إنهاء "أزمة طلبة الطب" يطرح إشكالية تعويض الأشهر الطويلة من المقاطعة    هكذا علق زياش على اشتباكات أمستردام عقب مباراة أياكس ومكابي تل أبيب    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية بين التوافق والتشارك..؟
نشر في هسبريس يوم 07 - 11 - 2014

الديمقراطية التوافقية والتشارك هما علاج ديمقراطية الإقصاء والتهميش..؟
أثناء تحرير هذا الجزء الأخير من الحديث عن الديمقراطية التوافقية حدثت أمور كثيرة على مستوى العالم الإسلامي والعربي، تشير كلها في غير ليس ولا موارية، إلى ضرورة تجاوز المراحل التحكمية والانفراد بالحكم وسلطة القرار، سواء على مستوى الأنظمة المستبدة التي لا تخجل من الحديث عن الشورى والديمقراطية، وهي تعيش قمة التحكم والاستبداد، وإن كانت لا ترى مانعا في تسليح جماعة هنا أو تمويل أخرى هناك، ما دام ذلك يؤدي دورا ما في إبعاد الخطر والأنظار عن الممارسات غير الديمقراطية وغير العادلة، وما حدث كذلك يدعو الحكومات التي وصلت إلى السلطة بواسطة انتخابات حرة أو شبه حرة وتريد أن تفرض وجهة نظرها بقطع النظر عن الشركاء الآخرين الذين لهم رأي فيما يجري في أوطانهم لأنه يمس حياة المجتمع ككل وهم جزء من هذا المجتمع الذي ينبغي أن يكون أمر القرار فيه معبرا عن اكبر ما يمكن من شرائح المجتمع، وهذا كله لا يتم إلا عن أسلوب توافقي في اتخاذ القرارات وتنفيذها صيانة للاستقرار السياسي والانسجام المجتمعي داخل المجتمع وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق ديمقراطية توافقية.
وهذا ما يروم حديث الجمعة في هذا الأسبوع أن يبرزه من خلال الحديث عن مظاهر وشروط الديمقراطية التوافقية.
*******
توحيد الرؤية
نواصل في هذا الحديث الكلام عن الديمقراطية التوافقية والتي ترمي في الواقع للحيلولة دون هضم حقوق الناخبين الذين اختاروا رأيا لم يحظ بأكثرية ولو بسيطة مثل الرأي الآخر، بل إننا نشاهد اليوم في القضايا الكبرى والشائكة غالبا ما يلتجئ المسؤولون إلى محاولة توحيد الرأي والمواقف حولها عن طريق التوافق بين مختلف الآراء وهكذا فربما لن يمر وقت طويل حتى تكون قاعدة التوافق أصلا من الأصول الأساس لتحقيق الديمقراطية التي تراعي مختلف الآراء والاتجاهات داخل المجتمع أو المؤسسات المجتمعية من أحزاب وهيآت وجمعيات مجتمع مدني.
تحديد مفهوم
ولعل بعد هذا المدخل حان الوقت لمحاولة بسط مفهوم الديمقراطية التوافقية وذلك من خلال ما أورده صاحب كتاب (الديمقراطية التوافقية في مجتمع تعددي) والكتاب حاول مؤلفه ان يحيط فيه بوجهات النظر المختلفة أولا في تحديد مفهوم المجتمع التعددي والمعايير التي بمقتضاها يعتبر مجتمع ما مجتمعا متعددا أو مجتمعا غير متعدد.
الاستقرار والتجانس
ان الغاية التي تهدف إليها الدولة في مفهومها السياسي كما قيل منذ القديم هو وجود نوع من الاستقرار السياسي من خلال وجود تجانس اجتماعي وهذان الاستقرار والتجانس الاجتماعي يعتبران شرطين مسبقين للديمقراطية المستقرة، إذ الانقسامات داخل المجتمع تحمل في طياتها عدم الاستقرار وبالتالي انهيار الحكم الديمقراطي.
ما التعددية؟
وإذا كان الكثير من الناس اليوم يستعملون في الألفاظ المتداولة كلمة تعددية فإن التعددية المقصودة في وصف المجتمع بالتعددية هو ذلك (المجتمع الذي تعيش ضمنه مختلف قطاعات المجتمع جنبا إلى جنب ولكن بانفصال داخل الوحدة السياسية الواحدة) وقد يضاف إلى هذا نوع من التمايز الإقليمي.. وقد يكون ما يميز هذا الفصيل عن ذاك معتقدات دينية أو أصول اثنية أو إيديولوجية أو لغوية، وهذا التمايز في الواقع قد يوجد ضمن مؤسسة سياسية حزبية أو حتى جمعية مجتمع مدني داخل مجتمع، ولعل التيارات المتساكنة ضمن هيئة معينة أن تكون نوعا من المجتمع التعددي وتحتاج هي بدورها إلى نوع من التوافق ويلاحظ اليوم أنه داخل حزب سياسي تتعايش تيارات متعددة بل تضع لنفسها مسارا للتعايش.
سمات ومظاهر
ان الباحثين يذكرون للديمقراطية التوافقية خصائص وسمات مهمة من بينها:
1 - انها تتيح تعاون النخب السياسية فيما بينها، فالنخب التي يمكن ان تتباعد وان تتصارع من خلال التصويت العادي والآلي في الديمقراطية غير التوافقية يمكنها عن طريق التوافق ان تتعاون وان تتضافر جهودها من خلال هذا الأسلوب الديمقراطي والتوافقي.
2 - وعن طريق هذا التعاون يتم صيانة النظام وهذه سمة أخرى من سمات التوافق لأن الكل يشعر أنه جزء من النظام ومن تم يبذل مجهودات خاصة لصيانة هذا التوافق، الذي يرى فيه الجميع ضمانة لتحقيق المصالح المشتركة.
3 - وتأتي تبعا لذلك سمة أخرى وهي احترام النظام المدني والابتعاد عن كل مغامرة من شأنها ان تقوض أسس المجتمع واستقراره اذ الاستقرار أساس العمل التنموي البناء وهو كذلك يفضي إلى سمة أخرى وهي:
4 - احترام الشرعية فالشرعية القائمة من خلال التوافق لا يشعر أي طرف فيها بالإقصاء أو التهميش ولكن الجميع يرى فيها مجهوداته الخاصة ودوره في البناء المجتمعي، وهذا يفضي إلى سمة أخرى يذكرها الباحثون لهذه الديمقراطية وهي:
5 - الفعالية إذ بدون فعالية لا يمكن لأي نظام أو أي مشروع ان ينجح إذ الفعالية مظهر بل شرط لكل عمل يراد له تحقيق أهدافه وان يكون لبنة قوية من لبنات صرح الحكم الديمقراطي الذي يعطي نتائجه في تنمية اقتصادية واجتماعية التي هي الغاية من الحكم ومن دعم التعاون والاستقرار.
ماذا بعد السمات؟
إلى حد الآن ونحن نتكلم عن الديمقراطية التوافقية وعن سماتها ومظاهرها والأهداف السياسية التي تحققها دون تعريف مُحدَّد لها. وإذا كان ما قدمناه يعطي مؤشرات واضحة لهذه الديمقراطية فان تعريفها تعريفا دقيقا من الصعوبات بمكان، ومع ذلك فإننا سنساير صاحب الكتاب في التعريف الذي وضعه لها وكذلك في الخصائص التي يرى أن هذا الأسلوب الديمقراطي التوافقي ينبني عليه ويميزه عن الديمقراطية التقليدية أو العتيقة أو المعيارية كما يعبر هو ويرى الكاتب.
تعريف وخصائص
انه يمكن تعريف الديمقراطية التوافقية استنادا إلى أربع خصائص.
1 - العنصر الأول والأهم هو الحكم من خلال ائتلاف واسع من الزعماء السياسيين من كافة القطاعات لهامة في المجتمع التعددي. ومن الممكن أن يتخذ ذلك عدة أشكال متنوعة، منها حكومة ائتلافية موسعة في النظام البرلماني، مجلس "موسع" أو لجنة موسعة ذات وظائف استشارية هامة، أو ائتلاف واسع للرئيس وسواه من كبار أصحاب المناصب العليا في نظام رئاسي. اما العناصر الثلاثة الأخرى في الديمقراطية التوافقية فهي:
2 - الفيتو المتبادل أو حكم "الأغلبية المتراضية"، التي تستعمل كحماية إضافية لمصالح الأقلية الحيوية.
3 - النسبة كمعيار أساسي للتمثيل السياسي، والتعيينات في مجالات الخدمة المدنية، وتخصيص الأموال العامة.
4 - درجة عالية من الاستقلال لكل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية الخاصة.
وسنحاول أن نعطي شرحا مختصرا لكل واحد من هذه العناصر كما أبرزها صاحب الكتاب.
1 - الائتلاف الواسع
السمة الأساسية للديمقراطية التوافقية هي أن الزعماء السياسيين لكل قطاعات المجتمع التعددي تتعاون في ائتلاف واسع لحكم البلد.
ومن الممكن مقابلة ذلك بنمط الديمقراطية التي ينقسم فيها الزعماء إلى حكومة تتمتع بتأييد أكثرية هزيلة ومعارضة واسعة.
الائتلافات الواسعة تنتهك القاعدة القاضية بأن تحصل الحكومة في الأنظمة البرلمانية، وهي عادة تحصل، على تأييد الأكثرية ولكن ليس على تأييد الأكثرية الساحقة. فالائتلاف الصغير الحجم لا يسمح بوجود معارضة ديمقراطية فعالة فحسب، بل هو يتشكل بسهولة اكبر لأن ثمة عددا أقل من وجهات النظر والمصالح المختلفة المطلوب التوفيق بينها أيضا.
الملكية والتوافق
وهنا يشير الكاتب إلى دور رؤساء الدول في ضمان التوافق مع النزاهة والحياد ويشير بصفة خاصة إلى دور الملكية والملك ولعل من المناسب استحضار هذه الفقرة لأهميتها يقول الكاتب:
«إن كون البلد ذا نمط حكم جمهوري أو ملكي يؤثر أيضا في إمكانيات قيام ائتلاف واسع. وأهم أوجه الملكية في مجتمع تعددي هو الدرجة التي تشكل فيها رمزا للوحدة الوطنية وتعمل بذلك كقوة مقابلة للتأثيرات اللامركزية التي تمارسها الانقسامات القطاعية. والوظيفية الهامة الثانية هي أنها تستطيع توفير رئيس محايد للدولة وتجنيب البلد ضرورة العثور على مرشح واسع القبول لهذا المنصب – وهي مشكلة تشابه صعوبة العثور على رئيس غير منتم إلى أي حزب في نظام رئاسي». (ص:62)
التوافق والانسجام
والكاتب يرى انه حتى في البلدان التي هي ليست تعددية ولا توافقية، فقد يتم تشكيل ائتلاف واسع كوسيلة فعالة موقتة لمعالجة أزمة داخلية أو خارجية خطيرة. من ذلك أن بريطانيا العظمى والسويد، وكلاهما تنتميان إلى فئة الديمقراطيات المتجانسة والاجتماعية، فقد اعتمدتا حكومات ائتلاف واسع خلال الحرب العالمية الثانية. وهذا هو الحل الذي كان يفكر فيه روبرت دال عندما اقترح، في ذروة أزمة واترغيت في الولايات المتحدة، إدارة مشكلة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال الفترة الممتدة ما بين استقالة الرئيس نيكسون وتولي رئيس للسلطة التنفيذية منتخب من قبل الشعب.
والواقع ان كل ما شعر مجتمع ما بالخطر يلجأ إلى الائتلاف وتأسيس حكومة وحدة وطنية وهذا يدل على أن الديمقراطية المعيارية أو العتيقة لا تمثل المجتمع تمثيلا وحدويا صحيحا يقيه ويحميه من الأخطار الكبرى التي قد يتعرض لها.
2 - الفيتو المتبادل:
أهم طريقة للحكم التوافقي، أي الائتلاف الواسع بصورة من الصور، تكمل بثلاث أدوات ثانوية: الفيتو المتبادل، النسبية، والاستقلال القطاعي. وتتصل هذه الأربعة بعضها ببعض، وهي كلها تستجر انحرافات عن حكم الأكثرية الخالص. ويمثل الفيتو المتبادل، الذي نتناوله أولا، حكم الأقلية السلبي.(ص:64 بتصرف)
3 - النسبية:
يمثل مبدأ النسبية أيضا انحرافا هاما عن حكم الأكثرية، فالفيتو المتبادل، وهو وثيق الصلة بمبدأ الائتلاف لواسع. تقوم النسبية بوظيفتين هامتين. الأولى، انها طريقة في توزيع التعينات في الإدارات العامة والموارد المالية القليلة على شكل مساعدات حكومية على مختلف القطاعات. ويمكن مقابلتها بمبدأ الرابح –يأخذ- كل- شيء في حكم الأكثرية غير المقيدة. نظرا إلى أن تقسيم "غنائم" الحكم على أصغر عدد ممكن من المشاركين هو أحد دوافع تشكيل الائتلاف الأصغر الرابح.(ص:67)
4 - درجة عالية من الاستقلال لكل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية الخاصة.
في مجتمع تعددي ويتناول الكاتب الموضوع بكثير من التحليل باعتبار ما يترتب عليه وما يستلزم ذلك من ضرورة الحفاظ على الاستقرار.
إن تفويض سلطات صناعة الحكم وتنفيذه إلى القطاعات، مقرونا بالتوزيع النسبي للأموال الحكومية على كل قطاع، يشكل حافزا قويا لمختلف المنظمات القطاعية.
سؤال وجيه
هذا الامتداح للديمقراطية التوافقية ألا يمكن أن نجد من يقدح فيه وبعبارة أخرى هل هناك انتقادات ومآخذ على الديمقراطية التوافقية ان الكاتب يعقد فصلا للحديث عن مساوئ الديمقراطية التوافقية ويرى الكاتب أن هذا الانتقادات ربما تنقسم إلى قسمين فهي (ربما انتقدت لأنها ليست على درجة كافية من الديمقراطية ولأنها لا تتمتع بالقدرة الكافية على تحقيق حكومة مستقرة وفعالة).(ص:79)
المعارضة؟
وإذا كان ما يواخذ على الديمقراطية التوافقية هو عدم وجود معارضة أصلا أو وجود معارضة ضعيفة فإن هذا النقد غير منصف لأنه انتقاد يعتمد على مجتمعات متجانسة وليس على مجتمعات تعددية وفي هذا يرى الكاتب أنه «في ظل الظروف غير الموازية التي تمليها الانقسامات القطاعية تبدو الديمقراطية التوافقية مهما بعدت عن المثل الأعلى المجرد أفضل أنواع الديمقراطية التي يمكن توقع تحقيقها بصورة واقعية، وبعد أن يستعرض كل الانتقادات الموجهة لهذه الديمقراطية التوافقية ويجيب عليه يختم بقوله:
السهولة النسبية
إن السهولة النسبية في اطراح التوافقية تجعل من استمرار النظام الديمقراطي أوفر حظا. ويمكن لهذه الحجة أن تستخدم كرد نهائي على مختلف التهم المتعلقة بالصفة الديمقراطية الناقصة للديمقراطية التوافقية: فعندما يسود الشعور بأن مواطن الضعف هذه قد أضحت متزايدة الكلفة، ولاسيما عندما تعتبر متناقصة الضرورة لأن المجتمع قد أصبح أقل تعددية، فلن يكون من الصعب أن ينتقل المجتمع من نظام توافقي إلى نظام ديمقراطي تنافسي.
والمؤلف لم يترك جانب النقد أو تعداد المساوئ الوجهة للديمقراطية دون أن يشير إليها فقد عقد فصلا كاملا للحديث عن هذه المساوئ بعنوان: مساوئ الديمقراطية التوافقية.
مساوئ الديمقراطية التوافقية
نظرا إلى كون النموذج التوافقي لا يستعمل كتفسير عملي للاستقرار السياسي في مجموعة صغيرة من الديمقراطيات الأوروبية فحسب، بل كمثال معياري للمجتمعات التعددية في أماكن أخرى من العالم أيضا، فلابد من تقويم مواطن ضعفه الحقيقية والمزعومة. وتنقسم هذه إلى قسمين: فالديمقراطية التوافقية ربما انتقدت لأنها ليست على درجة كافية من الديمقراطية ولأنها لا تتمتع بالقدرة الكافية على تحقيق حكومة مستقرة وفعالة.
إذا ما اعتبر المرء وجود معارضة قوية مكونا جوهريا من مكونات الديمقراطية، فإن للديمقراطية التوافقية حد أقل ديمقراطية من نمط الحكومة البريطانية –ضد- المعارضة البريطانية، ذلك أن حكومة الائتلاف الواسع تستلزم حتما إما معارضة صغيرة وضعيفة أو غياب أية معارضة رسمية في المجلس التشريعي.
اعتراض غير منصف
غير أن هذا الاعتراض ليس اعتراضا منصفا تماما: فالمثال الأعلى للمعارضة السياسية القوية، والذي يمكن أن يتحقق إلى حد بعيد في المجتمعات المتجانسة لا يمكن أن يستعمل كمعيار لتقويم الأداء السياسي للمجتمعات التعددية. ففي ظل الظروف غير المواتية التي تمليها الانقسامات القطاعية، تبدو الديمقراطية التوافقية، مهما بعدت عن المثال الأعلى المجرد، أفضل أنواع الديمقراطية التي يمكن توقع تحقيقها بصورة واقعية.
غير صحيح
ويرى الكاتب ان هذا الاعتراض وإن كان غير منصف فهو غير صحيح كذلك ثم إن هذا الاعتراض غير صحيح: فهو يفترض أن الأحزاب تتناوب في الحكومة والمعارضة. والواقع أن الانقسامات القطاعية، على ما بيناه من قبل، تميل إلى ان تكون عديمة المرونة ولا تسمح بكثير من الحرية للأصوات في التحرك بين الأحزاب. لن يكون من الديمقراطية في شيء استبعاد القطاع أو القطاعات الأقلية بصورة دائمة من المشاركة في الحكم.
الائتلاف والمعارضة
ويرى الكاتب أن الائتلاف الواسع لا ينفي وجود المعارضة.
كما تجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الواسع لا ينفي إمكانية قيام معارضة نفيا كليا. فطالما أن ثمة برلمانا أو هيئة أخرى يعتبر الائتلاف الواسع مسؤولا أمامها، فإن الانتقادات التي يدلي بها مؤيدو الأحزاب الأخرى يمكن أن توجه لا إلى الائتلاف. هذا ما أطلق عليه النمساويون عبارة (Bereichsopposition معارضة مجال الاختصاص) «معارضة ما يحدث في ظل ولاية الحزب الآخر المتفق عليها» خلال حقبة الائتلافات الواسعة الكاثوليكية – الاشتراكية. (ص:80)
الثالوث الديمقراطي
ويتعرض الكاتب لمجموعة أخرى من الانتقادات الموجهة للديمقراطية التوافقية ليحللها وبين أخطأها فيقول:
«المجموعة الأخرى من انتقادات النوعية الديمقراطية للنموذج التوافقي هي أنه يقصر عن الثالوث الديمقراطي المتمثل في الحرية، والمساواة، والإخوة. فالقطاع الذي ينتمي إليه الفرد قد يقف حائلا بينه وبين المجتمع الوطني والحكومي، وقد يكون القطاع متجانسا بصورة قاهرة، فالنموذج التوافقي يشبه «المجتمع الطائفي» في تصنيف وليام كورنهاوزر، الذي تكون فيه الجماعات الوسطية «جامعة» بمعنى أنها تميل إلى «احتواء كافة أوجه حياة أفرادها» وربما كان لمجتمع شديد التجانس والامتثالية نفس التأثير الكابت لحرية الأفراد. وليس في الأمر أية مفارقة: فالديمقراطية التوافقية تفضي إلى تقسيم المجتمع التعددي إلى عناصر أكثر تجانسا واستقلالية». (ص:81)
النظام المثالي؟
وهذا كله لا يرى الكاتب أن الديمقراطية التوافقية تشكل نظاما مثاليا ولكنها تتيح الفرصة لبناء توافقي في الحكم يحقق الاستقرار يقول:
«والتوافقية ليست نظاما مثاليا من حيث العنصر الثالث أيضا في الثالوث الديمقراطي. فالإخاء يعني السلام «الإيجابي»، أما مجرد السلام «السلبي» للديمقراطية التوافقية فيشحب إذا ما قورن به، بيد أنه ينبغي ألا نستهين بالتعايش السلمي. والسؤال هنا ليس أي من الاثنين يستحق أن يكون بالمطلق الهدف المرغوب، بل أي الهدفين يمكن تحقيقه واقعيا. السلام والتآخي الإيجابيان أولى طبعا بأن يتخذا غاية تستحق العناء من مجرد التعايش السلمي، ولكن في المجتمع التعددي يعتبر التعايش الديمقراطي السلمي أفضل بكثير من السلام غير الديمقراطي ومن ديمقراطية غير مستقرة يمزقها التصارع بين القطاعات». (ص:82)
سيادة النخبة
«الاعتراض الأخير على الصفة الديمقراطية للديمقراطية التوافقية هي أنها تستلزم ما يسميه نورد لينغر (سيادة النخبة المنظمة)، كما تستلزم، بالمقابل، دورا امتثاليا لكافة الجماعات غير النخبة. وتقع على عاتق زعماء القطاعات المهمة العسيرة المتمثلة في القيام بالتسويات السياسية مع زعماء بقية القطاعات وتقديم التنازلات لهم، والحفاظ على ثقة قواعدهم، لذلك يكون من المفيد أن يمتلكوا سلطة مستقلة كبيرة وموقعا آمنا في القيادة. غير أن هذا لا يستطيع موقعا شبه التردد وعدم الفعالية». (ص:82)
بطء القرار
ويتحدث المؤلف عن جانب آخر وهو بطء صنع القرار حيث يرى أن الفعالية قد تتأثر قبل الحصول على التوافق ويقول:
«فالحكم بواسطة الائتلاف الواسع يعني أن عملية صنع القرارات ستكون بطيئة. ذلك أنه من الأسهل أن يتم التوصل إلى اتفاق في ائتلاف محدود، أضيق طيفا في توجهاته السياسية، وأيسر من القيام بذلك ضمن ائتلاف واسع يشمل الطيف الكامل للمجتمع التعددي، وهذا من الأسباب، متى تساوت بقية العوامل، التي لأجلها كان تشكيل أصغر الائتلافات الرابحة أرجح من الائتلافات الواسعة أصلا. الفيتو المتبادل ينطوي على خطر إضافي يتمثل في تجميد صنع القرارات كليا». (ص:84)
هذه بعض مظاهر الديمقراطية التوافقية من محاسن ومساوئ ولكنها على أي حال هي أليق بمجتمعات مثل المجتمعات الإسلامية والعربية التي لم تتعود بعد على الديمقراطية المعيارية إن صح التعبير لأنها يمكنها ان تكون الخلاص الذي يساعد المجتمعات في الخروج من الاستقطابات الإيديولوجية أو الطائفية أو الاثنية أو اللغوية أو غيرها مما يعتري المجتمعات الإنسانية من الأهواء.
ولعل أن تكون هذه الديمقراطية اقرب إلى الشورى في فلسفتها وعمقها من حيث السعي لاعتماد التراضي بين الناس بدل الإقصاء أو التهميش باسم (الديمقراطية) و الأكثرية.
-أستاذ الفكر الإسلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.