلت على رخصة السياقة بنفس الطريقة، يجب أن تعطي المبلغ لمدربك بمركز تعليم السياقة، ثم يقوم هذا الأخير بوضعه في الملف، ولحظة الوصول إلى مكان اجتياز امتحان السياقة، يقول المراقب للمدرب ''واش كلهم داخلين'' في إشارة للممتحنين، ثم يجيب المدرب بنعم، أي أنهم دفعوا جميعا المبلغ المتفق عليه. خالد هو الآخر اضطر لدفع مبلغ 200 درهم من أجل نيل رخصة السياقة، بعدما رسب أثناء اجتيازه الامتحان للمرة الأولى، إذ يقول: ''حصل سوء تفاهم بين المراقبين بسبب المال الذي يتقاسمونه فيما بينهم، (...) لم أقم بركن السيارة بطريقة جيدة، لكنني لم أصب أيا من الأعمدة، رغم ذلك أمرني المراقب بالترجل من السيارة". ويضيف المتحدث ذاته وملامح وجهه يبدو عليها الكثير من الأسف، "أثناء اجتيازي الامتحان للمرة الأولى، امتنعت عن إعطاء الرشوة، لكن بعد ما حدث، أردت أن أنال رخصة السياقة دون مشاكل، زد على ذلك أني لازلت طالبا، ليس لدي الكثير من المال، إذا رسبت مرة أخرى، سيتوجب علي دفع تكاليف الامتحان من جديد". في هذا الموضوع، اتصلت "هسبريس" مرتين بوزير التجهيز والنقل واللوجيستيك، عزيز الرباح، من أجل السؤال عن الآليات التي تعتمدها الوزارة الوصية للتصدي لهذه الآفة فيما يخص امتحان رخصة السياقة، إلا أنه امتنع عن التصريح بدعوى أنه مشغول. رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات وأرباب مدارس تعليم السياقة، بوبرد دحان، والمسؤول كذلك عن أحد مراكز تعليم السياقة بمدينة الدارالبيضاء، فند كل ما يروج حول هذه المسألة، إذ يقول "لا صحة لهذا الكلام، إذا كان مدرب السياقة متورط في هذه المسألة، فليتحمل مسؤوليته" ثم يضيف "فيما يخص سيارة التعليم التي أشرف عليها، فالأمور تتم بشكل طبيعي، إذ لا يتم تسجيل أي تجاوزات بخصوص الامتحان". الدولة تضع رهن إشارة المواطنين رقما هاتفيا أخضر من أجل التبليغ عن الرشوة في كافة الميادين. في هذا الصدد صرح رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، عبد السلام أبو درار، أن "الهيئة تقوم بتقديم توصيات للوزارة الوصية فيما يتعلق بهذه المسألة، لكن الباب يبقى دائما مفتوحا أمام المواطنين من أجل تقديم شكاياتهم، إلا أنه لا يمكننا التدخل مادام المواطنون لا يبادرون للإشعار عن مثل هذه التجاوزات''. هكذا، فإن امتحان نيل رخصة السياقة لم يسلم هو الآخر من آفة تنخر ميادين عديدة، لكن المسؤولية تبقى مشتركة بين جميع الأطراف المعنية، من المواطن إلى المستخدم بمركز تعليم السياقة إلى المهندس المشرف على الامتحان، فأي شخص لا يجد حرجا في مشاطرة فكرة "قهيوة"، يتاجر في رخص السياقة، بل أكثر من ذلك يتاجر في أرواح الناس. أرقام اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، تشير إلى أن حرب الطرق تحصد سنويا أزيد من 3500 قتيل، وآلاف الجرحى، وخسائر مادية تقدر بالملايين. "لنغير سلوكنا"، شعار اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، شعار وجب على كل سائق أن يستحضره كلما جلس خلف مقود سيارته للانطلاق في رحلة قد تنتهي بأبشع الصور بسبب سلوك متهور. *صحافية متدربة