أكد عبد الرزاق الألباني، الباحث المغربي في مجال الجيولوجيا، أن اكتشاف أقدم تنوع بيولوجي متعلق بنظام بيئي بحري، مؤخرا ، سيحدث ثورة في المعطيات المتعلقة بتاريخ الحياة على الأرض . وأضاف الألباني، الذي يشتغل باحثا بجامعة بواتيي الفرنسية ، أن التحليل المفصل لحفريات الكائنات متعددة الخلايا المعقدة وذات الأحجام الكبيرة ، التي اكتشفت مؤخرا بمدينة فرانسفيل الغابونية ، أظهر أنها الأقدم من نوعها على كوكب الأرض ( 2,1 مليار سنة ) ، موضحا أن هذا الاكتشاف أماط اللثام عن تنوع بيولوجي حقيقي تطور انطلاقا من نظام بيئي بحري . وتابع الباحث المغربي ، الذي ترأس فريقا دوليا أفضى عمله إلى هذا الاكتشاف، أن هذا الأخير والمتعلق بظهور الحياة على الأرض يثير اهتمام كافة الباحثين في مجالات البيولوجيا والميكروبيولوجيا ، وعلم الأحياء، والجيولوجيا ، والفلسفة ، وهو ما سيمكنهم من إعادة النظر في معارفهم ومعطياتهم كل حسب مجاله. وقال الألباني ، الذي قام خلال الأسبوع المنصرم بمعية فريقه بعمل بحثي ميداني شمل موقع الاكتشاف، إن بداية هذا الاكتشاف يعود لسنة 2010 ، حيث شمل العمل البحثي رواسب طينية بالغابون ، مشيرا إلى أن الأعمال تواصلت منذ ذلك الحين، فكانت الحصيلة اليوم أكثر من 400 من الحفريات القديمة ، التي تعود إلى 2،1 مليار سنة . ووصف هذا الاكتشاف ب" الاستثنائي " بالنظر إلى أن الحفريات المعقدة والمتعددة الخلايا المعروفة حتى الوقت الراهن في تاريخ علم الحفريات ، تعود إلى 500 مليون سنة ، موضحا أن الاكتشاف الجديد يبرز أن الحياة ظهرت على الأرض بشكل متطور قبل 1,6 مليار سنة . وفي سياق متصل ، اعتبر أن السيناريو المتعلق بتاريخ الحياة على الأرض قد انقلب رأسا على عقب باكتشاف كائنات متعددة الخلايا معقدة وقديمة تعود إلى 2,1 مليار سنة. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الجيولوجيا وعلم الحفريات، كما يقول، " نكتشف أقدم تنوع بيولوجي من خلال تحليل لحفريات غير مرئية بالعين المجردة (حفريات دقيقة) وأخرى يصل حجمها إلى 17 سنتيمترا، في نظام بيئي بحري ، والتي كشفت عن وجود أشكال مختلفة من الحياة المعقدة والمنظمة وأضاف الباحث المغربي أن هذا التنوع البيولوجي فتح المجال لحياة معقدة ومنظمة، أي أنه منذ ملياري سنة بدأت الخلايا تعمل بشكل ذكي ومتقدم ومنظم، وهو ما يدفع إلى إعادة النظر في جميع مداركنا حول موضوع تاريخ الحياة على الأرض. وتعود أقدم حفريات الأجسام المعقدة إلى 600 مليون سنة (فيندوبيونتا ديدياكارا بأستراليا) وكانت هناك قناعة مشتركة على أنه قبل هذه الفترة، كانت الحياة على الأرض تتكون فقط من أجسام وحيدة الخلايا (البكتيريا والأعشاب البحرية وحيدة الخلايا...). وأكد عالم الجيولوجيا المغربي أنه لم يتم اكتشاف حفريات من هذا النوع في أي مكان من العالم ، وأعرب عن أمله في الشروع في عمليات التنقيب في المغرب الذي يختزن صخورا من نفس العمر، مشيرا إلى أنه أودع مشروعا في هذا الاتجاه لدى أكاديمية العلوم والتقنيات بالرباط. وحسب النتائج التي نشرت مؤخرا حول التحاليل التي تم إجراؤها على الحفريات التي استخرجها الباحث عبد الرزاق الألباني وفريقه، فإن استعمال مسبر إيوني لقياس مختلف نظائر الكبريت أكدت الأصل العضوي للعينات المحصل عليها. وصنف الباحثون عدة أنماط جديدة للأشكال، يضم كلا منها أفرادا من أحجام مختلفة. ويظهر تحليلها أجساما تشبه تركيبتها قنديل البحر ورخوة وهلامية، بينما شكلها أملس أو به طيات وتركيبتها موحدة أو متكتلة ومادتها كثيفة أو مجزأة. ووفق المصدر ذاته، تفترض البنية المنظمة جدا والأحجام المتنوعة للعينات المرئية (17 سنتيمترا) نمط نمو جد متطور بالنسبة لهذه المرحلة. فهذا النظام البيئي البحري المتكامل يتكون إذن من أجسام مجهرية ومرئية بأحجام وأشكال متنوعة كانت تعيش في بيئة بحرية قليلة العمق. وعلى غرار موقع بيوتا ديدياكرا بأستراليا، التي تزامن ظهورها مع الارتفاع المفاجئ لمعدل الأوكسجين بالجو منذ 800 سنة، فإن ظهور وتنوع بيوتا بالغابون يرتبط بأول ارتفاع للأوكسجين لوحظ ما بين ناقص 2,3 وناقص 2 مليار سنة . ويفترض أن يكون هذا التنوع البيولوجي قد انقرض بعد أن تراجع هذا المعدل بشكل مهول. وسجل الباحثون أن التنوع البيولوجي الذي تم اكتشافه بالغابون يثير أسئلة كثيرة حول تاريخ المحيط الحيوي على مستوى كوكب الأرض، مشيرين إلى أن تنوع البنية المنظمة جدا للعينات التي تمت دراستها يفترض أنها تطورت مسبقا. واعتبروا أنه لا يمكن نفي وجود أشكال أخرى للحياة القديمة في مكان آخر على سطح الأرض. *و.م.ع