بوريطة: الكرة في ملعب الإتحاد الأوربي للدفاع عن الشراكة مع المغرب ضد الابتزاز (+فيديو)        انعقاد مجلس للحكومة يوم الخميس المقبل        "الاتحاد المغربي للشغل" يقدم للحكومة ملاحظاته على مشروع قانون الإضراب ويرفض تقييد وتجريم هذا الحق الدستوري    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    نظام الجزائر يرفع منسوب العداء ضد المغرب بعد الفشل في ملف الصحراء    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي        انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية العلاقة بين الأدب والنقد
نشر في هسبريس يوم 20 - 02 - 2015

إن علاقة الأدب بالنقد أحد أكثر المواضيع معالجة وتمحيصا ودرسا، ذلك أن العلاقة الجدلية، التي تربط بين الطرفين تتطلب الكثير من الأبحاث والدراسات النظرية والتطبيقية، ناهيك عن أن وجود أحدهما شرط لوجود الآخر، فلا وجود للنقد بدون نص أدبي.
يعتبر موضوع لعلاقة بين الأدب والنقد أو بين الأديب والناقد أحد أكثر المواضيع معالجة وتمحيصا ودرسا، ذلك أن العلاقة الجدلية، بلور بما الإشكالية التي تربط بين الطرفين تتطلب الكثير من الأبحاث والدراسات النظرية والتطبيقية، ناهيك عن أن وجود أحدهما شرط لوجود الآخر، فلا وجود للنقد بدون وجود نص أدبي، كما لا يمكن أن نتخيل وجود نصوص أدبية إبداعية من دون قلم الناقد، فهذا أمر بات من البديهيات بمعزل عن مستوى النص الأدبي وكذلك بمعزل عن مستوى النقد المواكب له.
يقول الناقد والأديب د. حسين رحيم الحربي: قبل أن نناقش علاقة النقد بالأدب لا بد لنا أن نشير إلى أن وجود الأدب سابق لوجود النقد، وقد يوجد الأدب ولا يوجد نقد، كما في الشعر الجاهلي مثلا، فقد بلغ الشعر ذروته وأوجه والنقد يكاد يكون معدوما أولا يذكر في تلك الحقبة الزمنية. وقد يعزو البعض تأخر النقد عند العرب بقولهم إن الأدب ظاهرة عاطفية تعبر عما يختلج في نفس الإنسان وما تعتريه من عواطف، وبذلك يكون الأدب رد فعل عاطفي، أما النقد من وجهة نظرهم فهو حالة عقلية منطقية في كثير من أوجهها وظروفها.
مازال الأدب العربي المعاصر والنقد الأدبي يشكوان من عدم ظهور قامات نقدية تطاول الأخرى في سائر الفنون الإبداعية لهذا الأدب، وإذا كانت الأسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة المستحكمة تختلف باختلاف زوايا النظر وتتعدد الآراء، فإن من الأسباب الرئيسية لهذا القصور سببين مهمين:
أولهما: غربة هذا النشاط الإبداعي عن حاضنته الاجتماعية وسياقاته الحضارية ليبدو في صورة نشاط متعالي فوقي. وثانيهما: افتقار بيئاتنا لمستلزمات إعداد الموهوبين من المهتمين بالأدب ليكونوا نقاد المستقبل، بدءا بقاعة الدرس، ومرورا بالمناهج النقدية التي تحفل بالفضفضة والسياحة والتعميم، لتغدو كتب النقد المعدة منهجا أشبه بجراب سحري يجمع سائر الفنون والمعارف والأفكار، وانتهاءا بالنشاطات الثقافية والملتقيات الفكرية العامة للدولة ومؤسساتها التي ينبغي أن تخضع لخطط محسوبة وأهداف محددة، من بينها الارتقاء بمستوى الأفراد واهتماماتهم وشحذها، وإنضاج وعيهم عرضا وجدلا وحوارا.
لقد غدا شائعا ذلك الوصف الذي يشبه الأدب الحديث ب(الكلام) والنقد ب(الكلام على الكلام)، كما غدا واضحا أن الأدب الحديث يدين في كثير من اتجاهاته وأشكاله ومضامينه لطروحات النقد وكشوفا ته ورؤاه. فكم من نصوص إبداعية ظلت طي الإهمال والنسيان حتى قيض لها من ينوه بها ويستجلي ما خفي منها ليصبح كاتبها فيما بعد، علما من الأعلام البارزين ومبدعا بين كوكبة المبدعين.
وغالبا ما يكون النقد – في مفهومه الحديث – لاحقا للنتاج الأدبي، لأنه تقويم لشيء سبق وجوده. ولكن النقد الخالق قد يدعو إلى نتاج جديد في سماته وخصائصه فيسبق بالدعوة ما يدعوا إليه من أدب، بعد إفادة وتمثيل للأعمال الأدبية والتيارات الفكرية العالمية، ليوفق بدعوته بين الأدب ومطالبه الجديدة في العصر(...) ولا شك أن قصور الثقافة النقدية لدى أكثر كتابنا من أبرز الأسباب في تأخر أدبنا ونقدنا معا في العصر. وهذا ما يختلف فيه الكتاب عن نظرائهم في الآداب العالمية الحديثة.
إن النقد يستعين ضرورة بعلوم اللغة، إذ مادة الأدب الكلمات بما لها من جرس دلالة، والجمل بما فيها من كلمات وما يستلزمه من ترتيب خاص، أو تدل عليه من معان مختلفة وما ترسم تبعا لهذا الترتيب من صور، فالنقد يستعين بعلوم الأصوات والدلالة في معناها الحديث، والنحو والبلاغة(...) لكن الأدب يتجاوز هذه العلوم جميعا إلى مجالات فلسفية، وجمالية أخرى.
ومن الجلي أن دراسة النقد الأدبي تمس الأدب في حاضره لتوجهه في مستقبله. ولهذا كان لدراسة النقد المعاصر في الآداب الحية الكبرى أهمية خاصة. فليس هذا النقد مجرد نظريات به، كما قد يتوهم بل إن لدراسة النقد في الماضي آثاره بعيدة المدى في إدراكنا للنقد والأدب في الحاضر. فنحن نفيد منه الطرق المنهجية التي اتبعها القدماء في النقد، بوصفها مجهودات متتابعة، تعالج المسائل الخالدة في فنون الأدب ونتاجه، على حساب مبادئ وحجج قد تختلف من ناقد إلى آخر ومن عصر إلى آخر، وبالتالي فإذا وجدت مسائل جديدة في الأدب تبعتها مبادئ في النقد جديدة تعالجها وتقومها.
يمكن القول إذن أنه يمكن وصف العلاقة بين الأدب والنقد بأنها علاقة جدلية حية قديمة قدم ظهور هذين النشاطين الإبداعيين، وفي هذا الإطار يغدو من أهم الأمور أن نميز بين النظر إلى الأدب كنظام غير خاضع لاعتبارات الزمن وبين النظرة التي تراه في الأصل على أنه سلسلة من الأعمال المنظمة حسب نسق تاريخي، وعلى أنه أجزاء متممة للعملية التاريخية. ثم هناك تمييز أبعد بين دراسة المبادئ والمعايير الأدبية ودراسة أعمال أدبية معينة.
إن هذه التمييزات واضحة، معتدلة، وبالتالي مقبولة بشكل واسع. غير أنه ليس من الشائع التأكد من أن هذه المناهج – قد عنيت بهذا الشكل – لا يمكن أن تستعمل في عزلة عن غيرها، وأن كلا منها يستوعب الآخر استيعابا شاملا بحيث لا يمكن فهم نظرية الأدب بمعزل عن النقد أو التاريخ، أو فهم النقد دون نظرية الأدب، ومن الواضح أن من المستحيل وضع نظرية للأدب إلا على أساس دراسة أعمال أدبية معينة.
وبالتالي؛ فمن المعتاد أن نطرح قضية عزل التاريخ الأدبي عن النقد الأدبي من جهة أخرى. فلا ينكر أحد أن إصدار الأحكام شيء ضروري. لتتضح معالم أو بالأحرى قيمة الأعمال الأدبية، لكن يجب أن تتعلل هذه الأحكام، ذلك أن للتاريخ الأدبي معاييره ومقاييسه الخاصة؛ أي أنها تتعلق بعصور أخرى.
ولعل من أنصاف القول بأن علاقة النقد بالأدب ليست علاقة تبعية فحسب، إذ إن النقد وهو يبلور اتجاهات بعينها ويعيد تشكيل عناصر العمل الأدبي ويسعى إلى توجيه المسار الإبداعي، في مرحلة من مراحل مسيرة الأدب، إنما يتجاوز علاقة الالتصاق والتبعية تلك ليرتاد ميادين جديدة يأخذ فيها دورا تبشيريا ورياديا بما يدعو إليه وينظر له ويتنبأ به، وإذا كان النقد يستمد من النصوص الأدبية قواعده ومعاييره وأصوله فإنه سرعان ما يطور تلك الأعراف، يعدل منها ويبصر المبدع بقيم وتقاليد من شأنها أن تثري تجاربه وتعمق جدل العلاقة فيما بين الأدب والنقد تأثرا وتأثيرا، أخدا وعطاء.
من المعروف إذن أن وجود الشعراء كان ولا يزال سابقا لوجود النقاد في التاريخ الأدبي للأمم والشعوب وأن النقد هو نشاط ميدانه أو بالأحرى موضوعه أو حقل اشتغاله هو الأدب، لكن من الصحيح أيضا أن في داخل كل ناقد أديبا، أو أن في كل ناقد يوجد أديب بالقوة.
إن أولى شروط التحليل الصائب والتذوق السليم والحكم القويم امتلاك الناقد الحساسية المرهفة والموهبة الأصيلة، فإن عري الناقد من هذه الخصال فقد صفته وزالت عنه ميزته، وربما صح كون الناقد أديبا بطبعه أكثر من كون الأديب ناقدا بالطبع والفطرة.
ولا يفوتنا التذكير بأن علينا أن نتجنب الوقوع في مهاوي النظرة التفاضلية أو منزلق رؤية تلك العلاقة من منظور التقاطع، فالأدب والنقد جناحا العملية الإبداعية التي لا تستقيم مسيرة إبداعية لأمة من دون وجودهما متضافرين يكمل أحدهما الآخر. لكن ما ينبغي إدراكه أيضا أن لكل من الأدب والنقد منطقه ووظائفه وغاياته التي تجعل منهما شيئين متمايزين وتمنح كلا منهما هويته ومكانته المحددة في مسيرة الثقافة عامة والأدب على نحو خاص، ذلك أن الغض من شأن النقد والنيل منه بسبب من اعتماده على الأدب ينطوي على خطل وقصور نظر، إذ يمكن أن ينهض هذا حجة على علاقة الأدب نفسه بالحياة، فلولا الحياة ووقائعها وتجارب المرء فيها لما وجد الأدب وما قامت له قائمة.
يمكن القول أيضا أن علاقة الأدب بالنقد كعلاقة الذات بالعالم، فلا شك أن النظر إلى الأدب ونصوصه يفضي إلى حكم عام غير متأكد منه نظريا وميدانيا، فمن ينتج الأدب لا ينتج المعنى فحسب، بل ينتج شكلا ما أيضا، وينتج عمله في ضوء علاقته بنصوص سابقة عليه، وغايته أن يكون مختلفا ومجددا، والقراء المهووسون بالأدب لا يبحثون عن المعنى فحسب، بل عن جدة طريقة التعبير عنه فنيا أيضا، والنص الأدبي يحتاج إلى الناقد كي يقول للناس أسرار هذه الجدة، لا المعنى، لأن المعنى لا يستنفد، كما أن الناقد عليه أن يفكر في السبب الذي أعطيت بموجبه لهذا النص معاني محددة في عصر ما، ولم تعطى له معاني أخرى.
من خلال هذا نلمس أثر العلاقة المتداخلة أو بالأحرى المتكاملة بين الأدب والنقد، أو العلاقة بين الأديب والناقد إن صح التعبير، أن أحدهما في حاجة للآخر؛ هذا يعني أن الناقد الحقيقي هو الذي يفهم المؤلف أكثر مما يفهم المؤلف نفسه، نتحدث هنا – بصيغة من الصيغ – عن التأويل، فالناقد يؤول ويفسر نصوص أدبية وفقا لمنهجية المؤلف نفسه.
إننا نبحث عن علاقة معافاة بين النقد والأدب، يأخذ كل منهما حقه ولا يعتدي على الآخر، وهذا لا يعني إقامة حدود شاهقة بينهما، فاستقلالية كل منهما لا تؤدي إلى بتر العلاقة بينهما، إذ أن كلا منهما بحاجة إلى الآخر، فالأديب مثلا لن يستطيع تطوير أدبه إذا لم يمتلك حسا نقديا يتناول به أدبه، لكننا حين نقرأ نقدا لأحد المبدعين ينقد فيه ذاته، لا نستطيع أن نستسلم لآرائه حول أدبه، وإن كنا نقبل نقده حين يتناول أعمال غيره. فالمبدع ناقد بالقوة، فهو لو لم يمتلك حاسة نقدية وثقافة عميقة في النقد لما استطاع أن يبدع أو يستمر في الإبداع عن طريق تطوير نفسه، الأمر الذي يؤدي إلى تطوير أدبه، فذوقه النقدي يدفعه إلى تصحيح إبداعه قبل نشره، كما أن ثقافته النقدية تحفزه إلى هذا الإبداع. فكما أشرنا سابقا أن المبدع ناقد بالقوة فالناقد كذلك مبدع بالقوة، إذ يمتلك رهافة حس تجعله يتذوق الإبداع ويتصل بمواطن الجمال فيه بفضل ذائقته المصقولة بالشفافية والثقافة.
صحيح أن النقد الأدبي قد يكون تابعا للأدب بمعنى أن النص الأدبي يستدعي ناقدا أدبيا، يلقي الضوء على مواطن الجمال فيه ومواطن الضعف عن طريق التحليل والتعليل والتفسير، ولكن أحيانا قد يسبق النقد الأدب، حين يعرف الأدباء على بعض الأجناس الأدبية غير المألوفة أو يعرفهم على بعض مظاهر التجديد في الجنس الأدبي الواحد، هنا نلاحظ امتزاج النظرية بالتطبيق، بمعنى أن الناقد المجدد الذي يؤسس لأجناس أدبية حديثة، أو لجوانب تجديدية، لابد أن يمارس بشكل تطبيقي الأدب الذي يدعو إليه نظريا، كما حصل في أدبنا الحديث سواء في الشعر الحديث أم في القصة والمسرحية.
وإذا كان الأديب والناقد يشتركان في الحساسية المرهفة والعمق الوجداني لكنهما يجب أن يختلفا في النظرة إلى الأشياء والأشخاص، فليس من المطلوب أن يدلي الكاتب بمقولات نقدية في سياقه الإبداعي، قد نجد بعض اللمحات النقدية في السرد الروائي مثلا، وهذه لن تكون مقنعة إلا إذا أفلح الروائي في تقديمها عبر عالمه الروائي بشكل مقنع يبعد عنها الافتعال، فلا تتحول هذه المقتطفات النقدية إلى فرصة لاستعراض الروائي مخزونه الثقافي، فيغرق عمله ويخلخله بالأفكار المجردة التي لن تسهم في النهوض بالبناء الروائي إلا إذا أتت عن طريق التجسيد والفن.
إن النقد الأدبي خاص بالأدب، وإذا كنا نقصد بالمعنى العام أي تفسير الأدب وإيضاحه فنستطيع أن نعد من أنواعه ما يلي:
أولا: النقد التاريخي؛ الذي يشرح الصلة بين الأدب والتاريخ فيتخذ من حوادث التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلة لتفسير الأدب وتعليل ظواهره وخواصه.
ثانيا:النقد الشخصي؛ وهو الذي يتخذ من حياة الأدب وسيرته وسيلة لفهم آثاره وفنونه وخواصه الغالبة عليه، فإن الأدب صادر عنه مباشرة ليسهل بذلك شرحه وتعليل أوضاعه.
ثالثا: النقد الفني؛ وهو من أخص الأنواع وأولاها بمن يريد فهم طبيعة الأدب وبيان عناصره،وأسباب جماله وقوته، ورسم السبيل الصالحة للقراء والإنشاء وهو عندي أحق الأسماء بهذه التسمية،فهو النقد حقا وما سواه من الطريقة التاريخية أو الشخصية تفسير، وإن كان – بلا شك – يعين على صحة النقد الفني وعلى سلامة أحكامه من الغموض والضلال.
إن الناقد مبدع، ليس فقط بسبب طبيعته الأدبية، وإنما لكونه يأتي بالجديد الكامن في النص الأدبي، أو كما يقول "ميخائيل نعيمة" الناقد مبدع، عندما يرفع النقاب في أثر ينقده عن جوهر لم يهتد إليه أحد حتى صاحب الأثر نفسه، لأن الروح التي تتمكن من اللحاق بروح كبيرة، في كل نزاعاتها وتجوالها، فتسلك مسالكها، وتستوحي موحياتها وتصعد وتهبط صعودنا وهبوطها، هي روح كبيرة مثلها، وهكذا فإن كلا من الأديب والناقد مبدع بطريقته الخاصة إذ تتفاوت لديهما نسبة الذاتية والموضوعية، فتزيد نسبة الذاتية لدى الأديب وتقل لدى الناقد، لتزيد لديه نسبة الموضوعية وتقل لدى الأديب.
يبين الناقد "طاهر الزهراني" أن العلاقة بين الناقد والأديب تختلف بحسب الوعي والنضج والمرحلة الظرفية، فقد يكون الناقد في نظر الأديب مجرد متطفل، وقد يكون الأديب في نظر الناقد فاشل قليل الدربة، لكن العلاقة في الوسط الثقافي العربي المحلي يشوبها نوع من عدم الارتياح. إلا في حالة وجود علاقات قد تعطي بعض الرضا أحيانا، وعما إذا كانت العلاقة الشخصية بين الأديب والناقد تنعكس بالضرورة على النقد يقول: " ربما، لكن الغالب ما تكون ملوثة بالمحاباة، وهذا للأسف ملاحظ جدا، وغالبا ما تكون مكشوفة وجالية للغثيان. أما النقد والطرح الحقيقي الموضوعي فهو نادر وعزيز في ظل العلاقات الشخصية.
يمكن القول إذن أن على الناقد أن يحاسب الأديب على عثراته، وأخطائه، وهفواته، ويسترسل، ما شاء له الاسترسال، في ذم النص الركيك والمرتبك والمضطرب، أما أن يحاسبه لأنه كان جريئا، ونبيها، وصادقا، وحرا، وأمينا لرسالة الأدب ودوره في الكشف والرفض والاحتجاج، فذلك ليس من طبائع النقد أصلا، لأن النقد يكون عندئذ، قد خان وظيفته الرئيسة المتمثلة في ذم الرديء، ومدح الجوانب المضيئة في هذا النص أو ذاك.
إلى جانب ما قلناه على علاقة الناقد بالأديب، لا يمكن أن نعد النقد الشعري مختلفا قياسيا إلى نقد النثر، لأن النقد خطاب مرتبط بعموم الأدب ولا يمكن أن يرتبط بأحد شقي الكتابة حتى وإن بدا خاصا بها. إن مثل هذا الطرح يعيدنا إلى الطروحات القديمة، حيث كان النقاد القدامى يصرفون كل اهتمامهم إلى نقد الشعر وتطويل أبوابه ومداخله وتوصيف مقوماته ولا يولون الاهتمام نفسه للنثر أو الكتابة، وحيث كان القارئ المتيقظ لنصوص التراث، المستكنه لخباياها؛ يدرك بوضوح أن ما يصلح في الشعر يصلح في غيره، وأن ما يقدمه الناقد، ظاهره يتناول الشعر، وباطنه يتناول الأدب بشكل عام.
إن الأدب يقود النقد في رسنه إلى حظيرة الوجود المعلن في المشهد الثقافي (شعرا أم رواية)، المدرسة النقدية تأتي كنتيجة لعمل أدبي. وهذا ما يرويه التاريخ، لذا وبداية نقول النقد عربة والأدب حصان القيادة، والحوذي عامل موضوعي لا ذاتي – هذا بشكل عام – لذا، فضجيج النقد الروائي مثلا تابع لضجيج الرواية وانتشارها، وانحسار النقد الشعري هو تابع لانحسار الشعر، ودائما أتكلم عن الذائقة الجمعية.
يمكن أن نخلص في القول إذن في باب الحديث عن علاقة الأدب بالنقد، أن هذه العلاقة هي علاقة تداخل وتكافؤ وتأثير وتأثر واتصال واستقلال. وبعبارة أخرى فإن للنقد طبيعة مختلفة عما للأدب وهي طبيعة تفرض لغة خاصة ودورا تنويريا وثقافيا، لكن هذا الاختلاف في صالح مسيرة الأدب والثقافة لأنه يحقق التكامل والوحدة اللذين لا يمكن تحققهما في ظل انعدام هوية كل منهما وفقدان تميزهما. وعلى العموم يجب النظر إليهما – الأدب والنقد – على أنهما صنوان متلازمان ونشاطان متكاملان لا غنى لأحدهما عن الآخر. ذلك أن التعبير عن التجربة الشعورية عند الإنسان أسبق وجودا من تحليلها وتذوقها والحكم عليها وهو ما يزكي ماقلناه سابقا في كون الأدب له الأسبقية على النقد، وبالتالي نقول لولا وجود الأدب ما وجد النقد. كما أن اجتماع الممارسة الأدبية إلى جانب الممارسة النقدية ليس أمرا غريبا، بل إننا لو تأملنا الحدود بين الأدب والنقد لوجدناها ليست حدودا شائكة شاهقة، إذ ثمة جسور بينهما تجعل العلاقة بينهما علاقة وثيقة وجدلية في الوقت نفسه.
الهوامش
1 ملاحظات أولية حول النقد الأدبي، إبراهيم حاج عبدي، المجلة العربية العدد 430. السنة السابعة والثلاثون، أكتوبر 2012.
2 جدلية العلاقة بين الناقد والأديب، هاني حجي، المرجع نفسه.
3 النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه، د. صالح هويدي، منشورات جامعة السابع من أبريل، ليبيا، الطبعة الأولى، 1426.
4 النقد الأدبي الحديث، محمد غنيمي هلال، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة السادسة، 2005.
5 نظرية الأدب، رينيه ويليك، أوستن وارين، ترجمة محيي الدين صبحي، مراجعة د. حسام الخطيب، منشورات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
6 كيف أفهم الأدب، نقد ورد، جبرائيل سليمان جبور، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الأولى، 1983.
7 إدانة الأدب، عبد الرحيم جيران، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2008.
8 علاقة النقد بالإبداع الأدبي، د. ماجدة حمودة، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية – دمشق – 1997.
9 أصول النقد الأدبي، د. أحمد الشايب، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة العاشرة، 1994.
10 النقد خطاب مرتبط بعموم الأدب، د. باسمة عروي، المجلة العربية، العدد 435، السنة السابعة والثلاثون، مارس 2013.
11 عربة النقد حصان الأدب، أحمد الشقيري، المرجع نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.