في عام 2013، توفي 12 شخصاً في هجمات إرهابية في الغرب، بينما راح ضحيتها في المشرق حوالي 22 ألف شخص. فكيف يستطيع المسلمين الهرب من آفة التطرف الإسلامي؟ فأولئك الذين يعانون أكثر من التطّرف الإسلامي ليسوا من يعيشون في الدول الغربية الغنية، بل هم المسلمون الفقراء. هذه هي الحقيقة الأساسية التي تطمس عباءة كاذبة ارتداها بكل تفاخر الجهاديون الإسلاميون: التغني بأطروحة مفادها أن هناك أعداداً كبيرة من الصليبيين تُقتل من أجل المسلمين في الغرب. عناوين الصحف في العالم الغربي تؤكد حقيقة بديهية، جاءت بها عن طريق الإحصائيات، وهي كون عمليات الإرهاب آخذة في الارتفاع، والكثير من الناس يموتون بسببها. لكن هناك مغالطة أساسية في كل هذا، تتعلق بهوية هؤلاء الذين يتم قتلهم. اهتزت مدينة سيدني بسبب الهجوم الوحشي الذي حصل قبل أيام في ساحة مارتن، كما حدث سابقا في كل من لندن ونيويورك ومدريد وغيرها من مدن الدول الغربية. لكن هجوم طالبان على مدرسة في باكستان في وقت لاحق، أسفر عن مقتل 141 شخصا على الأقل، 132 منهم تلاميذ المدارس، هو تذكير صارخ من العيار الثقيل موجّه بالأساس للعالم الإسلامي، يوضح لهم مدى دناءة الأعمال التي يقوم بها المتطرّفين. قاعدة بيانات الإرهاب العالمية التي يحتفظ بها الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب والردود على الإرهاب في جامعة ماريلاند، تُظهر زيادة ملحوطة في أعداد الهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، التي ارتفعت من حوالي 5000 في عام 2011 إلى أكثر من 8000 هجمة سنة 2012، لترتفع أكثر في السنة الموالية لها وتصبح حوالي 12000 هجمة إرهابية حول العالم سنة 2013، وهي السنة التي عرفت أكبر عدد هجمات إرهابية خلال السنوات الثلاث المذكورة. لكن وكما يوضح تحليل برنار كين بهذا الخصوص، فإن الأرقام الخام ليست هي القصة الكاملة، فالجزء الآخر من القصة يحكي كون عدد الهجمات الإرهابية في البلدان الغربية قد ارتفع بشكل ملحوظ في العام الماضي. في عام 2012، حدثت حوالي 140 عملية إرهابية في الدول الغربية، أما سنة 2013، فقد شهدت أكثر من 250 هجمة مسجلة. لكن هذه الأرقام تتضاءل مقارنة بالهجمات التي تحدث خارج حدود الدول الغربية. كان ارتفاع الظاهرة في البلدان المشرقية واضح للعيان، فقد انتقلت الهجمات من 8000 عام 2012، إلى أكثر من 11000 سنة 2013، مدفوعة باستمرار نحو الارتفاع خاصة فيما يتعلق بعمليات العنف الطائفي في العراقوباكستان، وتعميق الاضطرابات في الفلبين ومصر. وقد وصل عدد الوفيات بسبب الهجمات الإرهابية في البلدان المشرقية والمسلمة سنة 2013 إلى حدود 22000 حالة. في نونبر الماضي من السنة الجارية، توفي ما يقارب 5000 شخص في الهجمات الإرهابية الأصولية الإسلامية، وغالبية الضحايا فقدوا حياتهم على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" أو جماعة بوكو حرام. الغالبية العظمى منهم مسلمون وأكثر من نصف القتلى كانوا من المدنيين، حسب تصريحات المركز الدولي لدراسة التطرف. "الحرب على الإرهاب" هي أداة من الخطاب السياسي، وليست حربا حقيقية، لكن ضحاياها من مدمني تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حقيقيون. وبأغلبية ساحقة، كان المسلمون أكثر من عانى في العالم من الإرهاب، فباكستان مثلا فقدت أكبر عدد من المدنيين عبر العالم في حربها على الإرهاب. في أعقاب هجوم بيشاور في الأيام القليلة الماضية، سيكون الجزء الأصعب بالنسبة لباكستان الآن هو تبني خط واضح، فأعظم سلاح يمكن أن يستعمل في البلاد ضد آفة الإرهاب، لن يكون الرصاص، بل التعليم وتواجد الفتيان والفتيات في المدارس من أجل التعلم. قبل عامين، زرتُ مدرسة في وادي سوات في باكستان يديرها الجيش تدعى "سباون''، وهي كلمة تترجم ب "أول ضوء للفجر"، وقد كانت مدرسة للانتحاريين الذين سبق لهم أن اختطفوا تلاميذ المدرسة، وعرّضوهم لغسيل دماغ، قبل أن يلقى القبض عليهم وإنقاذ الأطفال من معاقل الجبل حيث يوجد المتمرّدون. وقد كان بعض الأطفال قد تعلموا استعمال الأسلحة في الحرب، بينما قُتل البعض الآخر. حكى لي أحد التلامذة البالغ من العمر خمسة عشر عاما، كيف أنه كان يرتدي صباح يوم شتوي الزي العسكري بالإضافة إلى سترة ناسفة ثقيلة، وقد أمروه بالتوجه نحو نقطة التفتيش، والذهاب بعدها برفقة رجل يلبس بذلته الرسمية. فجأة تدخل ضابط يبدو أنه رأى يدي الفتى ترتجفان من شدة الخوف عندما كان يقترب منه، وعلم بحقيقة ما تم إرساله من أجله. سألت مدير المدرسة حول السبب الرئيسي الذي يوّلد التطرف، وحول التفسير الذي يجعل هؤلاء الأولاد مقتنعين بالقتل والجهاد في سبيل الدين والسير في طريق مشابه لهذا؟ فأجاب ببساطة إنه الفقر، وبالتحديد الفقر الناتج عن قلة العلم والمعرفة. وأوضح قائلا إن الأطفال المتواجدين بالمدارس لا يفكرون في أن يصيروا انتحاريين، فالشباب الذين يحصلون على وظائف جيدة لا يفكرون في الانضمام إلى حركة طالبان، كما أن الفتيات المتعلمات ينقذن عائلات بأكملها من الفقر والمجاعة، بالإضافة إلى كون النساء المتعلمات لا يسمحن أبدا لأبنائهن بسلك طريق المتدينين الرادكاليين. التكلفة اليوم قد تبدو مكلفة للغاية، لكن على باكستان أن تفعل اللازم من أجل الاحتفاظ بأبناء شعبها داخل حجرات الدرس بمدارسها، وهكذا فقط سيتم تحقيق النصر في هذه الحرب، كما سيستفيد من ذلك العالم أجمع.