مدخل: عرف قطاع التعليم بالمغرب، منذ فجر الاستقلال، مجموعة من الأزمات المتتالية. تراكمت وأفرزت اختلالات عميقة، أجبرت أصحاب القرار على اتخاذ مجموعة من المبادرات؛ باللجوء إلى التقويم الهيكلي مع منتصف الثمانينيات الذي أفرز بدوره تعليما هشا ورديئا انتهى بوضع إصلاح تربوي شامل وضعته لجنة من رجال المقاولة والتعليم والإدارة والمجتمع السياسي والمدني: إنه ميثاق التربية والتكوين، تلاه البرنامج الاستعجالي "لإصلاح الإصلاح"، حيث حصل المغرب إبانه على قرض من البنك الدولي وصل إلى 44 مليون أورو لدعم التدابير المؤسساتية والتنظيمية الرئيسية فضلا عن إدراج مقاربات جديدة لتحسين فعالية تقديم الخدمات. شكل المخطط الاستعجالي فصلا آخر من فصول الإصلاح، حيث تم تقديمه كحل سحري وعاجل قادر على إخراج قطاع التعليم من دهاليز الإخفاق، والحقيقة أن هذا المخطط لم يملك المقومات الأساسية لذلك، خاصة أنه لم يستطع التخلص من بذور الفشل التي نخرت فأقعدت ثم أفشلت الإصلاحات السابقة. لكن، رغم فشل البرنامج الاستعجالي، يحصل المغرب من جديد في منتصف سنة 2013 على قرض ثاني بقيمة 100 مليون دولار لدعم الإصلاحات التي أطلقتها المملكة على مستوى منظومة التربية والتعليم!! مضمون التصريح: صرح السيد عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في أوّل لقاءاتِ منتدى وكالة المغرب العربي للأنباء صباح يوم الثلاثاء 15 شتنبر 2015 بالرباط، أن وضعية التعليم المغربي تعرف تفاقما وتدهورا. من أجل تجنب "السيناريو الكارثي" لابد من اتخاذ اجراءات وتدابير عاجلة وناجعة لإصلاحِ المنظومة التعليمية بشكل شامل ، وإلا سيترتب عن ذلك تداعيات مجتمعية غير محمودة العواقب. وللتذكير فقد أحدث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتاريخ 16 ماي 2014، تطبيقا لمقتضيات دستور2011، ليحل محل المجلس الأعلى للتعليم . نبرة التصريح: خطاب نبرته التخويف مما سوف تؤول إليه المدرسة المغربية في السنوات المقبلة التي تخرج أفواجا من العاطلين. وضع كارثي سيؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني وأداء الإدارة والتنمية السوسيو اقتصادية. أزمة التعليم لها انعكاسات أيضا على التماسك الاجتماعي وتفشي الفقر والبطالة والتهميش وتطور نزعة التطرف والانغلاق. لماذا التصريح؟ صورة قاتمة لواقع أزمة التعليم المغربي، تلك التي وضعها مهندس "الرؤية الإستراتيجية حوْل إصلاح المنظومة التربوية المغربية" لغاية 2030، والتي سيعرضها المجلس الأعلى في نونبر المقبل، وذلك بعد تهيئ للرأي العام لقبول المعادلة الجديدة لقضية التعليم دون محاسبة أي طرف على فشل معادلات الإصلاح السابقة والتي رصدت من أجلها ميزانيات ضخمة لا أثر لكمها على المتعلمين ولا المدرسين. يأتي هذا التصريح ذو الحمولة السياسية في أول أيام دخول مدرسي عصيب، طابعه الارتجال في التخطيط الإداري والتسيب التربوي والانهيار النفسي للمتعلمين الممتعضين مما آلت إليه المدرسة المغربية. علما أن المجلس الأعلى للتعليم هيئة استشارية وظيفتها: تنوير ذوي القرار والفاعلين والرأي العام، بواسطة التقييمات الكمية والنوعية، المنتظمة والدقيقة لمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. وظيفة تمكن الفاعلين من رسم خطة طريق واضحة المعالم، وتجنب الهيئات التدبيرية والمؤسسات التسيرية وواضعي المناهج التربوية من مزالق يدفع ثمنها المجتمع المغربي باهضا. التشخيص الموضوعي ضروري وتحديد مواطن الداء من الجسم واجب، لكن الاكتفاء بذلك يكون بدون جدوى. يجب وضع العلاج المناسب في المكان والزمان المناسبين. وإلا أضحت صرخة السيد عمر عزيمان كصرخة من سبقه الفقيه بلمزيان صيحة في واد. تعليق عن التصريح: التعليم في بلادنا يشهد واقعه على أنه مأزوم، يحتاج فعلا إلى إصلاح. عملية الإصلاح واجب إنساني، والتجديد سُنة كونية، فلا مناص إذا من التغيير. فما هو التغيير المطلوب؟ وما هي المعايير والمقاييس التي ينبغي أن تستند إليها عملية التغيير التعليمي؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من: معرفة طبيعة إشكال منظومة التعليم وعمقها وتحديد إطارها. بسط قضية التعليم على طاولة الأمة، وإخراجها من دائرة النقاش الضيق في صالونات النخب والمثقفين. البحث الفعلي عن ميثاق أمة حقيقي يضع الحلول الناجعة على قاعدة التوافق والتكامل من أجل مصلحة الأمة، وليس ميثاق إملاء ترعاه إدارة ينخرها الفساد. الوصول إلى المخرج المنقذ من واقع الأزمة إلى أفق استشراف المستقبل. أربع محددات أساسية لملامسة سؤال الإصلاح حتى تكون المدرسة فعلا قاطرة التنمية الحقيقية. خاتمة: لا يتم إصلاح التعليم بتسويق الوهم، وببث ثقافة الهزيمة في النفوس.