عندما تطرح مشكلة لغة الإعلام المغربي للنقاش ويحاول البعض نعتها بالعنصرية وبإقصاء جزء هام من الشعب المغربي وبالخصوص الامازيغ فان النقاش يبتعد عن الموضوعية وينتقل إلى المزايدة السياسية والتي لم تعد تخفى على احد خاصة إذا أضفنا إليها استنادها إلى التقارير الدولية التي تحاول أن تصنف المغرب من بين الدول التي يعيش مواطنوها الاضطهاد و التهميش الثقافي،والأدهى من هذا أن يتم إلباسه لبوس عربي بمعنى أن من يمارسون هذا التهميش هم قلة من العرب يسيطرون على دواليب الأمر والنهي في الدولة وكل من ليس عربي فهو مهمش.ومن يستمع إلى هذا التحليل سيظن أن اللغة العربية في المغرب وضعا جيد وهي المسيطرة على كل التعاملات الادارية وفي الشركات وغيره. في المغرب ليست المشكلة مرتبطة بلغة معينة أو بثقافة معينة أو بأشخاص معينين، فالأمر مرتبط بسياسة ونظام يهمه بشكل كبير المحافظة على الاستمرارية ،لذلك فلا احد يمكن الجزم بان داخل دوائر القرار السياسي لا يوجد أشخاص امازيغ وفي الجانب الاقتصادي أيضا هناك شخصيات امازيغية مؤثرة على رأس العديد من كبريات الشركات وهلم جرا في جميع المجالات .فلا توجد في المغرب عقلية إقصاء كل ما هو امازيغي إلا في عقول من يروجون لمثل هذه الأفكار .بحيث أن هناك عوامل متعددة جديدة أصبحت تتحكم في توزيع النفوذ بين أفراد المجتمع المغربي بما فيها ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية خاصة الزواج والشغل وغيره. ولا يمكن أن نقول بان هنا مناطق نفوذ مسيجة لا يدخلها الامازيغ فالأمر يتجاوز ذلك، فمناطق النفوذ لها شروط وتتحكم فيها الحسابات السياسية والقرابة العائلية يستعصي دخولها حتى على بعض العائلات العربية الكثيرة .وإذا كان هذا ما يجري في جميع المجالات فان المجال الإعلامي لا يمكن أن يشكل استثناءا. فالقناة الثانية دوزيم مثلا ليست قناة عربية مغربية كما يحاول البعض أن يصور لنا ويمكن من خلال متابعة ما يعرض عليها أن نسبة العربية تكاد تكون متساوية مع الفرنسية أو تقل عليها بقليل كما ان كل ما يعرض باللغة العربية ليس بالضرورة مغربي فهو مجرد دبلجات مكسيسكة أوتركية أوهندية أي متعددة الجنسيات بمعنى أن ما تقدمه القناة لا يخدم القيم المغربية العربية والإسلامية في شيء .وكما تشتكي القضايا الامازيغية من تهميش القناة فبدورها القيم العربية والمغربية الأصيلة تشتكي من نفس التهميش . أما القناة الامازيغية سواء كانت لغتها 100في المائة امازيغية أو حضور( الدارجة )وليس العربية بها ب 40 في المائة فهي لا تعبر عن الهوية المغربية الامازيغية أيضا، ليس لكون من يتحكمون فيها عرب عنصريون وإنما المشكل بنيوي ومرتبط بمفهوم الامازيغية بشكل خاص.عن أي امازيغية نتحدث ، لقد عجزت الجمعيات الامازيغية بما فيها المعهد الملكي بتقديم نمودج امازيغية مغربية قابلة للفهم لدى فئات الامازيغ بالمغرب وهذا شيء طبيعي للاختلاف الهجات الامازيغية من سوس الى الاطلس الى الريف ، وقد كانت الطريقة الأولى التي كانت تقدم بها الأخبار بتقديم ثلاث لهجات أفضل حالا من الطريقة الجديدة حيث الخلط والجمع بين اللهجات الثلاث في نشرة إخبارية واحدة تجعل المتلقي لا يفهم ما يقال وحتى البرامج الفنية والاقتصادية نفس الشيء فهي تحتاج دائما إلى مترجم ،وهذا الأمر مرتبط بمحاولة هذه القناة إرضاء الحركات الامازيغية المتعصبة والتي كانت تنظر الى تقسيم الامازيغية الى ثلاثة امراعرقيا ولماتم جمعها اضاعت الامازيغية من حيث ارادت ان تخدمها .كما ضاعت الامازيغية في التعليم وفشلت فطبيعي ان تضيع في الاعلام . وإذا أخدنا بعين الاعتبار نسبة الأمية في الشعب المغربي ونحاول أن نفرض عليه لغة جديدة بكل ما لكلمة جديد من معنى وحروفا جديدة بله غريبة عن الكثيرين مما يجعل التعاطي مع الامازيغية في الثعليم والإعلام قضية معقدة وبعيدة عن الطابع العنصري من طرف العرب. ولا يقتصر الأمر بالأغلبية الأمية وإنما بالمثقفين أيضا ، وقد تتبعث الكثير من البرامج التي يشارك فيها بعض المثقفين والمسئولين الامازيغ يجدون صعوبة في التعبير ويلجؤون إلى استعمال الفرنسية أو الدارجة أو بعض الكلمات العربية . كما أن طبيعة الضيف وانتمائه إلى إحدى الجهات الامازيغية ،سوس أو الأطلس أو الريف تقتضي استضافة من يفهمه و يشرح ما يقدمه للفئات الأخرى وباعتباري امازيغي من سوس فانا لا افهم الكثير مما يقدم في الإعلام باعتباره امازيغية وقد اجزم بان الكثير من المفردات المتداولة في اللهجة السوسية مغيبة بشكل كبير وان حضور المفردات الريفية والأطلسية يشكل معظم مصطلحات اللغة الامازيغية الفصحى التي لا يعرفها غير واضعيها .فهل الأمر متعلق بكون السوسية مجرد لغة متفرعة عن هاتين اللغتين، أم نتيجة لتركيبة الهيئات المشرفة على صناعة القرار في المعهد الملكي بشكل ساهم الحضور العددي للفئتين في صناعة اللغة أيضا . إن النظرة الضيقة لموضوع اللغة الامازيغية في الإعلام ومن خلال محاولة نسب كل ما تعانيه هذه اللغة إلى ما هو عربي يعتبر عنصرية وعصبية غير مبررة .فكلتا اللغتين تعاني الأمرين في التعليم و الإعلام ، فالتعليم ضائع بين التعريب والفرنسة ،فكيف سيكون تعليم معرب في مراحله الأساسية والثانوية ثم في الجامعة هناك شيء أخر. كما أن اعتبار كل ما يقدم في الإعلام المغربي عربيا يعتبر مخالفا للحقيقة لأنه في غالب الأحيان تقدم جل البرامج باللغة الدارجة والتي يفهمها الامازيغي والعربي وغيره. إن مشكلة الامازيغية في الاعلام والتعلييم مرتبط بما يريده ما يسمى الحركات الامازيغيية وبحساباتهم السياسية والعرقية والتي تتحكم في المصطلحات اللغوية وفي لغة الاعلام وحتى في كتابة الامازيغية بحرفها تيفيناغ ،وبالتالي انتقل الصراع إلى مجالات تخضع للحسابات بما يؤشر دائما إلى رابح وخاسر و هذه الأمور هي العائق الأساسي أمام تطور الامازيغية ،ومن الطبيعي عندما تدخل الامازيغية دائرة صراع نفوذ السلطة و النظام السياسي بما لا يخدم مصالح فئة معينة فستكون النتيجة واضحة ،كما حصل مع اللغة العربية إلى اليوم رغم تنصيص الدستور عليها فعلينا أن نتساءل إلى أي درجة هي حاضرة في الإدارة فعليا وفي التعليم وفي الاقتصاد والإعلام . وخلاصة الكلام أن إعلامنا لا يعتمد الإقصاء اللغوي تجاه الامازيغية وحدها وإنما تجاه كل ما هو مغربي والقيم المغربية ، فهل يستطيع باحث أكاديمي محترم أن يجزم بان هذا الإعلام يعكس الهوية المغربية بشكل حقيقي.