تعرف قضية الصحراء انعطافا نوعيا, يتجه نحو فتح نقاش مباشر بين الأهالي في الصحراء و عائلاتهم في المخيمات حول مستقبلهم السياسي, كشعب ذو خصوصيات اثنيه و اجتماعية مميزة ارتبط تاريخيا عبر علاقات اجتماعية, ثقافية, سياسية و اقتصادية مع باقي مكونات الشعب المغربي و قادته حتى صار جزء منه. فاضحي من الضروري اليوم إنهاء الصراع و الاتجاه نحو الأمام من خلال التفكير الجماعي في مصير المنطقة ككل و ليس في مصير كل طرف على حدا. لقد تقدم المغرب بمقترح سياسي جديد بالنسبة لربرتوار القضية و الذي على الأقل- في اعتقادي- لم يكن يضم سوى ثلاثة مسالك هي : 1- استفتاء تقرير المصير, 2- الإبقاء على الوضع الحالي‘statuquo' 3- و خيار الحرب الحاسمة, هذا المقترح الجديد و المتمثل في خيار الحكم الذاتي تحت السادة المغربية أسس لأرضية جديدة للنقاش حول المسالة الصحراوية , حيث يشكل المقترح مسلكا أكثر واقعية و مرونة جلب تأييدا دوليا لافتا و ترك على الميدان آثار سياسية اقل ما يقال عنها بالدينامكية حيث نلاحظ حراكا سياسيا في جميع الاتجاهات و ردود فعل إقليمية و دولية متباينة في الغالب ايجابية. لكن بالنسبة لي كمواطن مغربي و كذاك كمناضل تقدمي, ما يهمني هو أن المكون الأساسي في القضية و المتمثل في الصحراويون أنفسهم, يحضون الآن بفرصة أخرى لنقاش مصيرهم, من خلال التفكير في خيارات أربعة عوض ثلاثة مع تسجيل المرونة و الواقعية لخيار الحكم الذاتي –طبعا إذا احترمت المعايير الكونية في صياغته- فهم يعرفون الخيارات الثلاث و يعلمون تمام العلم عد م جدواها و الدليل هو المدة الزمنية التي استغرقها النزاع حتى صار من الصراعات الدائمة في العالم, و كذلك تهمني الصيغة السلمية لحل النزاع بما تجنب المنطقة و شعوبها ويلات الحروب و تفتح المجال أمام الصحراويون لتدبير شؤون الصحراء بشكل آخر, و في نفس الآن تحفظ لهم حقهم التاريخي و الاممي في مناقشة المصير قبل تقريره. من جهة أخرى نعلم جميعا أن المغرب –أغلبية- كأمة لا يمكن ان يسلم في تاريخ, و جغرافيا و تضحيات و مقدرات استثمرت ليجعل في الصحراء حياتا , ساهم فيها الجميع تذهب أدراج الرياح في سبيل المجهول, كما لا يمكن أن تتخلى الأمة المغربية عن الصحراويون الوحدويون الذين اختاروا طوعا الانتماء إلى المغرب. كل هذه الاعتبارات تجعلنا كتقدميين أيضا نتأمل في هذا المسلك ر غم اختلافه مبدئيا عن الأساليب الكلاسيكية في تقرير المصير إلا انه يمنح فرصة لتحقيقه بأسلوب آخر. كما أن الاستقلال في حد ذاته لن يؤدي إلا إلى إضعاف المغرب و خلق دويلة تتحرك بتحرك الرمال نحو الشرق و الغرب و لن تكون حتما تلك الدولة التي تقاوم الهيمنة الامبريالية كما يتصورها البعض بل ربما تصبح عبارة عن قاعدة عسكرية ضخمة في إفريقيا تفرض عليها "حماية" دائمة أو كيان "انقلابات" و إن النضال اجل من اجل الديمقراطية بلد كبير امل افضل من اعادة جميع فتات أقاليم أو قبائل ؟ ما يسائلني حقا هو فهم موقف الرفاق في الجزائر الشقيقة, فالموقف الرسمي للجمهورية هو الحياد في قضية الصحراء و تصريحات الزعماء السابقين و الحاليين تبرز عدم وجود رغبة في شبر من الصحراء و أن الموقف هو موقف مبدئي متعلق بدعم التحرر؟. ولكن بعض التحركات السياسية وما ينشره الإعلام حاليا حول العمل ألاستخباري للجهاز العسكري و الأمني للشقيقة الجزائر يضرب مصداقية الموقف كثيرا. فمثلا مفاوضات بوتفليقة مع كيسنجر في السبعينيات بدون علم السوفيات أو بعلمهم في ما يخص الملف تقول شيئا آخر و أن الرغبة الجامحة لذا وزير الخارجية آنذاك في استجداء موقف "الامبريالية" كان له معنا, أيضا ؟ كما أن التعاون الجزائري-الأمريكي و بالخصوص في المجال العسكري هو متميز و لا وجود للمعسكر الشرقي هنا ؟ اذن مسالة المبدئية هنا تناقش و يجب أن تخضع في اعتقادي لما هو متعارف عليه في أدبيات اليسار من دعم للشعوب في حق تقرير مصيرها بوسائل مختلفة و تناول مسالة المصالح المشتركة بين قطبين إقليميين بعين الاعتبار, لان بالضرورة مصالح بلدينا مشتركة و من أراد العناد فذاك شيء آخر, أما فبما يخص الصحراويون فالمغرب يقترح التجميع و التوحيد و المبادرة في اعتقادي تتسم بكثير من المرونة و بالتالي تعطي فرص تسوية متعددة على المستوى التقني. فما نتوخاه من الأشقاء هو التفكير جديا في سبل التكامل الذي يمكن أن يحول منطقة المغرب العربي إلى تجمع إقليمي رائد و ليس مجموعة من الكنتونات المشتتة. يتحمل التقدميون في المنطقة مسؤولية كبيرة في تقديم الأمور و النضال من اجل تحقيق التكامل الإقليمي الاستراتجي و كذالك الحفاظ على قيم العدالة و حقوق الإنسان .كما يتعين على الحكومتين المغربية و الجزائرية و جبهة البوليساريو تقديم ضمانات حقيقية لحل النزاع والالتزام بتنفيذ الاتفاقات وفق أجندة زمنية محددة و تحت الرعاية الأممية. و يمكن الخلوص إلى أن مربط الفرس في قضية الصحراء هو الثقة المتبادلة و الالتزام المبدئي بين الأطراف الثلاثة السالفة الذكر أساسا, فالالتزام هنا هو شعلة الأمل. *عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية