لمْ تثنهم شمسُ الصبَّاح، التي ألفوهَا بعدَ تشريدهم منْ دُور صفِيح كانُوا يسكنُونها في حد السوالمْ، عنْ المرابطَة أمام مبنَى البرلمان، في الرباط، حيثُ احتجُّوا بصغارهم وكبَارهم، على ما اعتبرُوه "خرابًا" نزلَ بهم، على حِين غرَّة، ودُون إخطَارهم مسبقًا من لدنِ السلطات بعملية الإفراغ. ملتحفةً بالعلم الوطنِي، تقدمتْ إلينا السيدة الخمسينيَّة، حفيظة صراخ، لتحدث عنْ مئات دُور الصفيح، في دوار البراهمة بسيدي رحال، التابعة لعمالة برشِيد "ثلاثمائة براكة بالتمام والكمال، فيها العجزة والأطفال والنساء، بوغتُوا، مؤخرًا، بمجيء السلطات وشروعها في طردهم، حتى أنَّ هناك منْ مضى إلى عمله في السابعة صباحًا وعادَ ليجد بيتهُ أنقاضًا". أمَّا منْ كانُوا في دورهم فتقُول حفيظة إنَّ وضعهم لمْ يكن أفضلَ، بحيث جرى تخييرهم كما تقُول، بين المغادرة طوعًا، أوْ الرش بغاز الكريمُوجِين، وهو ما حال دُون التحاق الأبناء بمدارسهم حتَّى اليوم، وسطَ ضبابيَّة تلفُّ ما سيؤُول إليه وضعهم. المحظُوظُون كما تقُول المتحدثة، لجؤُوا إلى بيوت أقاربهم أوْ معارفهم ريثمَا تفرجُ، بالرُّغم ممَّا في الأمر من حرج وتضييق، أمَّا منْ لا سبيل لهم إلى مزاحمَة ذويهم في البيوت، فإنَّهم لا يزالُون فِي العرَاء، دُون مأوى "لمَّا طرقنا باب المسؤُولين أخبرونا أنَّ الأوامر صادرةٌ من جهات عليَا وأنَّ ما بيدهم شيئًا يسدُونه لنَا". "بحر الأسبوع الماضي، قررنا أنْ نخوضَ اعتصامًا أمام عمالة برشِيد، بالرُّغم منْ عدم توقف المطر عنْ الهطُول، لكنَّهم جاؤُوا وصادرُوا حتى البطانيَّات التي تدثرنا بها، لترك البرد يتولَى مهمَّة إبعادنَا، بعدما طردنا من الدُّور خارج القانون الذِي يفترضُ أن تتم به المسألة". ولفتت المتحدثة إلى معاناةٍ صحيَّة باتَ يكابدهَا السكان، إثر التشرد وهي تشيرُ إلى رجلٍ مسنٍّ بجانبها اعتلتْ وجههُ سمرةٌ باديَة، "لوْ كان النَّاس فقطْ على دراية بمجيء السلطات، لأعدُّوا للأمر، لكنْ لمْ يفطنُوا إلَّا وقدْ صار كلُّ ما يملكُون في الحياة، على بساطته، تحت الأنقَاض". واستنجدَ المحتجُّون بالملك محمدٍ السَّادس، لإيجَاد حلٍّ لوضعهم، قائلًا إنَّ مأساتهم لمْ تتوقف عند الطرد وفتح باب حياتهم أمام المجهُول، بقدر ما ساءهم أنْ يعنَّفُوا ويرشُوا بغاز الكريموجِين "كمَا لوْ لمْ نكُن بشرًا. ما عادَ شيءٌ أمامنا سوى أنْ نواصل الاحتجاج"، تستطردُ المتحدثة بنبرة قويَّة، ونساء منهكات من رفع الشعارات يتحلقنَ حولها، ويشدن برباطَة جأشها.