"لا يحس بمعاناتنا إلا من ذاق الإعاقة مثلنا، أو عايشنا عن قرب"، بهذه العبارة استهل خالد حديثه حول واقع ذوي الاحتياجات الخاصة، مردفا أن "فئة المعاقين تعاني في صمت، وحتى إن جهرت بمعاناتها فلا تكاد تسمع إلا عددا محدودا من المحسنين أو المشفقين، وفي أحسن الأحوال بعض الفعاليات المجتمعية التي تجود على المعاقين بصدقات على شكل مساعدات ذات مفعول مؤقت أو لحظي". إعاقة جسدية وتهميش مجتمعي خالد المصاب بشلل في القدمين أفقده القدرة على المشي أكد أن "الخطابات الرنانة من قبيل مساعدة المعاقين وإدماجهم وإعطائهم الأهمية اللازمة في مختلف المجالات... تبقى حبرا على ورقِ الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين والمراسيم، ولا يصلنا منها إلا الشيء القليل والنادر، وذلك في غياب استراتيجية واضحة لإعطاء قيمة لفئة تعاني من فقدان بعض الحواس أو الوظائف الحيوية، وفي نفس الوقت تعيش الإهمال والتهميش على عدة مستويات". وفي سياق مرتبط، أشار ذات المتحدث إلى أن المحظوظين من المعاقين، حسب علمه، هم الذين وجدوا طريقا إلى الإعلام والصحافة، وتمكنوا من إيصال معاناتهم إلى ذوي القلوب الرحيمة في صورةٍ بعضُها مُذل وبعضها يثير الشفقة، حيث يتوصلون بعد ذلك بمساعدات مادية تجنبهم بعض المشاكل المعيشية اليومية والمؤقتة، أو يحصلون على مساعدات طبية تخفف من حدة إعاقتهم الجسدية، في الوقت الذي لم يكونوا قادرين على إجراء عمليات وفحوصات بسبب قلة حيلتهم. التسول باسم المعاقين فريد لوستيك أحد الأشخاص ذوي إعاقة جسدية، أكد أن ملفهم طفا على السطح منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، حيث أعطى إشارات قوية للاعتناء بالمعاقين الذين يفوق عددهم المليون والنصف بالمغرب، إلا أنهم لا يزالون يعانون التهميش وغياب استراتيجية حقيقية تعتمد على المقاربة الحقوقية، حتى تنعم فئة المعاقين وتتمتع بحقوقها، خاصة بعد مصادقة المغرب على اتفاقيات دولية تلزمه بإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة في كل السياسيات العمومية. وأشار لوستيك إلى أن دراسات التحالف من أجل النهوض بالأشخاص في وضعية إعاقة، أثبتت أن تهميش المعاقين وعدم إدماجهم في المجتمع بمقاربة حقوقية يكلف الدولة ماديا أكثر من عدم إدماجهم، مؤكدا أن تكريس المقاربة الإحسانية في أذهان العائلات تدفع بعض الانتهازيين للاستفادة من الوضع، وتسيل لعاب جمعيات تتسول على حساب ذوي القدرات الخاصة، مشيرا إلى أن هناك جمعيات جادة تؤمن بقضية الأشخاص في وضعية إعاقة وتتفانى في الدفاع وكسب المزيد من الامتيازات لهم والترافع عنهم مهما كلّف الأمر. الإعاقة داخل الوطن وخارجه وعن وضعية الأشخاص ذوي إعاقة وطنيا ودوليا، أوضحت نزهة الوافي عضو بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أن العناية بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أصبحت متنامية من طرف المنتظم الدولي، الذي نص على حقوقهم في مواثيقه، وأنشأ لهم هيئات، وخصص لهم ميزانيات، وفرض على الدول إدماج العناية بهم في سياساتها العمومية وفي قوانينها، وهو ما يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة المغربية لهذه الفئة. وأشارت ذات المتحدثة قائلة إلى أن مقارنة وضعية تلك الفئة في المغرب مع قريناتها في الدول الأوربية أو الغربية عموما، يكشف فرقا كبيرا، مؤكدة أن الغرب نجح في الاشتغال على حقوق الأشخاص ذوي إعاقة منذ مدة طويلة، وأصبحت ثقافة العناية بهم ثقافة مجتمعية شاملة، كما صارت حاضرة في الإدارات والإعلام والتعليم وباقي مناحي الحياة، مضيفة أن "المغرب يخطو خطوات كبيرة وواضحة في اتجاه إنصاف هذه الفئة، إلا أن مسارا طويلا لا يزال ينتظره"، وفق تعبير الوافي. تهميش واستهزاء واستغلال عبد الرحيم مفكير رئيس جمعية أبي شعيب الدكالي للأشخاص المعاقين، يرى أن حاجيات المعاقين متداخلة في شقها القانوني المطلبي الذي هو من اختصاصات المجالس المنتخبة والعمالات، والتي من شأنها حفظ كرامة هذه الفئة ومساعدها على الاندماج في سوق الشغل والإيمان بقدراتها وطاقاتها والتنصيص على قوانين لحفظ الحقوق، إلى جانب الشق المجتمعي المعنوي الذي يهتم بهذه الفئة ويؤهلها فكريا وعلميا ويلبي طلباتها، كما أن على الدولة، يضيف مفكير، أن تمنحهم موردا للعيش الكريم نظرا لأنهم لا يستطيعون الشغل ولا القيام بأية وظيفة نتيجة عجزهم الكلي. وأوضح مفكير أن التعامل مع هذه الفئة طُبع، في فترات سابقة، بكل أنواع التهميش والإقصاء والاعتقال داخل البيوت، وكان الآباء يخجلون من إظهار ابن لهم أو ابنة تعاني إعاقة جسدية أو حركية أو ذهنية، ونسجت المخيلة الشعبية حولهم أمثالا سيئة، ووسمتهم بأبشع الصفات حتى من طرف ذويهم، كما هُمشوا داخل الفصل الدراسي، وأقصي أغلبهم، ولم تجد فئة المكفوفين ولا الذهنيين من يتكفل بهم، فحاول البعض معالجة هذه المشاكل بالعطف والحنان المصطنع أحيانا عوض التفكير في الإدماج الحقيقي، مردفا أن "السنوات الأخيرة حققت قفزة نوعية في حسن التعامل مع هذه الفئة". ورغم تأكيد مفكير على قدرة شريحة كبيرة من المعاقين على تجاوز الإعاقة والنظرة الدونية بتقديم خدمات مجتمعية لا تقدر بثمن، فلم يُنكر عجزَ عدد كبير من منهم عن الاندماج في المجتمع جراء إشكالية التنشئة الاجتماعية التي تلقوا من خلالها تربية إقصائية وتهميشية، مشيرا إلى أن "بعض الجمعيات العاملة في الحقل المدني والتي تشتغل على الإعاقة للأسف تحولت إلى جمعيات انتهازية ترقص على جراح ومعاناة هذه الفئة وتستغلها وتغتني بها بطرق غير مشروعة".