كثيرا ما كنا نقرأ حين كنا ندرس في المرحلة الابتدائية سورة الجن؛ ولما بدأنا نكبر مع الزمن صرنا نقرأ سورة الكهف كل جمعة محاولين تدبرها، عسانا نجد فيها ما يشفي غليلنا الفكري والروحي، ويجيبنا عن الأسئلة المتراكمة حول حقيقة أصحاب الكهف الذين تضاربت حولهم الأقوال بين المشككين الذين لا يرون في هذا القصص القرآني إلا تتمة لما يعتبرونه أساطير الأولين، وبين ثلة من العلماء المسلمين عطلوا نعمة العقل في فهم آيات الله، فصاروا يرفضون كل فهم يخالف فهمهم، وكل جديد حول قصة هؤلاء الفتية الذين أووا إلى الكهف فارين بدينهم فجعلهم الله سبحانه وتعالى آية من آياته. على أنه ما كان لآية من آيات الله أن يُطوى ملفها بهذه السهولة، دون أن يستجد من فهم القرآن ما يعيد تسليط الضوء على هذه القصة، التي هيأ الله لأصحابها من أمرهم رشدا وحكمة ممتدة في الزمان، غير محصورة في 309 سنة التي مكثوها في كهفهم قبل أن يبعثهم الله سبحانه وتعالى ليتساءلوا بينهم... وقد أبت مشيئة الله - التي هي فوق كل اعتبار سواء أكان طعنا في الدين أو غلوا فيه - إلا أن تُظهر سرا من أسرار سورة الكهف يتعلق بهؤلاء الفتية؛ والعجيب هو أن يكون قوله تعالى: ( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن/28 . هو المفتاح لكشف هذا السر القرآني. فكيف ذلك؟ يتعلق الأمر ببحث في الإعجاز العددي في القرآن الكريم ألهمني الله القيام به بعد جملة ملاحظات للتشابه العجيب بين سورة الجن وسورة الكهف. لكن قبل سرد هذه التشابهات أود أن أشير أولا إلى البحث الذي قام به الأستاذ بسام جرار – وهو أحد علماء فلسطين- حيث عد كلمات القرآن الكريم من بداية قصة أصحاب الكهف وهي قوله تعالى: ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)الكهف/9 ، إلى أن بلغ قوله تعالى: ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) الكهف/25 . فكانت المفاجأة هي أن كلمة "ثلاث" هي الكلمة رقم 309 . أي أن الجواب عن مدة مكث أصحاب الكهف في كهفهم جاء بطريقتين؛ وقد استنتج هذا الباحث أن الكلمة في القرآن الكريم قد ترمز أحيانا إلى سنة. وعندما تأملت قوله تعالى: ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى(13))الكهف/12-13؛ وقوله تعالى: ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الكهف/27 . استنتجت أن الآية 12 تطرح التحدي حول عدد سنوات لبث أهل الكهف في كهفهم، بينما الآية 13 تبدأ بإعطاء الجواب عن ذلك التحدي؛ فقمت بعد الكلمات انطلاقا من الآية 13 إلى الآية 27 فبلغ مجموع عدد الكلمات 309 كلمة؛ وهو عدد يتوافق أيضا مع المدة التي لبثها أصحاب الكهف في كهفهم قبل أن يُبعثوا. فازددت يقينا من أن الآية 27 هي أيضا جزء من قصة أصحاب الكهف. وبخاصة أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا في تلك الآية أنه لا مبدل لكلماته؛ أي كلمات الله؛ وكذا كلمات القرآن الكريم؛ وكلمات قصة أصحاب الكهف في القرآن. وعندما بحثت في القرآن الكريم عن كلمة "مُلتحد" أو "مُلتحدا" التي وردت أيضا في سورتيْ الكهف والجن؛ وجدت أنها لم ترد إلا مرتين فقط؛ أي في هاتين السورتين كما يلي: وردت كلمة "ملتحدا" في قوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الجن/22 . وفي قوله تعالى: ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) الكهف/27 . لاحظ إذن هذا التشابه العجيب بين الآيتين بل حتى الخطاب موجه لنفس الشخص وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قلت عنه عجيبا حتى ننتبه له ونبحث فيه وليس لنتعجب من كلام الله تعالى. فما هو إذن سر هذا التشابه، وما هو سر وجود كلمة ملتحدا في سورة الكهف وفي سورة الجن بصيغتين جد متقاربتين؟ لكن قبل الإجابة على هذا السؤال لنتأمل التشابهات التالية بين السورتين: التشابه الأول: تبتدئ سورة الجن بقوله تعالى: ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) الجن/1 . بينما تبتدئ قصة أصحاب الكهف بقوله تعالى: " أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) الكهف/9 . فتأمل هذا التشابه من حيث الصياغة. التشابه الثاني: الآية الأخيرة من سورة الجن هي قوله تعالى: ( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن/28 . بينما الآية الأخيرة في قصة أصحاب الكهف –حسب ما يراه معظم الباحثين- هي قوله تعالى: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26 . فتأمل إذن هذا التقارب حتى بين رقميْ الآية الأخيرة من سورة الجن، والآية الأخيرة من قصة أصحاب الكهف؛ ولا سيما إذا اعتبرنا أن الآية 27 هي آية نهاية القصة وليس 26. التشابه الثالث: مجموعة الكلمات: "عجبا"؛ "ولدا"؛ "أمدا"؛ "أحدا"؛ "شططا"؛ "أبدا"؛ "عددا"؛ "كذبا"؛ "رشدا". وردت كلها في سورة الجن وفي سورة الكهف؛ هذا فضلا عن التشابه حتى في صياغة بعض الآيات التي وردت فيها هذه الكلمات. وزيادة على هذا فإن كلمة "المساجد" (تكتب في الرسم العثماني هكذا: المسجد) وردت في سورة الجن، وكلمة "مسجدا" وردت في سورة الكهف. لكن الملاحظة المهمة التي سجلتها هنا هي أن الأغلبية الساحقة من هذه الكلمات وردت في سورة الكهف بالضبط في الآيات التي تتحدث عن قصة أصحاب الكهف. وهنا نعيد طرح السؤال من جديد: ما هو إذن سر هذا التشابه بين السورتين، وما هو سر وجود كلمة (مُلتحدا) في سورة الكهف وفي سورة الجن بصيغتين جد متقاربتين؟ الجواب حسب المقارنات السابقة بين السورتين وحسب هذه الملاحظة التي سجلتها هو أنه لا يسعني إلا القول إن كلمة "مُلتحدا" التي تنتمي إلى سورة الجن تنتمي أيضا إلى قصة أصحاب الكهف. والآية 27 من سورة الكهف التي وردت فيها كلمة "مُلتحدا" هي آية من آيات القصة. وبناء على ما سبق، فإنه بإضافة الآية 27 من سورة الكهف إلى آيات القصة يكون مجموع هذه الآيات هو 19 وليس 18 كما اعتقد الأستاذ بسام جرار، وكما اعتقد معظم الباحثين؛ معتمدين في هذا الرأي على التوافق بين عدد آيات القصة 18 (من الآية 9 إلى 26) وبين رقم ترتيب سورة الكهف في المصحف الذي بلغ 18 أيضا. إلا أن التوافق 18 حسب هذه الدراسة التي قمت بها لا يزال قائما لكن عبرت عنه بطريقة جديدة وفق المعادلة التالية: 18=9-27 و 9 هو رقم آية بداية قصة أصحاب الكهف؛ و 27 هو رقم آية نهايتها؛ و18 هو الفرق بينهما، وكذلك 18 هو رقم ترتيب سورة الكهف في المصحف.وهنا من باب التذكير أقول إن التوافق العددي 309 في سورة الكهف الذي هو مدة مكث أصحاب الكهف في كهفهم بالسنين؛ قد استنتج منه الأستاذ بسام جرار أن الكلمة في القرآن قد تعني سنة أحيانا؛ لكن ماذا نفهم من التوافق 18؟ التوافق 18 حسب فهمي وفقا للمعادلة السابقة استنتجت منه رقم آية بداية القصة ورقم آية نهايتها؛ وحتى أظهر أهمية موضع البداية والنهاية قمت بعد حروف القصة فإذا بمجموعها يعطينا العدد 1443 حرفا؛ وحتى لا أستبق الأحداث –أو بالأحرى حتى لا أقدم نتائج مركبة في أبحاثي على نتائج أخرى أبسط منها- فإني هنا لا أريد أن ألح على أن العدد 1443 يشير إلى سنة 1443ه أي استنتاج قاعدة جديدة وهي أن الحرف في القرآن قد يرمز أحيانا لسنة؛ ولكني بالمقابل سأبرهن على أن العدد 1443 لم يأت بالصدفة بل هو مقصود وموافق لمراد الله سبحانه وتعالى، وإنما الاختلاف بيني وبين القارئ الكريم قد يكون في كيفية قراءته أي كيفية تفسيره وتأويله. وحتى أثبت أن هذا العدد لم يأت بالصدفة في القرآن الكريم قمت بتسجيل هذه الملاحظات: الآية رقم 1 في سورة الجن هي قوله تعالى: ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) الجن/1 . ومجموع كلماتها هو 13 . بينما الآية 28 والأخيرة من سورة الجن هي قوله تعالى: ( لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن/28 . وعدد كلماتها هو أيضا 13 كلمة.الآيتان إذن مترابطتان فما هو سر هذا الترابط؟الجواب على هذا السؤال يكمن في أن نربط بينهما في تفسير قوله تعالى: (وأحصى كل شيء عددا) الذي ورد في الآية 28 من سورة الجن. وبناء على ما سبق يمكن القول إن الآية 1 تتحدث عن النفر من الجن الذين استمعوا للقرآن؛ وبالتالي فالله سبحانه وتعالى أحصى كل شيء عددا في القرآن الكريم؛ أما تشابه عدد الكلمات الذي هو 13 فإنه ينبهنا إلى وحدة القياس أو الحساب التي هي "كلمة"؛ وبالتالي فأحد تفسيرات قوله تعالى: (وأحصى كل شيء عددا) الذي يمكن أن نستنتجه هو أن الله تعالى أحصى كل كلمة "شيء" مكتوبة في القرآن من حيث عدد حروفها. والآن تأمل أن كلمة شيء في القرآن الكريم تكتب في الرسم العثماني بحرفين فقط هكذا "شي" وتنطق "شيء" في روايات القرآن؛ إلا مرة واحدة في سورة الكهف كتبت بألف زائدة هكذا "شاي"؛ ثم تأمل أيضا أنها وردت بالضبط في آية من آيات قصة أصحاب الكهف، وهي الآية 23 وسأوردها هنا بالرسم العثماني: ( ولا تقولن لشاي اني فاعل ذلك غدا) الكهف/23 فتأمل كيف كتبت كلمة شيء. ثم تأمل كيف أن معنى الآية 23 يحتاج إلى معنى الآية 24 التي بعدها حتى يتم، وفي هذا إشارة قرآنية إلى ترابط الآيتين. وحتى أظهر معنى الآية 23 تاما سأوردها حسب القراءة القرآنية في سياقها، وذلك قوله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَاْيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(24))الكهف/23-24 . وهنا يمكن أن نلاحظ كيف أن الآية 24 تتحدث عن الاستعانة بالله تعالى لنيل هدايته المتمثلة في الاستزادة من المعلومات المتعلقة بأصحاب الكهف؛ وقد سمى القرآن الكريم معرفة هذه المعلومات "رشدا". فتأمل قوله تعالى بخصوص أصحاب الكهف ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) الكهف/17 . وتأمل أيضا أن عدد كلمات الآية 24 هو 17 كلمة (واو العطف في إحصاء القرآن الكريم يشكل كلمة بإدماجه مع الكلمة التي بعده). والمفاجأة هي أن عدد "حروفها غير المكررة" هو أيضا 17 . فتأمل كيف أن الآية 17 ارتبطت بالآية 24، وهذه الأخيرة ارتبطت بالآية 23 ليشير هذا الارتباط إلى أن كلمة "شاي" الواردة فيها كفيلة بزيادة الرشد حول قصة هؤلاء الفتية. إذن قصة أصحاب الكهف تبتدئ بألف "(ا)م حسبت..." وتنتهي بألف "...مُلتحد(ا)"؛ وفيها ألف زائدة "ش(ا)ي"؛ ومجموع حروف القصة هو 1443 حرفا. وهذه إشارة ربانية إلى أن العدد 1443 لم يأت بالصدفة بل أنزل الله سبحانه وتعالى الكتاب على رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يجعل له عوجا؛ وليس كما يقول البعض من أن اختلاف كتابة نفس الكلمة في القرآن دليل على أنه كلام بشر، والذين نسخوه زادوه تحريفا على تحريف. وعندما نعود إلى قوله تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)الكهف/27 . يمكن أن نسجل الملاحظات التالية: كلمة "واتل" في اللغة العربية تفيد القراءة والاتباع؛ أي اتبع واقتفِ أثر جزء مما أنزل إليك من كتاب ربك؛ وهو حسب فهمي آيات قصة أصحاب الكهف البالغ عددها 19 آية؛ لأن الله سبحانه وتعالى أغلق المجال على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سؤال البشر عن قصتهم وبخاصة أهل الكتاب ؛ ولكن أرشده بالمقابل إلى اتباع إرشادات ما نزل في شأنهم من القرآن الكريم؛ حيث قال عز من قائل: ( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا)الكهف/22 . وهنا نسجل ملاحظة أخرى عجيبة وهي أن الرقم 22 هو أيضا عدد "الحروف غير المكررة" في هذه الآية؛ وهو أيضا رقم الآية التي وردت فيها كلمة "مُلتحدا" في سورة الجن؛ وهذا يزكي الرأي الذي ذهبت إليه والقاضي بارتباط الآية 22 من الكهف بالآية 27 التي وردت فيها أيضا كلمة "مُلتحدا"؛ فالأولى فيها أمر بعدم سؤال الخلق حول أصحاب الكهف لأن جوابهم سيكون من خلال تخميناتهم ورجمهم بالغيب؛ والثانية فيها أمر باتباع الآيات القرآنية المتعلقة بهم لاستنباط معلومات جديدة بخصوصهم. ولما تأملت أن عدم تبدل الكلمات يعني أيضا عدم تبدل الحروف المكونة لها؛ وأن بداية القصة تبدأ بعبارة: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم). وكلمة (حسبت) قد تفيد الحساب أيضا بغض النظر عن حركاتها الإعرابية؛ وكلمة (الرقيم) تفيد الرقم أيضا على الأقل من حيث الاشتقاق، ووفقا لهذه الملاحظات والملاحظات السابقة، لن أقول إن العدد 1443 حرفا لم يأت بالصدفة فلا صدفة في كتاب الله عز وجل، ولكن أقول إن اختياري لآية نهاية قصة أصحاب الكهف - مخالفا بذلك كل من سبقني من العلماء والباحثين - لم يكن بالصدفة والتكلف؛ بل اعتمد ، كما بينت، على قرائن وأدلة من القرآن الكريم؛ ومن ينكر علي هذا عليه أن يقدم تفسيرا مقبولا لورود كلمة شيء في قصة أصحاب الكهف بألف زائدة (شاي)؛ ناهيك عن التشابهات الأخرى، والقرائن الأخرى التي لم أوردها في هذا المقال. فهل يمكن إذن أن يكون العدد 1443 يشير إلى سنة 1443ه ؟ هذا هو ما ستجيب عنه إن شاء الله دراستي للآية 121 من سورة النحل، والتي رقم ترتيبها في المصحف هو العدد 2022، علما أن 2022م هي السنة الموافقة لسنة 1443ه [email protected]