ما زالَ مشروع القانون 25.14 المتعلق بمزاولة مهن مُحَضِّري ومُناولي المنتجات الصحية، الذي أعدّه وزيرُ الصحّة وصادقتْ عليه الحكومة، يثيرُ ردودَ فعلٍ رافضةً من طرف العاملين في القطاع. فبعد وقفة احتجاجية بداية شهر غشت الجاري أمام وزارة الصحّة بالرباط، عادَ صباح اليوم عشراتُ صناع الأسنان إلى العاصمة للاحتجاج أمام مبنى البرلمان ضدّ مشروع قانون وزير الصحّة، مُعتبرينه "مشروعَ قانونٍ غيرَ دستوري"، بسبب إقصائهم من المشاركة في إعداده، على حدّ تعبيرهم. علي عفيفي الكاتب الجهوي لنقابة صانعي ومركبي الأسنان، التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، قالَ في تصريح لهسبريس إنَّ صنّاع ومركّبي الأسنان ليسوا ضدّ مشروع القانون الذي أعدّه وزير الصحة، وليسوا ضدّ تنظيم القطاع، بلْ يُطالبون فقط بتعديل المشروع، وذلك بإشراك المشتغلين في الميْدان في صياغته، والاستجابة لمطالبهم التي رفعوها إلى الوزارة من خلال مراسلات سابقة. وتتمثلُ النقطة التي تثيرُ رفْض الهيئات الممثلة لصانعي الأسنان في المادّة 5 من مشروع قانون 25.14 والتي تنصّ على وجوب أنْ تتمّ عمليّة صنْع رمامات الأسنان من طرف صانعي الأسنان، بناء على طلب من طبيب أسنانٍ أو طبيب مختصّ في أمراض الفك وتحت مراقبته، وعلّق عفيفي على هذه المادّة بالقول: "هذا المشروع يجعل من صانعي الأسنان عبيدا لأطبّاء الأسنان"، مضيفا: "نحن نتعاملُ مع المواطنين مباشرة، ولم يسبق لصانعِ الأسنان أن عَمل مع طبيب الأسنان". الهيئات الممثلة لصانعي ومُركّبي الأسنان -حسبَ عفيفي- ليست ضدّ مشروع قانون وزارة الصحّة، "نحنُ لسنا ضد القانون، ولكن لا نقبل أن تُقصى فئة عريضة من المواطنين في صياغة مشروع قانون مصيري"، يقول عفيفي، متسائلا: "كيف يعقل أننا كمهنيين نؤدي واجباتنا للدولة، والدولة لا تعترف بنا كصانعي أسنان، رغم أنّ وثائقنا تحمل صفة صانعي ومركبي الأسنان، ولا تعترف بنا إلا كمؤدي للضريبة، ولكن حقوقنا الأخرى غيرُ معترف بها؟". من جهته قال محمد العلوي الشريفي، الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية لصانعي الأسنان: "نحن مع تنظيم القطاع، لكنّنا ضد الإقصاء، ونحنُ تعتبرُ أنّ هذا المشروع سيقصي آلاف المهنيين"، وأضاف المتحدّث أنّ المطلوب من وزارة الصحّة هوَ إعداد برنامجٍ تكويني وتأهيلي لفائدة العاملين في المجال، يُمكنهم من الاستفادة من التكوين والتأطير، والحصول على شواهد معترفٍ بها من طرف الدولة، تخوّلهم الاشتغالَ في إطارٍ مهنيٍّ منظم. وجواباً على سؤالٍ حوْلَ المخاطر الصحّية التي تقول هيأة أطباء الأسنان إنّها تهدّه زبناء صانعي الأسنان، قالَ العلوي: "نحن نراعي صحة المواطنين، وأغلب المحلات التي نشتغل بها تتوفر على أحدث التجهيزات، وهذه النقطة تستغلها هيأة الأطباء لتلطيخ صورة صانعي الأسنان"، بيْنما قال عفيفي: "المستفيدُ الأول من الفوضى هم أطباء الأسنان، فلو نُظم القطاع ولم يعد فيه متطفلون، فلن تجدَ هيأة الأطباء وسيلة لتوسيخ سمعة صانعي الأسنان". وأضاف عفيفي أنَّ وزارةَ الصحة إذا كانتْ حريصة على السلامة الصحية للمواطنين، فعليْها أنْ تخلق لجانَ مراقبة في كلّ ولاية، تعملُ على ضبْط المخالفين لشروط العمل، ومعاقبتهم، ومراقبة المحلّات التي يشتغل بها صانعو الأسنان، وتابع عفيفي: "إذا كان هناك محلٌّ يسبّبُ ضررا فنحن متفقون على إغلاقه، ولكن أن نضع الكل في كل سلة واحدة فهذا غير ممكن، وغير معقول ولنْ نقبله". من جهته، قال الدكتور محمد جرار رئيس المجلس الوطني لهيئة أطباء الأسنان، إن صناع الأسنان أصحاب الدبلومات هم من يطالبون بالقانون المنظم للقطاع، بسبب معاناتهم من المتطفلين والمتطاولين على المهنة، على حدّ تعبيره، موضحا أن صانع الأسنان لا علاقة له بالمريض وأن عمله المباشر يكون بالمادة المصنعة التي يجب أن تكون بناء على طلب طبيب الأسنان. وأفاد جرار في تصريح لهسبريس، أن المغرب يتوفر على أطباء أسنان أكفاء زيادة على كليات تابعة للدولة وأخرى خاصة تسهر على تكوين أطباء الأسنان، "لم نعد نعيش العبودية، الأمر يتعلق بالقوانين المؤطرة لأي مهنة" يقول جرار، مشيرا إلى أن الدولة لا يجب أن تتعامل مع المواطنين على أساس التفرقة بين المناطق، وإن كان هناك أي نقص فعلى الدولة تحمل مسؤوليتها واتخاذ إجراءاتها لحل المشكل. الوردي: هدفُنا حماية صحّة المواطنين وردّا على الاتهامات التي وجّهها ممثلو الهيئات الممثلة لصانعي الأسنان لوزارة الصحّة قالَ الوزيرُ الوصيّ على القطاع الحسين الوردي لهسبريس إنَّ الهدفَ الأكبرَ الذي ترمي الوزارة إلى بلوغه من وراء إعداد مشروع قانون 25.14، والمتعلق بمزاولة مهن ومحضّري ومناولي المنتجات الصحية، هوَ الحفاظ على صحّة المواطنين المغاربة وحمايتهم من جميع المخاطر، وقال الوردي: "حْنا بغينا نحافظوا على صحَّة المواطنين، ماشي غيرْ كانشيّرو". وفي الوقتِ الذي تتهم هيئات صانعي ومُركّبي الأسنان وزيرَ الصحّة بصدّ أبواب الحوار، حيثُ قالَ عفيفي إنّ وزارة الصحة "أغلقت باب الحوار كليا، ولمْ تردّ على المراسلات التي توصّلتْ بها من طرفنا"، نفى وزير الصحّة ذلك، وقالَ إنّه استقبلَ ممثلين عن الهيئات، "وهناكَ صُورٌ في الصحف تؤكّد ذلك"، مُشيرا إلى أنّه ليسَ بمقدوره أنْ يستقبلَ ممثلي الهيئات في كلّ مرّة تتقدم بطلب، "لأنَّ طلبات الاستقبال والحوار التي أتلقّاها من هيئات مختلفةٍ كثيرة". يقول الوردي. وشدّد الوردي على أنَّ صحّة المواطنين "لا يحكمها منطق البيع والشراء"، مشيرا إلى أنَّ عمل صانعي الأسنان قدْ ينطوي على مخاطرَ كثيرة تهددّ صحة المواطنين، موضحا: "هناك، مثلا، من يتناولُ دواءً خاصّا بالقلب يُساهمُ في رفْع وتيرة جريان الدم، وإذا توجّه لقلْع سٍنٍّ لدى طبيب مختصٍّ سيطلبُ منه الطبيبُ بعد الفحص أن يُوقف استعمال الدواء ليومين، لأنّ نزع السنّ مع تدفق الدم بقوّة ستكون له تداعيات خطيرة، أمّا عندَ صانعي الأسنان فمثل هذه الاحتياطات لا يتمّ اتخاذها"، وزاد الوردي: "هناك صانعو أسنان لديهم فقط أريكة (Fauteuil) ومع ذلك كايْديرو البْنج، وهذا خطير". وفي حين تعتبرُ هيئات ممثلي صانعي الأسنان مشروع قانون 14.25 "إقصائيا"، قالَ الوردي إنّ مشروع القانون يهمّ جميع التقنيين، من مساعدين، والتقنيين العاملين مع الصيدليّات.. وغيرهم، وأضاف: "هناك آلاف التقنيين يعملون في هذا المجال ولا بدّ من وضعٍ حدّ للفوضى التي تسوده"، مشيرا إلى أنّ قانون أطبّاء الأسنان المرتقب سيُطبّق على الجميع، من أجْل ضمان حقوق الجميع. وعلى الرّغم من دفاعه عن مشروع قانون 25.14، إلّا أنَّ وزيرَ الصحّة ترَكَ بابَ الحوار مُواربا، وقال: "حْنا باقي ما دْرنا في الطاجين ما يتحرق، لقد صادقت الحكومة على مشروع القانون، ومصادقة الحكومة على المشروع لا يعني أنّه صارَ قانونا نهائيا، بلْ يعني الاستعداد لمرحلة جديدة من النقاش داخلَ البرلمان، ومنْ حقّ الهيئات الممثلة للعاملين في مجال صناعة الأسنان أنْ يلجؤوا إلى الفرق البرلمانية من أجل تعميق النقاش حول مشروع القانون. ونفى الوردي أنْ يكونَ مشروع القانون الذي أعدّه سيؤدّي إلى تشريد صانعي الأسنان كما يزعم ممثلوهم، قائلا: "واش أنا مْصْطّي باشْ نجي ونشرّدْ آلاف ديال الناس اللي خدامين فهاد القطاع، واللي كاينفعو البلاد، خاصّة وأنهم متواجدون في مناطق لا يوجد بها أطباء أسنان؟"، وتابع الوردي: "أنا من أبناء الطبقة الكادحة، وأعرف جيّدا وضعية هؤلاء الناس، وعلى عكْس ما يعتقدون، فأنا أدافعُ عنهم، منْ خلال تنظيم القطاع، لكنّ التنظيم يجبُ أنْ يُبنى وفق قاعدة لا ضَرَر ولا ضرار".