إلى زمن ليس ببعيد؛ كان الإعلان عن الزواج عند المغاربة ركنا أساسا لا يصح إلا بإقامة العرس، حيث يعد هذا الأخير إشهارا صريحا لايمكن التنازل عنه بأي حال من الأحوال، وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وارتفاع تكاليف الأعراس التي غدت باهضة بتبعاتها المادية، أخذ الشباب المقبل على الزواج يجد نفسه أقرب إلى رفع شعار "لا للأعراس" أو الاكتفاء ب"إشهار بسيط على الفيسبوك". بين الضروريات وال"بْرِيسْتِيجْ" أصبحت حفلات الأعراس بالمغربية من الضروريات التي تعقد بشأنها مفاوضات ويخاض في تفاصيلها بتدقيقات لا مثيل لها.. بل أحيانًا قد تتسبّب طريقة تدبيرها في إعادة النظر في قرارات الارتباط من الأصل. فاطمة بنمسعود تزوجت منذ فترة قصيرة ولم تقم حفل عرس، بل اكتفت بعقد قرانها في جو عائلي بسيط، مشيرة إلى أنها اتخذت هذا القرار بعدما عجزت وخطيبها عن تغطية تكاليف الحفل، مؤكدة أن مصاريفه إهدار للأموال و"ترف ليس ضروريا". في مقابل ذلك، يرى أمين فضل، البالغ من العمر 30 سنة، أن حفلات الأعراس ضرورة لأنها تعبير عن فرحة يجب أن يعيشها العروسان وأهاليهما أيضا، لكن أمين ضد التكاليف والمصاريف الكثيرة لكونه لا يؤيد "تكليف النفس أكثر من طاقتها". فيما اعتبرت أحلام الدودي العرس إضافة بسيطة لا تحمل أي أهمية بالنسبة لها، أكدت أن الارتباط هو مشروع للمستقبل وتخطيط للمدى البعيد، مضيفةً ضمن تصريح لهسبريس: "لن أدع مستقبلي مرهونا بحفل ضخم سينتهي بعد خمس ساعات أو ستّ على الأكثر، ولا نجني منه إلا التعب والمصاريف الزائدة". اختلاف القدرات الماليّة حسب منظم الحفلات عز الدين العلمي فإن مهنته من شأنها العمل على إراحة العروسين من أي تفكير في تكاليف وتجهيزات زفافهما، إذ يكفي أن يدفعا لمنظم الأعراس ما يتوافق وقدراتهما، ويتركا البقية على عاتق المموّن ليستمتعا بليلة العمر. وأضاف المتحدث أن منظمي الأعراس يسعون إلى عرض أبهى وأجمل ما يملكون حتى يجد حديثو العهد بالزواج مايبحثون عنه، لافتا إلى أن بعض الأسر لا تطرح الماديات للنقاش عندما ترغب في إقامة الأعراس، بل تسعى لأن يتم كل شيء على أحسن ما يرام من منطلق أن هذا الحفل يقام مرة واحدة في العمر.. مبدئيا. وأشار منظم الحفلات نفسه إلى أن تكاليف العرس المغربي تتراوح حاليا ما بين 8000 درهم وعشرات الملايين، مستطردًا: "هذا لا يعني أن من يملك ميزانية ضعيفة لايمكنه الاتصال بنا، لأننا أيضا نشتغل وفقا لما يمكن توفره من إمكانيات مالية". ومن جهة أخرى اعتبر المهدي بوشدوق، بصفته باحثا في علم الاجتماع، أن الزواج أساس تكوين الأسر والتكاثر، غير أن تغيير نمط التفكير وظهور عادات جديدة ارتبطت بعصر الانفتاح والتوغل في الجانب المادي ساهم في ارتفاع تكاليف الزواج، بما فيها تكلفة العرس، لافتًا إلى أن ذلك يدفع غالبية الشباب إلى تأجيل فكرة الارتباط إلى أجل غير مسمى. ومن الحلول المقترحة، حسب الباحث، يكمن تحديد الدولة لسقف أعلى فيما يخصّ التكاليف المالية، وإلزام جميع منظمي الحفلات بالتقيد به، داعيا الجمعيات المختصة إلى السعي لتوعية المجتمع بمساوئ التكاليف الباهضة وكيف أنها تعود بالضرر على الفرد والمجتمع. *صحافية متدربة