شرطة تامسنا تُوقف مبحوثاً عنه ظهر في فيديو وهو يهدد قاصراً بسلاح أبيض    اختتام فعاليات دوريي أراغي والمرحوم إبراهيم مزياني ببني بوعياش    تحديد موعد العودة للساعة الإضافية.. توقيت "مرهق" أم ضرورة اقتصادية    إشكاليات سوق إمزورن الأسبوعي تدفع امغار إلى مساءلة وزير الداخلية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي يفتتح دورته الأولى: "شاشة كبيرة لمدينة صغيرة"    بيراميدز يهز شباك الجيش 4 مرات    احتجاج يجمع أساتذة للتعليم الأولي    "التنس المغربي" يتواضع في مراكش    تدريبات تعزز انسجام "منتخب U17"    القنصلية العامة في دوسلدورف تكرّم أئمة المساجد والمرشدين الدينيين    الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط    ريال مدريد يتجاوز سوسييداد ويبلغ نهائي كأس إسبانيا    إعلام الكابرانات ومحاولة التشويش على المنتخب الوطني    المغرب يسرّع استكشاف 44 موقعًا معدنيًا استراتيجيًا لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    الدورة 39 لجائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس.. المغربيان إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يودعان المنافسات    كرة اليد.. المغرب يستضيف النسخة الأولى من بطولة العالم لأقل من 17 سنة ذكورا من 24 أكتوبر إلى 1 نونبر 2025    "أوبك+" تبدأ اليوم في زيادة إنتاج النفط مع بدء التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية    قرار منع تسليم السيارات خارج المطارات يغضب مهنيي التأجير في المغرب    19 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    إسبانيا تخصص أزيد من نصف مليون أورو لدعم خدمات النظافة بمعبر بني أنصار    مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.. تلاقي وتواصل والتئام حول موائد الإفطار طيلة شهر الصيام بعدد من المؤسسات السجنية(بلاغ)    ترامب يهدد بسحب مليارات من جامعة هارفرد بسبب الاحتجاج ضد حرب غزة    الإسبان يقبلون على داسيا سانديرو المصنوعة في طنجة    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    مزور: تسقيف الأسعار سيضر بالعرض والطلب ولن يحل مشكل الغلاء    مجلس الحكومة سيصادق يوم الخميس المقبل على مشروع قانون يتعلق بالتعليم المدرسي    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    وفاة أحد رواد فن المديح وإصابة 6 آخرين في حادثة سير بالرباط    5 نقابات تعليمية: الوزارة تستهتر بالتّعليم العمومي وتسوّق لإنجازات لا وجود لها في الواقع    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    دراسة معمارية لإنجاز المدخل الثالث لميناء أكادير بما يقارب 20 مليون درهم    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تدعو لمسيرة وطنية بالرباط دعما لغزة    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    ارتفاع ضحايا غزة إلى 1042 شهيدا منذ استئناف اسرائيل عدوانها بعد الهدنة    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    أكثر من 122 مليون مسلم قصدوا الحرمين الشريفين في رمضان    هذا موعد رجوع المغرب إلى الساعة الإضافية    أسعار الوقود بالمغرب تسجل انخفاضا طفيفا ابتداء من اليوم    المملكة المغربية تجدد الدعم لاستقرار إفريقيا    بعثة نهضة بركان تصل إلى الكوت ديفوار استعدادا لمواجهة أسيك ميموزا    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    نائب في حزب الله يصف الضربة الاسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية ب"عدوان الكبير جدا"    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة مع هبوب رياح قوية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    طواسينُ الخير    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شبار: واقع المسلمين انقلاباتٌ في القيم الدينية والإنسانية
نشر في هسبريس يوم 14 - 10 - 2014

يسلط الدكتور سعيد شبار، أستاذ الفكر الإسلامي وتاريخ الأديان، ورئيس رئيس للمجلس العلمي المحلي لبني ملال، الضوء على ما سماها انقلابات طالت كليات وأصول الدين، ومنها سيادة فكر الفرقة بدل الوحدة، والاقتتال بدل الأمن، والخلافة بدل الاستخلاف، والعداوة بدل الأخوة.
ودعا شبار، في مقال خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى دعم الإصلاحات الناجحة كما في النموذج المغربي، لأن "هذه الإصلاحات جزء أساسي من رد الاعتبار لكثير من القيم المهدورة باسم الدين أو الإنسان" يقول المفكر الإسلامي.
وهذا نص مقال الدكتور سعيد شبار كما ورد إلى الجريدة:
واقع المسلمين انقلابات في سُلّم القيم الدينية والإنسانية
انقلابات في القيم والمراتب
لا يمكن لعين الفاحص لواقع المسلمين اليوم أن تخطئ حجم وهول الانقلابات التي وقعت ولا تزال تقع في سلم القيم التي بشر بها الدين الحنيف أو في سلم القيم الإنسانية عموما. والأسوأ من ذلك أن الانقلاب في القيم الدينية يتم باسم الدين من خلال فهم أو تأويل متعسف، كما أن الانقلاب في القيم الإنسانية يتم باسم حماية الإنسان في حريته وكرامته وحقوقه، وهو لا يحمي في الواقع إلا مصالح ومطامح معينة.
ثم إن الأخطر من ذلك كله أن يصاب نظام الفكر في الأمة، أو في طوائف كثيرة منها على الأقل، باختلالات وأعطاب أصبح معها عاجزا عن التمييز والإدراك بين دوائر الصلاح والفساد والخير والشر والنفع والضرر ومراتب ذلك، فلا ينتج إلا نفس العلل والأعراض المرضية ومظاهر الأزمة المختلفة. خصوصا إذا كان هذا الفكر دوغمائيا مغلقا غير قابل للتحاور والإنصات كما لدى بعض التيارات الدينية المتشددة، أو مصلحيا مغلقا لا يحاور إلا من منظور حماية مصالحه وطموحاته كما في النموذج الغربي، وإن ستر ذلك بشعارات الحقوق والحريات.
وإذا كان من مخططات المفسدين ومثيري الفتن في الأمة والعالم، التمكين لمفاهيمهم ومقولاتهم والترويج الإعلامي والفكري لها بحيث تحتل مساحة التداول، كلها أو معظمها، ومن ثم تأطيرها المباشر أو غير المباشر في من لهم قابلية التأثر، بل وفي الأجيال البريئة التي وجدت نفسها وجها لوجه أمام هذا الإفساد في الأرض الذي يقوده الغرب، والفساد في التديّن الذي تقوده جبهات التطرف والغلو والتشدد.
فإن ما يتوجب على جبهات الإصلاح في الأمة والعالم، الاشتغال على التمكين من جديد للقيم المستهدفة والمقصودة بالإبطال لتقوم بدورها في تقويم الفكر واستقامة السلوك، بدل الاستمرار في لعن الباطل والفساد. فمجرد لعنهما وبيان أضرارهما على الإنسان والطبيعة والعمران، لا يكفي، على أهميته، في تقليص مساحة اشتغالهما والتقليل من تأثيرهما. وإنما يفعل ذلك معركة بنائية موازية على صعيد الفكر والقيم والمشتركات الإنسانية في الثقافة والحضارة والأديان.
ويكفي أن نذكر من تلك الانقلابات التي تصادم كليات وأصول الدين والتي انتشرت كقناعات بين الأفراد والجماعات.
* سيادة فكر الفرقة والانقسام بدل الوحدة والانسجام، فكم فئة وطائفة يمكنك أن تحصي في الأمة ، لكل منها آراء وقناعات وسلاح لمناصرتها والدفاع عنها.
* سيادة فكر الاقتتال والاحتراب بدل الأمن والسلم، حيث أصبح الأخيران عملة نادرة في الأمة، وكأن الفئة غير المقاتلة والمحاربة ليست من الدين في شيء !؟ إذ ليس الدين في منظورها إلا القتل واستباحة الأنفس والأموال والأعراض.. أي انتهاك كليات ومقاصد الدين الكبرى.. التي جاء لرعايتها وصونها أساسا.
* سيادة فكر الخلافة بدل الاستخلاف، وكأن الخلافة رأس الدين علما بأنها لا تعدو كونها تجربة تاريخية وشكلا تنظيميا لإقامة العدل وتحقيق الكرامة وضمان الحقوق والواجبات والحريات.. فكيف بها الآن وسيلة للقتل والإبادة والظلم والتسلط.. فأي شكل تنظيمي يحقق مقاصد الدين وقيمه النبيلة هو المعتبر شرعا، والتجارب لا تستنسخ لا من تاريخ الأمة ولا من تاريخ غيرها من الأمم . ويتم مقابل ذلك اختزال المفهوم المحوري والمركزي الأشمل في الدين، وهو الاستخلاف المتضمن للأداء والإنجاز الحضاري الجماعي ببناء القيم المشتركة في عوالم الإنسان والكون والعمران .
* سيادة فكر العداوة والبغضاء بدل الأخوة والمحبة، فلا تنظر طائفة إلى أخرى إلا بعين العداوة والبغضاء وكأن لا جامع بينهما، على حساب قيم الأخوة و المحبة والتضامن والتكافل.. الأساسية في الدين والتي بها لحمة وتماسك المجتمع والأمة والعالم.
* سيادة فكر المكر والخديعة بدل الصدق والنصيحة . حيث يتم استدراج الشباب والعامة ممن لا حصانة فكرية لهم، ولا علم بنصوص وأحكام الدين، تحت شعارات كاذبة مفسدة لمعاني الشهادة والجهاد، قائمة على بيع الأحلام والأوهام بما يشبه "صكوك الغفران" في التجربة المسيحية. ومن أغرب ما سمعت في هذا، "داعية" يقسم أعداد الحور العين على "الشهداء" الذين سقطوا صرعى بأيدي إخوانهم المسلمين، والذين هلكوا بأيدي الكافرين؟؟.. مع جعل المغرر بهم يعيشون وهم الانتماء إلى "أمة الخلافة" حيث ينبغي أن يتمحض حبهم وولاؤهم وبراؤهم، وليس لأوطانهم وبلدانهم. ويا ترى من لم يسهم في حب وبناء وطنه الذي يحضنه مهما تكن أوضاعه، كيف يسهم في بناء وهم لا وجود له إلا في الخيال؟
كيف يحصن جدار الأمة من لم يحصن لبنة الوطن؟ وهل "الأمة " شيئا آخر غير مجموع الأوطان؟.
* سيادة الفهم الانتقائي التجزيئي للنصوص وقلب مراتب الأحكام، بدل الفهم الكلي المعتبر للمراتب والمقاصد. بحيث لا تفهم الشريعة إلا بإقامة الحدود التي لا تعدو أن تكون زواجر وروادع بعد إقامة أصول العدل والحرية والكرامة.. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على درء الحدود بالشبهات، أي غير متحمس لتطبيقها مستبعدا لها بأي وجه ممكن كما هو معروف في مواقف كثيرة من سنته عليه السلام. وهؤلاء متحمسون ومسارعون لإيقاعها وكأنها من أركان الدين. هذا علما أن العقوبات والتعزيرات، ومثل ذلك وقبله الإذن في القتال والحرب ، أمور ترفع إلى ولي الأمر والمؤسسات المختصة كالقضاء، للنظر فيها درءا لهذه الفتنة عينها التي جروا إليها الأمة عندما بادرت كل فرقة وطائفة إلى تطبيق ما رأته وفهمته من الدين.
يضاف إلى ذلك التشبث بممارسات وأشكال معينة في اللباس والأكل والشرب والعلاقات.. مما له علاقة بالعادة أكثر من العبادة، على حساب المنظور الكلّي للدين الذي جاء رحمةً وهدايةً للناس في أفق إنساني وكوني رحب يسع الجميع. مستوعب للزمان والمكان، متفاعل مع الخصوصيات والتشكلات الثقافية والحضارية المختلفة.. وهذا سرّ من أسرار انتشاره وتمسك الناس به شرقا وغربا . إذ لو كان شكلا ونمطا واحدا لما غادر محلّه أصلا.
ومهما استعرضت من القيم الإيجابية التي تشكل دعامات وأسس التدين السليم إلا ووجدت نقيضها هو المهيمن، وقل مثل ذلك في شعارات حقوق الإنسان وكرامته التي ترفعها الدول الغربية وهي طرف أساس في تذكية هذا الصراع وخلق الفتن وإبادة إنسان ليبذخ وينعم إنسان آخر.
فكما أعمى الجهل المركب والتعصب المقيت طوائف الأمة المتناحرة، فجعلاها لا تبصر ما بين يديها من قيم الهداية والإرشاد وسعادة الدارين، أعمت المصلحة والرغبة الجامحة في الهيمنة والاستحواذ قوى الغرب المتنافسة فجعلته كذلك لا يبصر ما قرره بنفسه من حقوق وحريات جراء اضطهاد وحروب مدمرة سابقة. ورحم الله الدكتور المسيري حينما أكد أكثر من مرة على أن الجشع المادي الغربي الذي تغذيه فلسفات اللذة والمتعة والاستهلاك .. والحاجة إلى مزيد من الربح والإنتاج والأسواق.. هو ما أفرز الظواهر الشمولية في الفكر والسياسة كالنازية والفاشية والصهيونية والاستعمار.. وهو بالتأكيد ما يقلب عالمنا اليوم رأسا على عقب ولنفس الأهداف والأغراض.
وهكذا بدل أن تكون كثير من أقطار أمة الإسلام كما أراد لها دينها أن تكون دار أمن وسلام لكل المروعين المفزوعين من شرور الظلم والاضطهاد في العالم. أضحت دار حرب وفتن يكاد لا يأمن فيها أحد.
دعم التجارب الناجحة واجب ديني وحضاري وإنساني
لقائل أن يقول: وماذا بعد؟ ما المخرج أو الحل؟ طبعا لست أقدم هنا سوى وجهة نظر في سياق التداول الراهن للأحداث. وأعتقد أن جبهات الحلول هي بعدد جبهات الأزمة وأكثر. فكل مدخل مغلق مأزوم من مداخل الفتنة والفساد يحتاج إلى معالجة تصحيحية. في الفكر والتربية، والقيم والأخلاق، والتدين والسياسة.. وكل فاعل في مجاله عليه أن يقوم بواجبه والواجبات المهملة التي تخلى عنها أصحابها . أي عليه أن يقف على أكثر من ثغر.
وإن من مستعجلات واجب الوقت في تقديري أمران اثنان مهمان:
أولهما: الاشتغال العلمي المنتظم على الجبهة الفقهية والفكرية للتدين ترد الاعتبار لأصول الدين وكلياته ومعانيه السامية النبيلة من خلال كل الوسائط المتاحة. حيث تحتل القيم والمفاهيم مراتبها وأحجامها ضمن النسق الكلي للدين والتدين. (ويمكن أن يفرد لهذا الموضوع مقال خاص).
ثانيهما: دعم الإصلاحات الناجحة والتي استطاعت أن تصمد أمام العواصف والرياح العاتية فحافظت على أمنها واستقرارها ودشنت إصلاحات وتغييرات في بنياتها المختلفة.
فأمام تراكم الفشل والإخفاقات في كثير من مشاريع الإصلاح والتغيير أو النهضة والتحديث، التي كانت ضحية لشعارات متعذرة أو مستحيلة التطبيق، سواء رفعها إسلاميون باسم الدين، أو قوميون باسم النهضة والوحدة، أو علمانيون باسم الحداثة.. أو غيرهم. إذ كانت السمة الغالبة عليها والتي تشترك فيها جميعا على اختلافها هي "الاستعارة" الناجزة من ماضي الذات، أو من حاضر الآخر (الغرب). وأمام قصور المقاربات التوفيقية المعتدلة عن سد الفجوة وإحداث التقارب المطلوب بين التقاطب الثنائي لدى هذه التيارات، بقيت الحاجة ماسة إلى عمل بنائي تأسيسي لنموذج قادر على الدمج والاستيعاب لمختلف المكونات والعناصر.
ولهذا استطاعت نماذج قليلة جدا أن تكسب رهان الإصلاح في ظل الاستقرار مهما تكن التوافقات التي حصلت، لأنه لا بديل عن ذلك إلا النموذج الآخر الذي مزقته الحروب والفتن والأزمات.
لهذا فدعم التجارب الناجحة واجب ديني وحضاري وإنساني، والذين لا يتورعون عن التشكيك في هذه التجارب والتقليل من شأنها وبث الخلاف في صفوفها وتضخيم سلبياتها على إيجابياتها، ليسوا في نهاية المطاف إلا أعوانا – وعوا ذلك أو لم يعوا به- للفساد على الصلاح وللفتنة على الاستقرار. أما النقد والتقويم والذي يسهم في مزيد من ترشيد التجربة وتقويتها واستكمال عناصر بنائها ، فهذا لا يشكك في نجاعته وضرورته أحد. وأما إذا كان ذلك حسدا من عند أنفسهم ومكرا وخديعة، فهؤلاء عليهم أن يراجعوا تدينهم أصلا والأسس التي يرتكز عليها، كما عليهم أن يراجعوا دورهم وأداءهم الحضاري والإنساني فيما يقدمون لمجتمعاتهم وللأمة وللناس.
من بين النماذج الإصلاحية التي نستطيع أن نقرر نجاحها باطمئنان، النموذج المغربي في إصلاحاته الدينية والدستورية والمدنية وغيرها.. إذ هو كله ورش مفتوح للبناء والتعمير والنهضة والتحديث. مما جعله محط أنظار العالم. فدول كثيرة جعلته قبلة للاستفادة من تجربته في الحقل الديني وفي حقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. ودول أخرى تعكف على دراسة النموذج وتتبع خطواته.. وأخرى تبشر وتدعو إلى الاقتداء به..
لكن للأسف ثمة من الأقارب والأباعد من لم يرقه ولم يستسغ هذا الاستقرار ومسار التنمية الذي يميز المغرب، والمكانة التي بدأ يحتلها والاهتمام الذي بدأ يحظى به في الهيئات والمحافل الدولية، فخاف على فقدان مواقعه في "الزعامة" و"الرمزية" التاريخية في العالم العربي والإسلامي. فبدأ يبحث عن أوهى المبررات للطعن والتشويش وتعميم فكر وواقع الأزمة، وهذا سياق الإساءات الأخيرة للمغرب، ولعل آخرها ما صدر عن منتمين لمؤسسة لها كامل التقدير في نفوس المسلمين، في ادعاء يقول ببطلان عيد وصوم المغاربة.
وطبعا ليس المقصود هنا إسداء النصح، الذي تم اكتشافه فجأة وبعد قرون من العمل، بقدر ما هو استهداف للنموذج ولتميزه. وهو ما استدركته الأزهر تصحيحا للخطأ الذي وقعت فيه أو وقع باسمها.
فالأمة كانت دائما بجمهورها وعامة الناس فيها ولم تكن بحكامها فقط ولا بعلمائها ومفكريها فقط، فإن للشعوب دورا هاما في نصرة الحق والصلاح والدفاع عنهما وفي دحض الباطل والفساد وتغييرهما. وليست تجربة "الربيع العربي" رغم الأخطاء التي صاحبتها إلا دليلا واضحا على ذلك.
فقوة النموذج المغربي هي من الائتلاف الحاصل بين عناصر ليس بينها إلا الاختلاف في النماذج الأخرى. هي تركيب بين عناصر تجانست عبر قرون ممتدة في التاريخ، ونقصد الحكام والعلماء والشعب، غالبيتهم العظمى إن لم يكن جميعهم، منضوون تحت نفس المشروع الإصلاحي والقيم التغييرية التي تجمع بين القديم والحديث والأصيل والمعاصر.
فآفة الإصلاحات، أن تقودها نخبة فكرية أو سياسية أو عسكرية .. دون جمهور، فتكون بذلك فاقدة للسند الشعبي الذي هو محل تنزيل الإصلاح بحيث يبقى الإصلاح ههنا "شعارات" جوفاء لا معنى لها وسرعان ما تندثر مهما دام تسلطها واستبدادها. أو أن تقودها طائفة من الشعب دون سند شرعي أو قانوني، أي أن تكون مخالفة لثوابت الأمة وقوانينها المنظمة. فتقع المنازعة التي يمكن أن تتطور إلى حروب مذهبية وطائفية.
أما أن يقع التوافق بين مختلف المكونات على المشروع الإصلاحي في معالمه الكبرى أساسا، فتلك أكبر ضمانة لنجاحه. وذلك ما هو متحقق في التجربة المغربية إلى حد كبير جدا إلتحاما بين القمة والقاعدة.
ولقد حبا الله هذه الأمة باختيارات جمعت من المحاسن ما تفرق في غيرها، توسطا واعتدالا في عقيدتها الأشعرية، ورعاية للمصالح والتطور في مذهبها الفقهي المالكي، وتربية سلوكية سنية في مذهبها الصوفي الجنيدي، وإمارة للمومنين حامية للملة والدين وصائنة له عن انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف الغالين. ودشنت مسارا من التقويم الفكري والاستقامة السلوكية بالتكوينات والتأطير والتأهيل والحوار والتواصل بين مختلف الفاعلين في مختلف المؤسسات. تماما كما دشنت مسارا من التنمية الاقتصادية والتأهيل الاجتماعي والفني والثقافي والإصلاحات في مجال القضاء ومدونة المرأة وحقوق الإنسان.. وغيرها، مما يمكن أن نقول معه، إن المغرب بحمد الله دخل الإصلاح من بابه البنائي الحقيقي لا الشعاراتي الزائف، من بابه الكبير لا من الثقوب والكوى الضيقة.
والعاقل من الناس محب الخير لهم من يبارك هذه التجربة ويدعمها ويسندها ، لا من يحسدها ويمكر بها . فنجاحها هنا نجاح لها هناك أيضا لو كانوا يعقلون. هذا علما أن الحسد والمكر لا يوقفان سنة الإصلاح إذا مضت لأنها من الحق ولأنه من الباطل ، وقد جعل الله تعالى التمكين والغلبة للأول على الثاني.
وربطا بين ما تقدم من قول حول الانقلابات في سلم القيم ودعم الإصلاحات الناجحة، فذلك ليس إلا لأن هذه الإصلاحات جزء أساسي من رد الاعتبار لكثير من القيم المهدورة باسم الدين أو الإنسان. يرجى أن تستكمل أجزاؤها المتبقية بتظافر الجهود المخلصة بين كل الفاعلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.