مهما اختلفت التقديرات، من المؤكد أن الحشود التي حجت غفيرة، ليلة أمس الأربعاء، لمتابعة سهرة نهاية السنة بمارينا أكادير لم تعد خاوية الوفاض، لاسيما بالنسبة لمن تابع من الجمهور كيف تزينت سماء المدينة، طيلة 15 دقيقة كاملة، للمرة الأولى في مدينة الانبعاث، بوابل من النجوم و الشهب الاصطناعية على خلفية زاهية من الألوان والأنغام. كانت الساعة تشير إلى الواحدة إلا ربع من صبيحة يومه الخميس حين أعلن المنشط الفرنسي الشهير "سيباستيان كوي"، الذي تحول بالمناسبة إلى ديدجي مكلف بالربط بين فقرات هذه الأمسية الساهرة، عن بداية حفل إطلاق الشهب. بقيت العيون تترقب بصمت باحثة عن الموقع الذي ستنطلق منه المفرقعات، قبل أن تشخص الأنظار وتشرئب الأعناق إلى السماء مع صعود أولى الشهب، إيذانا بانطلاق مشهد استثنائي من الأشكال والألوان أغرق الحضور في ما يشبه الاندهاش أو الذهول، على إيقاع مقطوعات موسيقية منتقاة بعناية إمعانا في الغرائبية. وتواصلت مشاهد المفرقعات تغرق الهزيع الأخير من الليل في أشكال هندسية تحيل على سعف النخيل طورا أو على مختلف الأزهار والنباتات أطوارا أخر، حتى بدا الحضور غارقا في جو سحري لا يكاد يميز ما بين قوقعة فضية أو ذهبية، حتى يختطف بصره بسرعة مذهلة، كأنها البرق، في انتقالها الفجائي ما بين الأصفر و الأزرق، وما بين الأبيض والوردي و ما بينهما الأحمر و الأخضر: علم بحجم سماء وسناء الوطن. ظلت حلقات النار تعانق بعضها وتتداخل قبل أن تنفصل، من غير قطيعة، لتشكل مشاهد لولبية حينا، أو شلالات من نار أو ثريات من نور أحيانا أخر، وهي ترسم في دفقها المتأرجح ما بين ضياء و انطفاء لوحة غنية من الألوان الزاهية، التي تشي بقيمة عمل فني اشتغل على تقنيات النور والنار بإتقان. على وقع هذا المطر الغزير من النجوم والألوان المتساقطة التي غطت السماء، شخصت أعين البعض وتحررت ألسن آخرين من الاندهاش و انطلقت أصوات الاستحسان أو التعجب من كل جانب، كما لو كانت تحاكي طقطقة المفرقعات في سماء هادئة تماما في مثل هذا الوقت من السنة. وهذا حال سيدة في الأربعينيات من العمر، حلت رفقة زوجها وأطفالها لمتابعة هذه اللوحات الملونة بشاطئ المدينة، لم تتمالك نفسها وهي تتحدث ملء فيها: "واو... كم هو رائع هذا المشهد.. أشعر كما لو أنه أعد لنا جميعا، وإن كان يتوجه لكل منا بطريقته الخاصة". غير بعيد عنها، صرخ طفل يتشبث برقبة والده: "أكيد سوف أحلم الليلة بالشهب الاصطناعية. لست خائفا بابا، انه منظر جميل للغاية". وبينما ظلت تساقط حمم المفرقعات التي لا ترى، لم يخف هذا الرجل الخمسيني إعجابه بما شاهد، هو من أمسى متحملا على ما يبدو أغاني تتجاوز إيقاعه وعمره بكثير إرضاء لنفر من الأطفال والمراهقين، وهو يقول لزوجته "الله يعطيهوم الصحة. ولو متأخرا، أنا على الأقل استمتعت بهذا المشهد. أنا خضرت عيني". ومن يدري فربما كان لقصبة أكادير أوفلا، القلعة الحصينة التي تتحكم من أعالي موقعها، الذي يصل إلى 236 مترا، في المدينة كما في المحيط الأطلسي، نصيب في مسحة السحر الذي يلازم الحلم في مثل هذا الحفل الذي زاد من بهائه جمال قمر يوشك أن يكتمل وطقس رحيم وحدها أكادير تعرف أسراره خلال هذا الظرف من السنة. والمؤكد أن المنشط الفرنسي "كوي" لن يدعي العكس هو من أعرب، قبيل صعوده إلى المنصة، عن أسفه لكونه مضطرا إلى مغادرة أكادير "المدينة التي يتحدث الجميع عن جاذبيتها وجمالها دون أن تكون لي إمكانية الكشف ولو عن نزر يسير من أسرارها وخباياها". وكشف ذات المنشط، خلال لقاء مع الصحافة أمس الأربعاء، عن رغبته في تنشيط حفل فكاهي من صنف الممثل الوحيد، كما عن استعداده لمرافقة ومواكبة الشباب الذين يتقاسمون معه "نفس القيم و نفس الرغبة في الاستفزاز"، معربا عن نيته في العودة إلى المغرب في غضون أسبوعين لتنشيط حفل بالدار البيضاء. ويعتبر رئيس المجلس الجهوي للسياحة سوس ماسة درعة صلاح الدين بنحمان أن حضور سيباستيان كوي في احتفالات نهاية السنة بأكادير ينخرط ضمن سعي مهنيي القطاع إلى الإسهام في تنشيط المدينة، أي الحلقة الضعيفة في هذه الوجهة السياحية التي استطاعت، بالرغم من ظرفية رمادية خلال دجنبر الجاري، أن تنهي السنة بمؤشرات إيجابية قوامها 3.73 في عدد الوافدين و 2.71 في المائة في عدد ليالي المبيت المسجلة. وأوضح بنحمان، أن استقبال سنة 2015 بشهب اصطناعية وبسهرة فنية ينشطها نجم من حجم كوي بشاطئ أكادير يكشفان عن "رغبة راسخة في مضاعفة الجهود حتى تكون السنة المقبلة أحسن من سابقتها"، لا سيما بفضل المخطط الثلاثي (2015/2017) الذي يهم المكتب الوطني المغربي للسياحة والمجلس الجهوي للسياحة و مجلس جهة سوس ماسة درعة والجماعة الحضرية لأكادير، لما فيه خير الوجهة. *و.م.ع