حتى العرافات توقعوا سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر و اذا كان المصريون اصحاب نكتة و امهلوا الاخوان المسلمين بضعة اشهر على راس جهازهم التنفيذي فان الليبيين الذين يفتقدون لروح هذه النكتة لم يمهلوهم إلا عدة ساعات حتى انتفضوا و اعلنوا مشروعهم الوطني المعروف ب "استعادة الكرامة" و الذي على اثره تخلصوا من تفاهة الاخوان. حكم الاخوان المسلمين في مصر لم يدم إلا عدة اشهر و لكن في ليبيا لم يدم إلا اقل من ثلاث مئة ساعة ليبقى السؤال المطروح هو لماذا الاخوان المسلمون هم هكذا متلهفون على السلطة و غير مكترثين بتاتا بمقومات بناء دولة تعددية تقوم على مبدأ الحق و القانون ؟ هم متلهفون على السلطة و غير مكترثين بتاتا بمقومات بناء دولة تعددية تقوم على مبدأ الحق و القانون، لأنه على ضوء ممارساتهم السياسية بداخل دولة مصر و ليبيا و من خلال تواجدهم بداخل الجهاز التشريعي و التنفيذي يتضح مما لا يجعل مجالا للشك بان هذا التيار ينبني بالأساس على اختيار الاستيلاء على السلطة تحت اي مبرر كان و بدون الاهتمام بمقومات بناء دولة الحق و القانون. ففي مصر ام الدنيا على اثر استيلائهم على السلطة التنفيذية و التشريعية خلال المرحلة الانتقالية التي تلت تنازل حسني مبارك اباحوا لنفسهم كل اليات صناعة السلطة بداخل جهاز الدولة المصرية العتيد فقاموا أولا بإبعاد كل القوى السياسية و كل الحساسيات الفكرية من لجنة صياغة الدستور ثم قاموا بعد ذلك بصياغة دستور على مقاسهم كانت نتيجته انهم اصبحوا مصنفين ضمن الحركات الارهابية. انظر بهذا الصدد مقالنا المعنون "هذا ما جناه دستور الإخوان". الاخوان المسلمون كتيار فكري عقائدي لم يستفيدوا من تجربتهم الخاصة لان اخطائهم تكررت و تشابهت في كل مكان مارسوا فيه فعل السياسة، و القاسم المشترك بين هذه الاخطاء هو لهفتهم الى السلطة و بأي ثمن كان و بدون حتى الاكتراث بضرورات اعادة بناء جهاز الدولة الذي تأكل بفعل الضربات القوية الموجعة التي تلقاها من الداخل و من الخارج. بهذه الصيغة المتكررة في كل مكان يمكن تصنيف الاخوان ضمن الحركات السياسية الايديولوجية القائمة على الانتهازية و التنكر لكل شيء ما عدا لفعل ممارسة السلطة و الهيمنة على الاخرين. اخطاء الاخوان تكررت و تشابهت و بنفس المواصفات، و رغم اخطائهم الفظيعة في احتكار تدبير المرحلة الانتقالية في مصر رغم ذلك قاموا بتكرار نفس الاخطاء في ليبيا لما استباحوا لنفسهم مجلسا و طنيا غير مكتمل النصاب القانوني و قاموا بواسطته بتعيين رئيسا على وزراء الحكومة الليبية هذا الرئيس الذي لم تمهله المحكمة الدستورية الليبية إلا شهرا واحدا حتى قامت بإصدار حكم دستوري يعتبر رئيس الحكومة المدعو معيتيك المنتمي لتيار الاخوان المسلمين في ليبيا رئيسا غير شرعي. لأن ولاية "المجلس الوطني الليبي العام"، أي البرلمان الليبي التي نصبت هذا الرئيس الاخواني كان من المفترض أن تنتهي قانونياً في سبعة فبراير، إلا أن المؤتمر مدد هذه الولاية حتى نهاية العام رغم رفض جميع المكونات السياسية الليبية الاخرى لهذا التمديد. هذا المؤتمر الوطني العام هو الذي قام بإقالة رئيس الوزراء السابق علي زيدان من منصبه في 11 مارس وإحلال المرشح المدعوم من قبل الإسلاميين أحمد معيتيق محله في 4 ماي. في الحالة المصرية تجلت لهفتهم على السلطة في عدم البحث عن توافقات سياسية و فكرية مع جميع القوى المشكلة للنسيج السياسي و الفكري المصري و في الحالة الليبية تجلت لهفتهم على السلطة كذلك في الاستيلاء على "المجلس الوطني الليبي العام" الذي هو بمثابة برلمان الشعب الليبي. هذا البرلمان يضم في تركيبته مائتين برلمانيا ليبيا و لكن الاخوان المسلمين لعدم ايمانهم بالديمقراطية و بدولة الحق و القانون فإنهم اكتفوا في تصويتهم على عملية تنصيب رئيس الوزراء الموالي لهم على ثلاثة و تسعون برلمانيا فقط من اصل المائتين التي تشكل العدد الاجمالي للبرلمانيين الليبيين . و حتى ضمن هذه الثلاثة و تسعون برلمانيا التي حضرت لجلسة التصويت لم تصوت لصالحهم إلا ثلاثة و ثمانون و امتنعت عشرة في حين حتى لو صوتت الثلاثة و تسعون بأكملها فان النصاب القانوني يبقى غير مكتمل و هذا ما تداركته المحكمة الدستورية الليبية العليا التي اصدرت حكما ينص على ان المدعو المعيتيك المنتمي الى حزب العدالة و البناء هو رئيس وزراء غير شرعي. حزب العدالة و البناء الليبي ذي التوجه الاخواني و معه تيارات اسلامية اخرى لا تؤمن بالتعددية و بدولة الحق و القانون قاموا بمنع كل الذين قاتلوا ضد نظام معمر القذافي من المشاركة في الحكومة لمدة عشر سنوات وذلك بموجب "قانون العزل السياسي" الذي أُقره هذا الحزب و من يدور في فلكه. ونتيجة لهذا القانون المفروض بالقوة تم استبعاد بعض أعضاء "تحالف القوى الوطنية" الأكثر علمانيةً عن " المجلس الوطني الليبي العام " كما قام بعض الاعضاء الاخرين تحت الضغط بتقديم استقالتهم من هذا المجلس، فيما تم تهميش كبار الموظفين و جميع الفئات الشعبية الاخرى. القوات المسلحة الليبية، تقديرا للعواقب الوخيمة، فضلت البقاء على الحياد فيما أجاز " المجلس الوطني الليبي العام " الذي يسيطر عليه حزب العدالة و البناء الاخواني للميليشيات الإسلامية حفظ الأمن في البلاد. الطامة الكبرى التي توضح تفاهة الاخوان و مدى لهفتهم للسلطة هي ان هذا الرئيس الذي صوت عليه فقط اخوانه المسلون و نصبوه رئيس وزراء على كافة الشعب الليبي يوم الرابع من ماي الماضي فهذا الرئيس كان سيدوم في منصب الرئاسة شهرا واحدا فقط لان موعد اجراء الانتخابات التشريعية كان محددا سلفا من طرف المفوضية العليا للانتخابات في يومي 21 و 22 يونيو الجاري. لكن ارادة الشعب الليبي كانت اقوى من الاخوان لأن حتى هذا الشهر لم يقضيه في السلطة لقد قضى فقط ثلاث مئة ساعة ليعلن عن نهاية حكم الاخوان المسلمين في ليبيا. الاخوان المسلمون يسمون دائما تنظيماتهم السياسية بما ينقصهم في مسلكياتهم ففي مصر يسمون أنفسهم حزب الحرية و العدالة و في ليبيا يسمون انفسهم العدالة و البناء و في دول اخرى مماثلة العدالة و شيء اخر؛ هذا الشيء الاخر هو فقط للتمويه أما العدالة فلا يتوفرون عليها بتاتا.