منذ قرابة السنتين وجدتني استجمعت أكثر من 50 قصيدة زجل تعالج مواضيع اجتماعية ومشاكل محيطة بالمواطن المغربي صغتها بطريقة هزلية كوميدية. لم تكن لدي فكرة عرض قصائدي على جمهور قراء ولا حتى قراءتها على المقربين، بل كنت أكتبها وأحتفظ بها لنفسي، أقرأها بين الفينة والأخرى فتذهب عني بعضا من الضغط وليد المعاناة اليومية ثم أعيدها إلى مخبئها. وأنا أكتب تلك القصائد التصقت بذهني صوره خشبة مسرح يعلوها ممثل مشرق الطالع مغربي الملامح يرتدي لباسا تقليديا مبالغا فيه إلى حد يوحي بشخصية أسطورية أو تاريخية يحكي قصص "القصائد" عبر مونولوج موزون مقفى قريب إلى الغناء، ومن خلفه مجموعة من الممثلين نساء ورجالا مطلين من نوافذ بيوت قديمة وجالسين على عتبات أرصفة ومصطفين على كراسي مقهى وعابرين طريقا تخترق خشبة المسرح يرددون بعده ما استفزهم من عبارات وما استوقفهم من أفكار وما أضحكهم من أمثال ساخرة، وبين الفينة والأخرى يجملون بعض الأبيات بألحان مغربية قديمة "كألحان جيل جيلالة وناس الغيوان" بقرع "البنادر" ليجعلوا منها صورا أكثر سخرية وشديدة الهزلية لتركيزها لدى المتفرج والمستمع. هذا ما يجول بذهني ويسري بخيالي وأنا أحول واقعا مرا إلى أبيات "زجل مغربي". تجرأت بعد مدة وعرضتها على جمهور فلقت استحسانا كبيرا واقترح علي البعض جمعها في ديوان وعرضها على دار نشر لطباعتها، فاستقبلت الفكرة بفرح وأمل، وهممت بانتقاء القصائد وجمعتها في ديوان بعنوان "الكلام المرصع"، وأخذت أبحث أين وكيف يمكن طباعتها ونشرها. وجدت أن وزارة الثقافة تساعد الكتاب المبتدئين على نشر كتبهم بتبنيها وطبعها ونشرها، بعد عرضها على لجنة من المتخصصين كل حسب نوع الكتابة وصنف الكتاب، ثم تعطي الكاتب عددا من النسخ وتسمح له بالمشاركة في معرض الكتاب للسنة الموالية. لم أتردد في تحرير طلب للوزارة وحمل نسخة من كتيبي إلى ملحقة "أكدال" لتقديم الطلب. دخلت إلى القسم المسؤول عن تلقي الطلبات فوجدت الكاتبة! (ملاحظة: موظفو وزارة الثقافة متواجدون بمكاتبهم.) سألتها أين يمكن إيداع الكتاب، بالكاد نظرت إلي وأشارت بأصبعها إلى ركن المكتب حيث عشرات الكتب موضوعة ثم أدارت وجهها. فترددت ثم سألت: "هل تتصلون بالشخص مباشرة أم علي العودة للتأكد من قبول الديوان"، فنظرت إلي بتثاقل وتعجب وكأني قاطعتها عن الصلاة وفتحت درج مكتبها بعصبية وأخرجت ورقة بيانات وأمدتني بقلم وأشارت بحركات بحاجبيها وعينيها وأنفها ويديها أن أملأ البيانات دون أن تفتح فمها! فغلبتني الابتسامة وملأت الورقة ووضعتها على المكتب وهممت بالخروج، ثم عدت... وأنا أعلم أني بعد هذا السؤال سأسمع "خل ودني"، وسألت: " متى تجيبون بالموافقة أو الرفض"، فاستنشقت الهواء بقوة ونظرت إلى وأجابت وهي تدير عينها وراء وتشد على الكلام ببطء وتقطع: "حتى تقرر اللجنة في كتب السنة الماضية، ونتصل بهم لإعلامهم بقبول ملفاتهم، ونطبع كتبهم، ونوزعها على المكتبات، ونقدمها في معرض كتاب السنة القادمة... عاد نقدم كتبكم للجنة السنة المقبلة، ونقرر في شأنها، وننتقي أفضلها، ثم نتصل بكم، ونعلمكم بقبول ملفاتكم، ثم نطبعها السنة التي بعدها، ونوزعها على المكتبات، ثم نعرضها السنة التي تليها في معرض الكتاب." خرجت من مكتبها مسرعة قبل أن تكمل كلامها وتركتها تحرك يديها إلى الأمام ثم إلى الخلف كرقصة "أحيدوس" مع تنبؤات المستقبل. علمت حينها أن علي أن أبحث جديا عن دار نشر تقبل بطبع الديوان وتوزيعه على حسابها مقابل ما شاءت من أرباح ونسب مئوية. فاتصلت هاتفيا بأكثر من أربعين 40 دار نشر بجميع مدن المغرب، كلهم ينهون المكالمة فور سماعهم كلمة "ديوان"، لأن حسب قولهم: الدواوين مكتمشاش. ذهبت إلى مقر أكثر من عشر دور نشر بين الرباطوالدارالبيضاء... أتذكر السنة الماضية حينما ذهبت إلى إحدى دور النشر المتواجدة ب"القامرة" بالرباط، ومشيت على قدماي لأكثر من 45 دقيقة في شارع صناعي لا مواصلات ولا مارة تعبره، وحينما وصلت إلى المكان تخطيت البوابة بخطوة واحدة فوجدت رجلا على مكتبه يضع يديه على رأسه وكأنه يحمل هم الدنيا، سألته عن مدير الشركة فأشار لي برأسه أنه هو نفسه، فقلت له: "لدي ديوان شع..." وقبل أن أكمل الجملة حرك رأسه بالنفي فخرجت وأنا أقول في نفسي: "مابغيتوش ينشري الديوان، بغيتو يقولي غير ڭلسي رتاحي"! قررت أن أضع الديوان جانبا، وأوفر بعض المال لأطبعه بمالي الخاص، فهي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يبدأ بها كاتب في أول الطريق، وبه كان. بعد ستة أشهر وجدتني أحمل ديوانا مغايرا لما كان عليه في بداية الأمر، فمع مرور الوقت، غيرت القصائد والعنوان، وبدأت التنقيب عن مطبعة توفر الجودة في الطباعة والرخاء في الثمن، لم أتسرع، فقد استغرقت في البحث شهرين أو أكثر حتى وجدت المطبعة التابعة لوزارة الثقافة نفسها: "مطبعة المناهل"، حيث لقيت من موظفيها مساعدة جمة في ثمن الطباعة وتنسيق الكتاب، إضافة إلى كبر المطبعة وحرفية عمالها وآلتها التي توفر جودة عالية. وريثما خرج الكتاب إلى حيز الوجود، بدأت جولتي في السؤال عن حقوق إبداع المؤلف ورقم الإيداع وأمور كثيرة يجب على كل كاتب أو فنان مبدع مبتدئ معرفتها حتى يضمن حقوقه الفكرية من أن تنقل أو تباع وتشترى خارج إطارها القانوني ورغبة مالكها. توجهت إلى مكتب حقوق الملكية الفكرية بحسان بالرباط، وسألت عن القسم المكلف للاستفسار، ثم دخلت وطلب مني أحد الموظفين الانتظار، بقيت أنتظر لأكثر من 30 دقيقة، ثم عاد موظف ثان وقال لي: "سمحي لينا أ ختي، حيت دابا... ما كاينش الحاج". ما كاينش الحاج؟ واش أنا جايا نفصل التوب؟ والحاجة؟ كاينا؟ ... أظن أن الموظفين مخطئون حين يظنون أننا نذهب إلى مكاتبهم كي يقضوا لنا حوائجنا! نحن نذهب فقط لنسأل عن أحوالهم ونعود. السلام، الله يخليك كاين المدير؟ فاجتماعععععع، مزيان، ياك بعدا لا باس عليه، إوا الله يعانوا ويكون معاه. كاينا الكاتبة؟ الكاتبة فالمكتب راقم جوج. ياك بعدا لا باس عليها؟ مول الدار لاباس؟ الدراري لا باس؟ وسلمي عليها ملي تجي. كاين رئيس القسم؟ مشا يتغدى. بصحتو وراحتو، ياك صححتو لا باس، والحمد لله للي لقيناكوم على خير. بالسلامة هاد الساعة. حتى نعاود ندوز نسول فيكوم ساعة أخرى. المصيبة هي عندما لا تجد أحدا في المكتب، ولا أحد في القسم، والإدارة "كتصفر"، حنا غير كنخافو لتكون طرات ليكوم شي حاجة. خليو لينا غي وريقة فوق المكتب فيها: الكل بيخير وما كاينينش هاد الساعة. فقط باش المواطن قلبو يرتاح. أما ماكاين حتى مشكل. على العموم، عدت في اليوم الموالي، "ولقيت الحاج"، وبقا كيحاجي عليا، وفهمت أن أول شيء يجب القيام به هو الذهاب إلى المكتبة الوطنية لتسجيل الكتاب وأخذ رقم الإيداع، وأن القصائد طالما لم تلحن ككلمات أغنية ولم تذاع في وسيلة سمعية بصرية فلا داعي لتأدية واجب حقوق المؤلف، لأن رقم الإيداع كفيل بأن يحفظ حقوقي القانونية ككاتبة للديوان. انتهت طباعة 500 نسخة من الكتاب، وبدأت أطرق أبواب شركات التوزيع كي توزعه في الأكشاك لكن، على ما يبدو أن دور نشر الكتب في المغرب بدون استثناء ودور التوزيع بما فيها "سوشپريس، سپريس، ووسيط بريس" كلها دور "تبزنيس" لا غير، ليس لديهم أية علاقة بالكتابة ولا الأدب ولا الشعر ولا أي شيء من هذا القبيل، هم شركات تفتح أبوابها للربح وتقفلها في وجه مساعدة الشباب أو إعطاء الفرصة أو أي دعم يمكن ولو باحتمال واحد بالمائة أن لا يكسبها مالا. فتوزيع 500 نسخة من كتيب من 90 ورقة على الأكشاك في نفس الشاحنات التي يوزعون بها الجرائد والمجلات لن يخسرهم سنتيما واحدا، لكن للأسف، عدم الربح بالنسبة لهم في حد ذاته خسارة. وما أدراهم أن الكتاب لا يباع؟ اتفقت مع أحد باعة الجرائد بأكشاك الرباط أن يعرض خمس نسخ منه في مقابل نسبة مئوية، وعند مروري باليوم الموالي لم أجد ولا نسخة ، وطلب مني جلب نسخ أخرى... بقي أن عدت إلى وزارة الثقافة كي أسأل عن احتمال ابتياع الوزارة لبعض النسخ كمساعدة تقدمها للكتاب المبتدئين، فما كان إلا أن لقيت كاتبة أخرى حاولت إبعادي عن إزعاجها "بالفن"، حيث طلبت مني إيداع طلب مع نسخة الكتاب والذهاب دون عودة، لكن إلحاحي المستمر الذي يضيق بالكاتبة ذرعا لا ينقضي، فسألتها: "متى تتصلون بالكاتب لتجيبوه بقبول أو رفض الطلب"، فأجابت بكل ثقة: "بعد سنتين"... انصرفت كالعادة وعدت، كي أرهقها قليلا كما أرهقت بجوابها طموحي وأملي، وقلت لها: "فالحقيقة، حيت أنا صحافية، وغنكتب عليكوم". انتفضت وانفضت من مكانها وطلبت مني أن أقابل المسؤول لأن معلوماتها غير دقيقة. انتظرت المسؤول بضع دقائق فإذا بالسي "حسن النجمي" يخرج من المكتب لاستقبالي، رجل جد لبق ومتزن، أعطاني فرصة لأشرح له أني بدون مقدمات "أطلب مساعدة"... الوزارة معندهاش الميزانية لشراء كتب الكتاب المبتدئين، لكنه وعدني بالمشاركة في معرض سيقام قريبا لعرض الكتب على المكتبات.. عند محاولة أي شاب في المغرب تحقيق أحلامه في حقيقة الأمر لا يجد أدنى مشكل، نعم ليست هناك أية مشاكل، لا مساعدات ولا معرقلات ولا مشاكل... ليس هناك شيء بالمرة! يمكن أن تكتب كتابا وتخرج إلى الشارع وتسلم على الناس وتخبرهم أنك كتبت كتابا ولا أحد سينتبه لك أو يؤذيك، يمكن أن تضعه فوق رأسك وتصعد الباص ولا أحد سيمس شعرة منك، يمكنك أن تذيبه في كأس من الماء وتشربه ولا أحد سيعيرك أدنى اهتمام، ويمكنك أن تصعد سطح عمارة وتلقيه على رؤوس المارة والله لن تحرك ساكنا. المهم، لا تذهب إلى الوزارات، لا تطالب بحقوقك، لا تسأل لماذا وكيف ومتى وأين وإلى متى؟ لا تحرق أعصاب الموظفين بقدومك والسؤال عنهم، لا تزعج الشركات العمومية التي تضرب على ملايين الدراهم بطلباتك الهزيلة وأرباحك المثيرة للضحك... اذهب أنت وكتابك إلى الجحيم. لكني لست أبدا من النوع القانط اليائس، لا أدري لما في كل مرة يقفل أحد بابه في وجهي أو يخبرني أنه ليس في مكتبه وأن أترك الكتاب عند "العساس"!!! لا يزيدني هذا إلا تفاؤلا وحزما. دائما وأنا ذاهبة لأطرق باب أحدهم أو أطلب فرصة أقول في نفسي: "أنا غادا عند الله، نطلب الله، أما هادا غير سبب، للي حطو تما، يقدر يهزو من تما، ويلا ماصدق هادا يصدق لاخور." دائما وأنا عائدة إلى البيت بعد يوم لم أصل فيه إلى نتيجة أقول وأعيد في نفسي: هذا ليس كل شيء، هناك طريقة أخرى، أنا متأكدة أن هنا طريقة. ووجدت طريقي إلى القراء، طريق مباشر للم أصدقاء النت في جمع أدبي ثقافي، وفكرت في صالون أدبي أسميته "ملتقى مسك الليل"، لعرض الديوان وللتعارف وتبادل الأفكار والآراء وإعطاء فرصة للشباب لعرض مواهبهم الأدبية بقراءات و إلقاءات في فضاء مفتوح للمشاركة دون دعوات ولا شكليات فارغة. وبعد تحديد الموعد والمكان انسحبت الجمعية المنظمة، ووجدتني أمام عدد من الأصدقاء يطالبون بتغيير الموعد حتى بلائمهم ليستطيعوا الحضور والمشاركة، فغيرت الموعد إلى يوم السبت 10 يوليوز 2010، بالرباط، بدعوة مفتوحة لكل محبي أشعاري الزجلية ومحبي التبادل الثقافي الراقي البعيد عن الصراعات والنقاشات السياسية العقيمة، ولباقي المعلومات زر صفحة الفايس بوك. أنصح كل الشباب بعدم الامتثال لليأس، وأقول لهم أن لا أحد يملك شيئا على الإطلاق ولا أحد يقرر شيئا، كل شيء ملك لله وكل شيء بيده تعالى، ولو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بما كبته الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بما كتبه الله عليك، قاوم اليأس وارفع الهمة وبادر وتوكل على الله، فالذي خلقك قادر على أن يعطيك مرادك، لا أحد يستطيع وضعك في مكان ما، مكانك أينما تختار أنت... رفعت الأقلام وجفت الصحف http://www.facebook.com/mayssasalama ومن هنا، سيبدأ التغيير http://www.ipetitions.com/petition/maroctransport