بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع        ابتدائية تارجيست تصدر حكمها في ملف نور الدين مضيان ورفيعة المنصوري    النفط يتجه نحو تسجيل أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2020    وهبي يكشف ملامح الخلاف مع المحامين ويرحب بالحوار بشأن قانون المهنة    دعم 56 مشروعا في مجالات الموسيقى والأغنية    كأس إفريقيا للأمم.. الكعبي يؤكد مكانته كلاعب أساسي في صفوف أسود الأطلس (لوفيغارو)    جهة الدار البيضاء–سطات.. التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي واعد    أحكام قضائية في حق 25 متهماً على خلفية أحداث شغب رافقت احتجاجات "جيل زد" بمراكش        " حلاق درب الفقراء" في ضيافة جمعية إشعاع للثقافات والفنون بالعرائش    العام الجديد 2026 يحل بنيوزيلندا    المديرية العامة للضرائب تصدر نسخة 2026 من المدونة العامة للضرائب    المكتب الوطني للمطارات .. حماس كأس إفريقيا للأمم يغمر مطارات المملكة    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. نجاح كبير للمنتخبات المغاربية    المغرب يستقبل سنة 2026 بأمطار وزخات رعدية وثلوج على المرتفعات    نقابة نتقد تعطيل مخرجات المجلس الإداري لوكالة التنمية الاجتماعية وتحذر من تقليص دورها    نمو الاقتصاد المغربي يسجل التباطؤ    رحم الله زمنا جميلا لم ينقض بالهم والحزن    وفاة الممثل "أيزيا ويتلوك جونيور" عن 71 عاما    ارتفاع "الكوليسترول الضار" يحمل مخاطر عديدة    شغيلة جماعة أولاد أكناو تحتج ببني ملال وتلوّح بالتصعيد بسبب تجميد المستحقات    حصيلة نظام الدعم الاجتماعي المباشر بلغت 49 مليار درهم (فتاح)    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    التهراوي: نموذج المجموعات الصحية الترابية سجل مؤشرات إيجابية على العديد من المستويات    الدنمارك أول دولة أوروبية تتوقف عن توصيل الرسائل الورقية    "المعاملة بالمثل".. مالي وبوركينا فاسو تفرضان حظرا على سفر مواطني الولايات المتحدة        كأس إفريقيا للأمم تغير "صناعة اللعب"    سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس    تقرير: تراجع وفيات الأطفال وارتفاع الالتحاق بالتعليم المبكر في الصين        ثمن نهائي كأس إفريقيا.. اختبارات صعبة للجزائر وتونس والسودان وفي المتناول للمغرب ومصر    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك    المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب خلال نونبر 2025 رغم تراجع بعض القطاعات    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    الجديدة 10 أشهر حبسا نافذا في حق يوتوبر بالجديدة    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب "الفقهي والفكري" جريمة
نشر في هسبريس يوم 02 - 04 - 2015

روى الإمام أحمد وابن حبان والطبراني عن سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أخْوَف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليمِ اللسان".
وروى أحمد وابن أبي شيبة والروياني والطبراني والبيهقي عن جماعة من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثر منافقي أمتي قراؤها".
وروى الحاكم في التاريخ ، بإسناد ضعيف ومتن حسن بالشواهد ، عن مولانا ابن عباس رفعه: "ويل لأمتي من علماء السوء" .
هذه أحاديث صحيحة أو حسنة، تشير بوضوح إلى خطورة انحراف علماء الدين عن وظيفتهم الجليلة وأخلاقهم النبيلة.
ومن أقبح الجرائم والموبقات التي أهلكت الأمة على أيدي العلماء: ممارسة الإرهاب الفقهي / الفكري / العلمي.
ونعني به استبداد غالب (الفقهاء) بتمثيل الفهم الصحيح للقرآن والسنة بل والتاريخ، واجتهادهم في محاربة كل رأي يخالف المستقر عندهم، ولو كان صاحبه محقا وموافقا للسلف الصالح من الصحابة، بل ولو كان قوله معتمدا على واضح القرآن وصريح السنة.
ويوغل بعضهم في الإرهاب الفكري، فيكفرون ويضللون ويبدعون المخالف، ويدعون الناس إلى عدم سماعه أو قراءة كتبه، فيتعطل البحث والاجتهاد، ويخشى الباحث الموضوعي والعالم المجتهد ، فتبقى جماهير الأمة مستحمرة مستغفلة من قبل طبقة الإكليروس الإسلامي.
إن تهم التشيع أو الإلحاد والزندقة والضلال سيوف مشهرة في أيدي (رجال الدين) لقطع رقاب أصوات المفكرين الأحرار، والمجتهدين الأطهار، والباحثين عن ضوء النهار، بعد قرون من الغفلة والاستحمار.
وإن رجال الدين المسلمين يسيرون ، منذ قرون ، على نفس خطى أحبار اليهود ورهبان النصارى قبل عصر الأنوار والثورة على الأديان بسبب ممارسات رجالاتها العميان.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بذلك حيث قال في الحديث الصحيح مقسما ومؤكدا: "والذي نفسي بيده، لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعًا بذراع وباعا فباعا، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ أهل الكتاب؟ قال: " فمن"؟. رواه أحمد والشيخان.
ومن تحريف علماء الدين المعاصرين لهذا الحديث، أنهم يحملونه على تشبه عامة المسلمين اليوم بالأوربيين في بعض الشكليات كاللباس.
وقبح الله فهما مثل هذا، فالأوربيون ليسوا يهودا ولا نصارى حتى يحمل الحديث على التشبه بهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقصد أمورا هينة مقارنة بفضائحنا التاريخية المستمرة كالاقتتال بين طوائفنا ومذاهبنا ، وتكفير بعضنا بعضا، وتبديع بعضنا بعضا.
فالحديث المذكور يفسره قوله صلى الله في الحديث الآخر الصحيح عند أحمد وأبي داود وابن ماجه وغيرهم: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً».
فاليهود والنصارى افترقوا على أيدي الأحبار والرهبان إلى فرق متحاربة باسم الدين، والأمة افترقت ولا تزال على أيدي العلماء والفقهاء إلى مذاهب متشاكسة، وطوائف متحاربة.
نعم، كان الخلاف في البداية سياسيا بين المسلمين على عهد الخليفة الثالث سيدنا عثمان رضي الله عنه، وتعمق أيام مولانا علي بن أبي طالب بسبب الانقلاب والتمرد المسلح الذي قاده معاوية بن أبي سفيان، رحمه الله وغفر له.
ثم تحول الخلاف إلى انحراف في نظام الحكم لما استولى معاوية بطريقة غير شرعية على السلطة، وحكم الأمة بطريقة هرقلية كما قال له سيدنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وبعد انحراف نظام الحكم ، وتمكن بني أمية من السلطة ، بدأت بوادر الفرقة في الدين تظهر على أيدي العلماء/ رجال الدين.
ثم تطور الأمر شيئا فشيئا حتى كانت المذاهب والملل والنحل سمة تميز الأمة وتشق صفوفها ، ويستغلها الأعداء كما يحصل اليوم بين السنة التعساء والشيعة البلهاء.
وما كان لذلك أن يتم لولا الإرهاب الفقهي الناتج عن الإرهاب السياسي.
فالعالم المتحرر عندما يواجه بالتكفير والتبديع من قبل رجال الدين المتعصبين للمسلمات غثها وسمينها، يضطر إلى نشر أفكاره بطريقة سرية بين تلامذته المقربين، فيتحول الأمر شيئا فشيئا إلى تنظيم سري، يصبح بعد حين فرقة كبيرة لها منطلقاتها وقواعدها، تتربص اللحظة المناسبة لتخرج إلى الأمة حزبا سياسيا ذا مرجعية دينية، يصارع غيره من الأحزاب لأجل البقاء.
هذا ما حصل مع جميع الفرق والمذاهب والطوائف التي عرفتها الأمة عبر تاريخها، والسبب استبداد الساسة ثم إرهاب فقهاء النجاسة.
وهل أدرك علماؤنا الدرس والعبرة؟
كلا ورب الكعبة.
فالاضطهاد الفكري والاستبداد العلمي والإرهاب الفكري اليوم، أشد على الأمة من أي وقت مضى.
انظر إلى الحملة المسعورة على الدكتور عدنان إبراهيم مثلا، فالرجل زنديق عند قوم، شيعي عند آخرين، طامح في الشهرة كذاب عند طائفة.
إنني أخالف الرجل في كثير من آرائه وأبحاثه، فهو كغيره من الباحثين يخطئ ويصيب، يتذكر وينسى، يحقق ويتكاسل، لكنه لم يخرج عن دائرة أهل السنة، فمراجعه وقواعده سنية بامتياز، وله في جل مواقفه سلف سابق من السنة.
وقبله، نال الشيخ القرضاوي حفظه الله وغيره من العلماء والدعاة حملات من الطعن والتشهير والتبديع.
يحصل كل ذلك على أيدي الموصوفين بالعلماء والفقهاء والدعاة، وهؤلاء أصحاب معلومات لا علماء، لأن " العلم " يعني في لغة القرآن والحكمة النبوية الجمع بين المعرفة الدينية والخلق الحسن والربانية القلبية.
كان الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله مجتهدين من بين عشرات بل مئات المجتهدين، وما كان يخطر ببال أحدهم أن يفرض مذهبه على جزء من الأمة يوما، ثم يتخذ مذهبه المنتقى المعدل على يد المختصرين والمهذبين، وسيلة لإرهاب العلماء المتحررين من داخل المذاهب الأربعة وخارجها.
لكن التاريخ يخبرنا أن الإرهاب الفقهي تحالف والإرهاب السياسي، ففرضت المذاهب الأربعة، وأقصي كل اجتهاد من داخل المدرسة السنية، ومنع النقد العلمي لما لخصه الفقهاء المتأخرون بعد غلق باب الاجتهاد.
ولم تتعايش المذاهب الأربعة فيما بينها فانفرد كل جزء من الأمة بأحدها، بعد صراعات ودماء وتكفير متبادل.
وهل ينكر علماؤنا أن الشافعية كانوا يحرمون الزواج بالحنفية وكذلك العكس، في حين يبيحون نكاح اليهودية والنصرانية؟
وهل يستطيعون إنكار تعدد المحاريب في الجامع الأزهر إلى عهد قريب ، حيث كان لكل مذهب محرابه وإمام صلواته.
هل كان هذا من إبداع الفقهاء المتعصبين أم صنيعة العامة ؟
إن الإرهابين السياسي والفقهي سبب غزو التتار وحروب الصليبيين والاستعمار من بعدهما.
فالإرهاب بنوعيه جريمة وظلم في حق الأمة ، والظلم مؤذن بخراب العمران كما قال ابن خلدون رحمه الله.
والله تعالى يغضب على الأمة إذا انتشر فيها الظلم بكل أنواعه، فيسلط عليها أعداءها حتى تستفيق ، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الحاكم وغيره، وفيه: ( يا معشر المهاجرين، خمس إن ابتليتم بهن و نزلن فيكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعملوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم يكن مضت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، و لم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم من غيرهم وأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا ألقى الله بأسهم بينهم )
وقد نقض جل العلماء عهد الله ورسوله حين مارسوا الإرهاب على إخوانهم العلماء المتحررين من التقليد والتعصب، وحين تحالفوا مع إرهاب الحكام ضد كل المخالفين.
وما دام الإرهابان متحالفين، فالعدو متمكن مسلط على رقاب المسلمين، يوقد نيران الحروب بين شعوبهم، ويستنزف خيراتهم الظاهرة والباطنة.
*باحث متخصص في علوم الحديث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.