تبعا لعرض الوزير"الشاب" المكلف بقطاع السياحة، السيد ياسر الزناكي، الذي بسط خلاله الأبعاد المندمجة للإستراتيجية الوطنية للسياحة و التي تتمحور حول الخصائص الثلاثة المكونة لها و المتمثلة في دعم السياحة البيئية والثقافية واعتماد مفهوم الحكامة و كذا وضع مقاربة متجددة للتنمية المستدامة في إطار رؤية بعيدة المدى تتغيا استقطاب 20 مليون سائح في أفق 2020. وبما أن أكثر من 50 في المائة من المداخيل المسجلة في قطاع السياحة يساهم بها أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج خلال مقامهم بالمغرب، ومادامت بلادنا تسعى، عبر بلورة سياسات عامة مندمجة لخلق تكامل بين مختلف الفاعلين في الشأن العام من أجل النهوض بأوضاع البلاد والعباد، ومادام العرض السياسي المنتظر يستجيب في أحد أركانه لأحد المتطلبات الملحة للأجيال الجديدة من الجالية المغربية المقيمة بالخارج والمتمثل في رغبتهم الأكيدة للتعرف تاريخ وثقافة وطنهم الأم، فإن الإدماج العضوي لبعد الجالية في تنفيذ مضامين هذه الإستراتيجية الجديدة ستمثل لا محالة أحد مقومات نجاحها. فانطلاقا من أهمية الأدوار النوعية التي يضطلع بها العامل الثقافي بمختلف مكوناته التراثية والفنية والأدبية في تقوية جسور الروابط بين الأجيال الناشئة بالمهجر ووطنها الأم، فالحكومة الحالية مدعوة إلى اعتماد المقاربة الأفقية والعمودية بهدف تحقيق تنسيق أمثل و تظافر جهود جميع المتدخلين في قطاع السياحة لخلق عروض متكاملة "Packages تتمحور حول تنظيم أسفار إلى المغرب تتضمن برامج ترفيهية وكذلك ثقافية لفائدة شباب الجالية المغربية المهاجرة، تكون فرصة للتعرف على الثقافة المغربية الأصلية والاحتكاك المباشر معها. فغني عن البيان أن منافسة بعض الوجهات السياحية الدولية المعروفة لجلب السياح المغاربة المقيمين بالمهجر تظل من أكبر التحديات التي يجب مواجهتها. لكن بتذكير بسيط لما تتميز به بلادنا من موروث ثقافي وغنى حضاري وثروات طبيعية وسياحية فريدة يمكننا من رفع هذا التحدي على المستوى الإقليمي والدولي. فإذا كانت الوجهة الكلاسيكسة التركية تقدم منتوجها السياحي الموصول بإرثها التاريخي العثماني، فإنه لا يصل في أصالته وعراقته وبنيانه العمراني لموروثنا التاريخي، لكون الأمة المغربية لها امتداد لأكثر من 13 قرن ومساهمات جليلة في الحضارة الكونية. فيما ماربيا الإسبانية أو جزر المالديف... التي تعتمد على منتوج سياحي ساحلي، فإن التنوع الجغرافي المتميز لبلادنا لقادر على توفير منتوج سياحي متنوع، ساحلي وجبلي في نفس الفضاء، خصوصا بالشريط المتوسطي (الحسيمة) والتي يمكن الإرتقاء بها واستثمار جمالية جغرافيتها التي تمزج بين منخفضات البحر ومرتفعات الجبل أفضل من ساحل الأزور الفرنسي la Côte d'Azur. فيما يخص تونس المتميزة بتقديم عروض سياحية بأثمنة جد منخفضة واستثمار مناطقها الصحراوية، على قلتها، فيمكننا منافسة هذه الوجهة المغاربية على مستوى الأثمان بدمقرطتها وتعميمها عبر المراهنة على الإكثار من عدد المستفيدين وتنويع منتوجنا السياحي بإستغلال أنجع لسواحلنا الصحراوية مع مزجها بالخدمات الصحية التي توفرها رمال موقع "مرزوكة" المعروف عالميا شرط تأهيل بنياته التحتية لتكون مناسبة لمطالب السياح واحتياجاتهم مع تنويع البرامج الترفيهية الموازية وتحسين جودة الخدمات المعروضة. وكما وصف الملك محمد السادس في أحد خطبه أ الجالية المغربية المقيمة بالخارج باعتبارها رافعة أساسية للإقتصاد الوطني، و تجسيدا لقناعة المسؤولين الحكوميين المغاربة بضرورة إشراك الجالية المغربية في تحقيق المشروع الوطني الحداثي والتنموي، فإن انخراط مغاربة العالم في هذا المخطط الإستراتيجي الكبير ممكن تحقيقه عبر تعبئة الطاقات المغربية بالخارج والاستفادة من خبراتها ومعارفها في المجال السياحي داخل أرض الوطن، أو انطلاقا من بلدان الإقامة وتطوير مساهمتها عبر تنظيم تدخلاتها ومأسستها، لضمان فاعليتها واستمراريتها، حتى لا تبقى رهينة مبادرات أحادية. وذلك بإعمال برنامج وطني قائم الذات تتظافر وتتكامل فيه الجهود وترصد له الاعتمادات المالية الضرورية لجعل هذه المساهمة دعامة أساسية للإقتصاد الوطنيوترسيخ دورها في تحقيق التنمية المستدامة. وكذلك يجب النهوض بالعمل الجمعوي لمغاربة العالم الفاعل في مجال التنمية المحلية بتأهيل قدراته التدبيرية للمساهمة الفعالة في إنجاز، بشراكة مع السلطات المحلية الوصية، لمشاريع مختلفة للتنمية المشتركة في مجال السياحة الجبلية و القروية، مع ضرورة تأهيل الآليات المالية العمومية المكلفة بتمويل ومواكبة استثمارات المهاجرين المغاربة. كما يجب كذلك استثمار جيل جديد من المنتوج السياحي المتمثل في استضافة عائلات من مدن مغربية عتيقة لسياح أجانب برفقة ذويهم مع تقديم الخدمات الأساسية في المستوى الموجود بالفنادق المتوسطة التصنيف، لذا يجب تكثيف وإشراك مغاربة العالم للترويج لهذا المنتوج الجديد ذو البعد الإجتماعي والحضاري مع تنويع التنشيط الثقافي عبر تنظيم برامج ثقافية متنقلة، وتكثيف التبادل الثقافي بين شباب المهجر وأشقائهم بالداخل، مما سيجعلهم سفراء للتعريف بالموروث الثقافي و الحضاري المغربي ببلدان الإقامة، وهو ما سيساعد على جلب عدد أكبر من السياح الأجانب المنحدرين من هذه البلدان. لا يجب إغفال الدور البيداغوجي الحيوي لإيجابيات المنتوج الثقافي الوطني والتعريف بتاريخ المغرب من زمن السكان الأصليين من أمازيغ إلى تشكل أول دولة مغربية على يد المولى إدريس الأول حتى العهد الجديد، و التذكير كذلك بالتأثير الإيجابي للثقافة المغربية بمختلف تلاوينها في إغناء ثقافات العالم و ودعم مجموعة من الأنشطة الثقافية الداعمة لتقوية جسور التواصل مع مواطني المهجر وتعزيز روابط الأجيال الناشئة بوطنهم الأم، سيمكنهم من اكتمال مقومات هويتهم الأصلية مما سيرفع أكثر من هممهم ويمكنهم من اندماج أفضل ببلدان الإقامة وهم فخورون بثقافتهم الأصلية المغربية ذات الأبعاد الإسلامية واليهودية والعربية والأمازيغية كعنوان للتسامح والتعايش الإيجابي بين مكونات متنوعة. وهو ما سيبعدهم تدريجيا عن خطر الإرتماء بين أحضان المجموعات الظلامية و إحباط مخططاتها وتصوراتها العدمية لكونها تستغل إحساسهم بالإقصاء والتمييز السلبي ببلدان الإقامة وتوظف أرضية فكرية غير متسامحة ومدثرة بخطاب مقدس يراد به باطل لإحتواء وإشعال فتيل غضبهم، مما يعمق الخندق بينهم وبين المواطنين الأصليين لبلدان إقامتهم. وكلنا نتذكر بمرارة الإنعكاسات السلبية على مواطنينا بهولندا بسبب فعل إجرامي طائش ومنفرد لمواطن هولندي من أصل مغربي عند إغتياله للمخرج الهولندي المعرف فان جوخ، متأثرا بفتاوي منظري الإرهاب، متوهما أنه يدافع عن الدين الإسلامي وهو منه براء. وبذلك فقد أهدى فرصة ثمينة لليمين المتطرف للنجاح في الإنتخابات التشريعية الهولندية. في الختام، نود التأكيد على ضرورة قيام السلطات الوصية وجميع المتدخلين بتنظيم العديد من اللقاءات التواصلية و التحسيسية بالداخل و الخارج، وكذا تنظيم قافلة مندمجة، تمر عبر كبريات العواصم الأوروبية، لتمكين المغاربة المقيمين بالخارج من التعرف المباشر على ثقافة وحضارة المغرب بمختلف مكوناتها وأشكالها، والتعريف بالأوراش الاقتصادية والتنموية والفرص الاستثمارية المتوفرة والموصولة بالمجال السياحي، و كذا تشجيع المغاربة المقيمين بالخارج إلى المساهمة الفعالة في دعمها وتحقيقها. كما يجب خلق فضاءات للحوار بين المهاجرين المغاربة بعضهم البعض، وبينهم وبين مختلف المتدخلين العموميين وفعاليات المجتمع المدني وهيئات القطاع الخاص وإعطاءهم الفرصة للتعرف على المغرب وللسياحة واكتشاف البلاد ولزيارة المعالم التاريخية التي تزخر بها. وهذا هو السبيل لإفراز إقلاع جماعي وحقيقي يساير التطورات المتلاحقة والتحولات النوعية التي مست الجاليات المغربية بالخارج في مختلف أبعادها ومكوناتها ، كما يستجيب للتطلعات المشروعة والاحتياجات المتجددة لمغاربة المهجر. كما سيمكن الحكومة المغربية من إدراج الجهود التضامنية والمبادرات التنموية للجالية المغربية في سياق التوجه العام لبرامج التنمية المستدامة وفق حكامة جيدة كما تهدف لذلك للإستراتيجية الوطنية للسياحة "رؤية 2020" .