يشكل شهر رمضان المبارك بالنسبة للجالية المسلمة بفرنسا فرصة لاشاعة وابراز القيم النبيلة للاسلام، حيث تتعدد مبادرات الجمعيات والفاعلين من اجل التصدي للافكار الجاهزة في بلد يعرف نقاشا مفتوحا حول الاسلام. ولا شك أن السياق يبدو صعبا بعد الاعتداءات الارهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، في يناير الماضي ، مما يفتح الباب امام تزايد التوتر وخطابات الخلط بين الاسلام والارهاب، وهي وضعية تضر في المقام الاول بمسلمي فرنسا ، الذين يعانون منذ ذلك الحين من تنامي الاعمال المعادية للاسلام. وتعمل السلطات الفرنسية، الواعية بضرورة انجاح الاندماج التام لنحو خمسة ملايين مسلم بالبلاد ، على مضاعفة مبادراتها من اجل ضمان التعايش المنسجم، والتصدي لتطرف الشباب، كان آخرها اطلاق هيئة للحوار مع الديانة الاسلامية، عشية رمضان الابرك، وذلك ضمن اطار المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية.. ويعهد الى هذه الهيئة، التي تلتئم كل سنة تحت رئاسة وزير الداخلية، اطلاع الدولة على التساؤلات التي تطرحها الجالية المسلمة ، الموجهة الى الوزراء المعنيين، والمجلس الفرنسي للديانة الاسلامية، الذي يظل عصب هذه الهيئة الجديدة، من اجل تقديم أجوبة ملموسة. من جهتها كثفت جمعيات مسلمي فرنسا، مبادراتها الاجتماعية ، والتحسيسية، بمناسبة الشهر الفضيل، منتهزة هذه الفرصة ، لابراز القيم النبيلة للاسلام، خاصة التشارك والتسامح والتآخي.. ويتوخى هؤلاء الفاعلون من خلال مختلف الاعمال والمبادرات، الموجهة في غالبيتها الى الاشخاص المعنيين بغض النظر عن ديانتهم ،تقديم المساعدة للفئات الاكثر خصاصا، وبالتالي ابراز القيم الحقيقية للاسلام الوسطي، بعيدا عن الصورة التي يقدمها الجهاديون من جميع المشارب. وضمن هذه الروح اطلقت هيئة الاسعاف الاسلامي بفرنسا، على سبيل المثال، عملية رمضان 2015 الرامية الى التخفيف على المعوزين دون التمييز بين اصولهم ، او جنسهم او دينهم. وهي مبادرة تقوم بها هذه الهيئة كل سنة طيلة شهر رمضان المبارك كعنوان للتشارك والتآخي. وفي هذا الاطار أطلقت هذه الهيئة موائد الرحمان، وهي عبارة عن مقاهي تضامنية مفتوحة في وجه الجميع من صائمين وغير صائمين، تقدم حولي 27 ألف وجبة ، طيلة الشهر الفضيل.. كما ترسل، بتعاون مع رجال دين مسلمين، قفة غذائية لنحو 5500 سجين بعدد من المؤسسات السجنية عبر فرنسا، وتعدت أيضا مبادراتها التضامنية الرامية الى التخفيف من معاناة الفقراء ، حدود هذا البلد حيث استفاد منها سنة 2014 نحو 388 الف شخص بعدد من بلدان العالم. وعلى الرغم من أن أماكن عبادة المسلمين والجمعيات التي تسيرها، بجميع أنحاء فرنسا ، تنشط على نطاق محدود، لكنها تسير على نفس المنوال، ومن ضمنها الجمعية الثقافية المغربية لمسجد محمد الخامس بكولومب، التي توفر وجبات غذائية لنحو مائة شخص كل يوم في رمضان. في هذا السياق قال لحسن هيبة، المسؤول عن تجمع الجمعيات المغربية بهوت دو سين، أن الجمعية تنشط ايضا على مستوى التحسيس والتربية على القيم النبيلة للاسلام، خاصة تقديم دروس دينية مرتين في الاسبوع ،لفائدة المسلمين طيلة السنة، ومسابقات في ترتيل وحفظ القرآن الكريم، فضلا عن دروس في محو الامية والتربية الاسلامية.. ومن اجل اشاعة روح هذا الشهر المبارك ، المفعم بالتضامن والكرم، دعا اتحاد مساجد فرنسا مسلمي هذا البلد الى تقديم الدعم الى أولئك الذين يعملون يوميا على مكافحة الفقر في العالم.. وحث محمد الموساوي، رئيس المجلس بالمناسبة ، مسلمي فرنسا الى انتهاز الاجواء الروحانية لشهر رمضان المبارك للدعاء من اجل السلام والوئام بين الشعوب والامم. والى جانب جهود المؤسسات والجمعيات، يعمل الكثير من المسلمين، من خلال حياتهم وسلوكاتهم اليومية، على ابراز القيم النبيلة للاسلام ، عبر نزاهتهم ، وتفانيهم في العمل، بالرغم من الصعوبات المرتبطة، بطول ساعات الصيام ، وارتفاع درجات الحرارة.. ولا شك أن أجواء التقوى والايمان تميز الجالية المسلمة بفرنسا خلال هذا الشهر الفضيل، فضلا عن الخصوصيات الدينية والثقافية التي تشكل مصدر غنى في بلد تجد فيه القيم النبيلة للاسلام مكانتها. * و.م.ع